لماذا تصاعدت التهديدات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط؟ | مركز سمت للدراسات

لماذا تصاعدت التهديدات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط؟

التاريخ والوقت : الخميس, 7 يناير 2021

شهد عام 2020 تحولات ومتغيرات جديدة فيما يتعلق بحالة الأمن السيبراني في منطقة الشرق الأوسط ، جاءت مدفوعة تارة بالتصاعد الملحوظ في التهديدات السيبرانية، وتارة أخرى بما فرضته جائحة “كوفيد- 19” من بيئة جديدة غذَّت التهديدات الموجودة وسرَّعت من وتيرتها مع زيادة الاستخدام والاتصال عبر الإنترنت، وانعكاس ذلك على أمن تقديم الخدمات في مجال التعليم والعمل والصحة وكافة الخدمات الحكومية.

وقد بدأت بعض دول المنطقة تتجه نحو التحول الرقمي، وذلك بغية العمل على تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وتعزيز النمو الاقتصادي، واختلفت درجات التقدم في مجال الرقمنة والتحول الرقمي وفق طبيعة المناطق الفرعية، فكانت أكثر تقدمًا في منطقة الخليج وفقًا لطبيعة الثروة هناك، في حين كانت هناك مناطق أخري متوسطة التقدم نحو التحول الرقمي، وما زالت هناك مناطق أخري تعاني من مشكلات بناء الدولة وعدم الاستقرار المؤثرين على تبني استراتيجيات التحول الرقمي.

اعتبارات عديدة

لذا، تعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق في العالم التي تتعرض للتهديدات السيبرانية، سواء على مستوى البعد المادي المتعلق بالتخريب والقرصنة أو على مستوى البعد المرتبط بتطبيقات الحرب النفسية.

وتستحوذ منطقة الخليج على النسبة الأكبر من التهديدات السيبرانية مقارنة بغيرها من المناطق، ويتركز 50% من هذه الهجمات في قطاع الطاقة فقط.

ويمكن تفسير ذلك في ضوء اعتبارات رئيسية ثلاثة: الأول، يتمثل في طبيعة النمو في البيئة الرقمية والتوسع في البنية التحتية والتوجه نحو الاقتصاد الرقمي ، على نحو ينعكس في مؤشرات عديدة منها ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط إلى 41% من سكانها عام 2020، وزيادة إجمالي الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في العام نفسه بنسبة 2.4% عن عام 2019، حيث وصل إلى 160 مليار دولار.

وينصرف الاعتبار الثاني، إلى تصاعد حدة التوتر بين العديد من القوي الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة، حيث أصبح المجال السيبراني ساحة لنقل الصراع والتنافس بين هذه القوي. ومن دون شك، فإن تأثير الهجمات السيبرانية يتزايد بالنسبة لتلك القوي في ضوء التطور المستمر الذي تشهده، سواء على مستوي حجم الضرر المتوقع منها أو على مستوي آليات شنها، لاسيما في ظل زيادة الاعتماد على المجال السيبراني في تقديم الخدمات الحيوية.

وكان لافتًا أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي بدأت في توجيه اتهامات لإيران بالمسئولية عن شن هجمات سيبرانية على بعض منشآتها، كما باتت تلك الهجمات إحدى أدوات إدارة التصعيد بين الأخيرة وكل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في ظل اتساع نطاق الخلافات فيما بينها حول الملفات الإقليمية.

ويتعلق الثالث، باتجاه الفاعلين من غير الدول، لاسيما التنظيمات الإرهابية، إلى الاعتماد على المجال السيبراني في شن هجمات ضد مصالح بعض الدول. وقد تزايد تأثير هذا المجال بعد الهزائم العسكرية التي تعرضت لها، على نحو دفعها إلى محاولة شن هذه الهجمات، خاصة في ضوء نجاحها خلال الأعوام الماضية في استقطاب عناصر تمتلك خبرة في هذا المجال. وبالطبع، فإن ما يزيد من خطورة ذلك هو التحالف الضمني الذي أسسته تلك التنظيمات مع العصابات الإجرامية التي تبحث عن مصادر تمويل فقط وتمتلك مهارات في مجال القرصنة الإلكترونية.

