سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نايجل جولد ديفيس
في نهاية عام سيطر فيه فيروس “كوفيد – 19” على عناوين الأخبار، يفكر “نايجل جولد ديفيز”، محرر المسح الاستراتيجي 2020، في الدروس الجيوسياسية التي لا ينبغي تجاهلها في عام الوباء.
فجائحة “كوفيد – 19” هي قصة عام 2020، إذ اختبرت القدرات الوطنية والتماسك الاجتماعي والعلاقات الدولية. لكن الجائحة لم تحل محل الجغرافيا السياسية، بل كسرتها فقط. لقد شكلت الجغرافيا السياسية تأثير الفيروس، ولا تزال تفعل ذلك. كما أن العديد من التطورات الرئيسية لا علاقة لها بالوباء أو لا علاقة لها على الإطلاق. إلا أن العام المنصرم يقدم لنا ثلاثة دروس جيوسياسية.
الدروس الرئيسة لعام 2020
أولاً: يواجه العالم أكبر فجوة في الحكم منذ الحرب العالمية الثانية. فقد تهدد التحديات العالمية المشتركة لتغير المناخ والأوبئة جميع البلدان، وهو ما يتطلب تعاونًا عالميًا غير مسبوق. وبدلاً من ذلك، فقد تعمقت الانقسامات الدولية وانعدام الثقة والتنافس. فالعلاقات الروسية الغربية تبدو حاليًا في أسوأ حالاتها منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي. لقد انتهى فعليًا الحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا. ووصلت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى أدنى مستوى لها منذ أواخر الستينيات. وقد عانت العلاقات الصينية الهندية من أسوأ أعمال العنف منذ عام 1975. أمَّا علاقات عبر الأطلنطي فهي في أقصى درجات عدم اليقين منذ أواخر الأربعينيات.
وقد أدى الهجوم الأوسع على فكرة وممارسة التعددية إلى تفاقم هذا التآكل في العلاقات الرئيسة. وعلى غير العادة، تعرضت المؤسسات الدولية التي تدعم التعاون للهجوم ليس فقط من قبل المنافسين الصاعدين، ولكن من قبل القوة المهيمنة وهي الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، فقدت المنظمات التي تعالج المشكلات الجماعية من خلال تبادل المعلومات والخبرات، والاتفاق على سياسات مشتركة وتنسيق تنفيذها، الدعم والموارد وحتى العضوية.
وتشير الفجوة المتسعة بين الحاجة إلى التعاون والفشل في توفيره إلى أزمة في النظام الدولي. وعلاوة على ذلك، فقد انفتحت ثغرات قانونية دولية، حيث تجاوزت التطورات السياسية والتكنولوجية القواعد والقوانين المعمول بها في مجالات مثل النزاعات التي تشمل جهات فاعلة من غير الدول، والأمن السيبراني، والأنشطة المتعلقة بالفضاء الخارجي، وإدارة تدفقات اللاجئين. وبالتالي، فإن هناك حاجة ماسة إلى دبلوماسية قانونية إبداعية لمعالجة هذه الثغرات.
حتى في عام على مستوى الجغرافيا السياسية الصعبة، كانت هناك أخبار جيدة. فقد توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع طالبان، لإنهاء أطول حرب لأميركا. وعلى الرغم من خسارة الاتحاد الأوروبي لدولة عضو رئيسية مع خروج بريطانيا منه، فقد اكتسب ذلك الأمر، بعد محطات فارقة، تماسكًا جديدًا وهدفًا جديدًا في معالجة جائحة “كوفيد – 19″، فضلاً عن الاتفاق على التزامات مالية غير مسبوقة كسرت محرمات السياسة. ولم يكن أي من هذه الإنجازات أمرًا حتميًا. فالمرحلة الثانية من عملية السلام الأفغانية، والمتمثلة في المحادثات بين حكومة كابول وطالبان لإنهاء الحرب الأهلية تبدو الآن على المحك. أمَّا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فلا يزال هناك قيود كبيرة على طموحات “الحكم الذاتي الاستراتيجي”، وذلك على الرغم من الأحاديث الشائكة بشأنه.
أمَّا الدرس الجيوسياسي الثاني لعام 2020، فهو يكمن في الخيارات، وكذلك القوى المهمة والأولويات بالنسبة للقادة الوطنيين. فقد احتفل “فلاديمير بوتين” بمرور 20 عامًا في السلطة من خلال الدفع بإدخال تغييرات دستورية كبيرة تسمح له بالبقاء في الرئاسة حتى عام 2036 إذا رغب في ذلك. وقد كان العام المنصرم أيضًا مهمًا بالنسبة للقادة الديمقراطيين الأطول خدمة في آسيا وأوروبا. فقد تقاعد رئيس الوزراء الياباني “آبي شينزو”، بينما بدأت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” ما كان من المتوقع أن يكون العام الماضي لها في المنصب. ومن أهم ما تركه “آبي” هو مبادرة “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة”، التي اقترحها في عام 2016، ومنذ ذلك الحين تمَّ تبنيها من قبل الشركاء الرئيسيين. ويبقى لنا أن نرى إلى أي مدى ستتطور هذه المبادرة، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بـ”آبي”، في ظل خليفته، “سوجا يوشيهيدي”. أمَّا بالنسبة لألمانيا، وهي أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، فإنها تواجه أكثر بيئاتها الدولية تعقيدًا منذ إعادة التوحيد. ويجب أن تتنقل مستوى مواجهاتها المتنامية بين الولايات المتحدة والصين، وإدارة روسيا الصاعدة، بما في ذلك عن طريق زيادة ميزانية الدفاع، والمساعدة في قيادة استجابة الاتحاد الأوروبي لنهاية الفترة الانتقالية لبريكست.
وفي الوقت نفسه، واجه قادة الإصلاح الطموحون في ثلاث قارات تحديات متزايدة في دفع أجنداتهم إلى الأمام. فقد واجه “سيريل رامافوزا” من جنوب إفريقيا مقاومة محلية من الفصائل والمصالح الخاصة. ونتيجة لعدم الثقة في المؤسسات والمتردد في بناء مؤسسات جديدة، كافح “أندريس مانويل لوبيز أوبرادور” لتحقيق “التحول الرابع” في المكسيك. ورغم الشعبية القوية التي يتمتع بها الرئيس الأوكراني “فلاديمير زيلينسكي”، فقد واجه مجموعة هائلة من التحديات، بما في ذلك الفساد المحلي، والضغوط المزدوجة لـ”بوتين” و”ترمب”، وافتقاره إلى الخبرة السياسية والإدارية.
أمَّا الدرس الجيوسياسي الثالث، فيكمن في أن معظم مناطق العالم تواجه تحديات متصاعدة للوضع الراهن. ففي أغسطس 2019، قامت الهند بإلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير، مما زاد التوترات مع باكستان. وقد أكملت إثيوبيا بناء سد النهضة الإثيوبي الأكبر، وهو أكبر منشأة على نهر النيل منذ سد أسوان، دون حل التوترات مع مصر والسودان المعتمدين على النيل. وقد أدى عرض تركيا للوجود العسكري ونفوذها إلى تصعيد أنشطتها في ليبيا وسوريا، والمساعدة في قلب نزاع “ناغورنو كاراباخ” لصالح أذربيجان. ويشير المسح الاستراتيجي لعام 2020 إلى انتشار الجريمة المنظمة البرازيلية عبر أميركا اللاتينية وخارجها، مما يقوض قدرة الدولة أمام التحديات التي تواجهها.
لقد بدأ عام 2020 بانتشار فيروس جديد قاتل، وانتهى بتوزيع لقاحات لهزيمته. إن أزمة جائحة “كوفيد – 19” ستمر، لكنها ستترك بصماتها على التاريخ. لكن الجغرافيا السياسية لا تزال قائمة؛ فلا ينبغي تجاهل دروسها في عام الوباء.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر