من أبرز أهداف وغايات الأمم المتحدة حفظ الأمن والسلم الدوليين، وتوثيق العلاقات الودية بين الدول والشعوب، ومن جوهر هذه الأهداف أيضاً إبعاد كأس الحروب عن البشرية، وبالتالي الحفاظ على كرامة الإنسان وحقه في الحياة. ولمأسسة هذه الأهداف أُنشئت الوكالات الدولية المتخصصة، ومن بينها منظمة الصحة العالمية، التي تعتبر المسؤولة الرئيسية عن متابعة ما يتعلق بالصحة العالمية، ومن بينها الأمراض والأوبئة.
وقد وُضِعَ لها دستور خاص حدّد وسائل عملها، والآليات التنفيذية لتحقيق أهدافها وغاياتها.
صحيح أن المنظمة تمكّنت خلال العقود السبعة الماضية من إنجاز الكثير من الملفات الصحية، وتمكنت من تجاوز العديد من العقبات التي تحبط من عملها رغم الإمكانات والصلاحيات الممنوحة لها على المستوى الدولي، إلا أن ما تواجهه اليوم يتطلب بيئة عمل مختلفة كلياً، بالنظر لما تواجهه حالياً من تحديات انتشار فيروس «كورونا» وسلالاته المتجددة.
ثمة أرقام صادمة لجهة انتشار الفيروس ونسب المتوفين فيه، وبحسب الإحصاءات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية بلغ عدد المصابين أكثر من 81 مليون شخص، فيما وصل عدد الوفيات إلى حوالي مليون و800 ألف شخص، وهي أرقام يمكن التوقف عندها، لاسيما أن الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا تحصد الأرقام الأولى في عدد الإصابات والوفيات، رغم الإمكانات الموضوعة للمواجهة، ما يدلل على أن ثمة ضرورة قصوى لاستيلاد وسائل أكثر حجماً لمواجهة الوباء، وبخاصة أن سلالات جديدة بدأت في الانتشار، وسط تأكيدات أن هذه السلالات أسرع انتشاراً، وربما تكون أكثر فتكاً.
وبالنظر للوقائع والمعطيات الصادمة، بات يتطلب الأمر توجهاً مختلفاً، وفي طليعته إيجاد آليات دولية ملزمة لكل ما يحيط بالوباء لجهة مواجهته وتشخيصه وعلاجه، على أن يجري العمل على تطوير وسائل عمل منظمة الصحة العلمية، وإعطائها صلاحيات استثنائية تنفيذية من مستوى صلاحيات مجلس الأمن في الفصل السابع على سبيل المثال لا الحصر.
ثمة مبررات واقعية وعملية لهذا الطرح، وهي الحفاظ على الجنس البشري على كوكبنا، فالوباء إذا استمر بهذا الحجم من الانتشار والفتك، فسيقضي على البشرية في أوقات قياسية، مقارنة بأوبئة سابقة ضربت الجنس البشري في القرون الماضية. فنوع الوباء وحجمه وتداعياته تتطلب جهوداً دولية مجتمعة، بدءاً من التقصي والتحقيق الجدي عن مركز انطلاقه، والإجابة عن الأسئلة المتصلة لجهة العمل، إن كان مفتعلاً أم لا، وبالتالي تحميل المسؤولية الجزائية الدولية للطرف المسؤول، علاوة على إيجاد البيئة العلمية الدولية لمتابعة الأبحاث لإيجاد اللقاح، والعمل على ألّا يكون تجارياً، بحيث تستطيع كافة شعوب العالم الحصول عليه بيسر.
ربما ثمة من يعتبر هذه الطروح «طوباوية» غير قابلة للتنفيذ عملياً، إلا أن حجم المأساة البشرية التي ستقع بها قريباً تستلزم العمل على هذا التحدّي، فمن الواضح وفي مقاربة بسيطة جداً لحجم الأرقام التي حصدتها الأوبئة خلال القرون الأربعة الماضية أنها تفوق بأعدادها أضعاف الأعداد التي حصدتها الحروب الإقليمية والعالمية، وهي مرشحة للازدياد والتسارع؛ وبالتالي فإن جهود المواجهة ليست مسؤولية دولة بعينها أو مسؤولية مؤسسة دولية محددة، إنما ينبغي أن تكون عالمية وذات طابع إنساني رفيع المستوى.
فالأمر يتعلق بالبشرية وميزتها الرئيسية الإنسانية، وهي ليست متعلقة لا بدولة ولا بنظام سياسي ولا بعرق أو دين أو قومية، من هنا تأتي هذه الخاصية العالمية في المواجهة.
وثمة من يقول أيضاً إن تجربة الاتكال على مجلس الأمن لحماية سلام البشرية لم تكن مشجعة تماماً، وبالتالي العمل على إنشاء أو تعديل صلاحيات وعمل منظمة الصحة العالمية أمر غير واقعي، إلا أن التدقيق في الأسباب الموجبة وما يحيط بها يؤكد الحاجة لمثل تلك المقترحات، وما يعزز ذلك ازدياد منسوب الاقتناع بأن ما يجري اليوم هو حرب بيولوجية عالمية تُخاض بين قوى لم تعد للإنسانية مكان في عقولها وسلوكها، وبالتأكيد في قلوبها. ثمة حاجة ملحة لإعادة ترميم إنسانية البشر قبل أن تصبح أثراً بعد عين.