وقد ساهمت زيادة وتيرة الهجمات السيبرانية في الشرق الأوسط في تحولها إلى إحدى الأسواق الجاذبة في مجال الأمن السيبراني من قبل الاستثمار الأجنبي والشركات الكبري، لدرجة أن اتجاهات عديدة لا تستبعد أن يكون جزءًا من هذه الهجمات التي تتعرض لها بعض دول المنطقة مرتبطًا بالتنافس بين الشركات التقنية الكبرى المتخصصة في هذا المجال.

دور كوفيد-19
لا يمكن فصل تصاعد الهجمات السيبرانية في الإقليم عن اتساع نطاق أزمة انتشار فيروس كوفيد- 19. فقد مثّلت التداعيات التي فرضتها الجائحة اختبارًا قويًا لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما أنها زادت من مستوي الطلب على الخدمات التكنولوجية المتاحة.

وبقدر ما كان ذلك تجاوبًا مع الاتجاه العالمي نحو تسريع التحول إلى الرقمنة، بقدر ما زاد من احتمالات التعرض للتهديدات السيبرانية بأنماطها المختلفة، لاسيما في ضوء استمرار إجراءات التباعد الاجتماعي، والاتجاه نحو استخدام تطبيقات التعلم أو العمل أو تلقي الخدمات عن بعد، وهو ما أتاح فرص نشر البرامج الضارة والتصيد وسرقة البيانات الشخصية وانتهاك الخصوصية، وخاصة مع اضطرار فئات عديدة للتعامل الرقمي دون خبرة سابقة بإجراءات التأمين.

واستغل المهاجمون كذلك حالات عدم اليقين والشغف بالبحث عن علاجات أو أخبار عن فيروس “كوفيد- 19” في نشر المعلومات الزائفة وتزييف أسماء النطاقات وانتحال شخصية المواقع الرسمية الحكومية. وتوازي ذلك مع محاولات التنظيمات الإرهابية توظيف الجائحة في إعادة إنتاج خطابها المتطرف والتحريض ضد الدول والسعي لاختراق الكتلة الحرجة من الشباب وانتهاز فرص عزلهم عن محيطهم الاجتماعي. وحسب بعض التقديرات، تعرضت 56% من الشركات في المنطقة لخسائر تقدر قيمتها بأكثر من 500 ألف دولار بسبب الهجمات السيبرانية خلال عام 2020.

مواجهة مشتركة
دفعت هذه المخاطر السيبرانية إلى زيادة حجم سوق الأمن السيبراني في الإقليم، والذي يتوقع أن ينمو من 16.1 مليار دولار في عام 2020 إلى 28.7 مليار دولار بحلول عام 2025. ومن المتوقع أن ترتفع قيمة سوق الأمن السيبراني في دول مجلس التعاون الخليجي ، على سبيل المثال، من 7.2 مليار دولار في عام 2016، إلى 11.4 مليار دولار في عام 2024.

لكن زيادة الطلب على الأمن السيبراني قد لا يكون كافيًا لاحتواء تلك التهديدات؛ إذ بات واضحًا أن على دول المنطقة تعزيز الجهود المشتركة في تبادل الخبرات وبناء القدرات في هذا المجال، وتطوير الاستراتيجيات الوطنية في مجال الأمن السيبراني والمرونة الرقمية وبناء صناعات وطنية في هذا القطاع، سواء فيما يتعلق بالأجهزة أو ما يتصل بالبرمجيات، والعمل على تأمين خدمات الحكومة الإلكترونية وقطاعات البنية التحتية الحرجة.

ومن دون شك، فإن ما يضفي أهمية خاصة على مواجهة تلك التحديات هو طبيعة العلاقة الترابطية بين القدرة على تحقيق مستوي أعلي من الأمن السيبراني من جهة وتعزيز القدرات في مجال الاقتصاد الرقمي من جهة أخرى.

المصدر: بوابة الأهرام

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر