كان أمين عام منظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرح، الجمعة، بضرورة “فتح ممرات إنسانية” في إثيوبيا لتوفير المساعدات للسكان العالقين في النزاع الدائر في إقليم تيغراي، وقال لوسائل إعلام في نيويورك: “نشعر بقلق بالغ حيال الوضع في إثيوبيا”، و”الأثر الإنساني المأسوي” الذي يمتد إلى السودان، كما أضاف: “نقوم بكل ما هو ممكن لحشد الدعم الإنساني للاجئين المتواجدين حاليا في السودان، ونطالب بالاحترام الكامل للقانون الدولي وبفتح الممرات الإنسانية”.

بادئ ذي بدء، إذا كانت الحروب تخضع لإرادة الإنسان وتدبيره، فإن الكوارث الطبيعية تخرج عن حدود تلك الإرادة، وتفوق بكثير قدراته، حيث يعجز عن منع وقوعها أو وقفها، على أنه في كثير من الأحيان يتنبأ العلماء بوقت وقوعها وحجم الخسائر التي يمكن أن تتسبب عنها، ومع ذلك لا يمكن فعل أي شيء حيال ذلك سوى انتشال الجثث، وتقديم المساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية، ومن هنا تأتي أهمية المساعدات الإنسانية باعتبارها السبيل الوحيد لتخفيف معاناة ضحايا تلك الكوارث.

لذلك تعرف المساعدة الإنسانية بأنها “كل عمل عابر للحدود تمارسه منظمة الغوث الحكومي، وغير الحكومي، والحكومات المختلفة، من أجل إنقاد جماعة بشرية في حالة خطر مؤكد”.

ليس من اليسير الخوض فيما إذا كانت المساعدة الإنسانية حق من حقوق الإنسان وفقا للقانون الدولي أم لا، لأن هذه المسألة ترتبط بتطور حقوق الإنسان الدولية، حيث إن البحث عن حق المساعدة الإنسانية يجب أن يتحدد في إطار المحافظة على سلامة ومصداقية حقوق الإنسان على أساس أنها المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تلبيه كافة الشعوب والأمم، وبالتالي يعتبر أنصار فكرة “الحق بالتدخل” في القرارين الصادرين عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة (43/131) عام 1988 و(45/100) عام 1990، والمتعلقين بالمساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المماثلة، أنهما يقرران شرعية المساعدة الإنسانية المقدمة لضحايا الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، ذلك كونهما يشكلان نقطة البداية نحو تقنين الحق في المساعدة الإنسانية.

يختلف الوضع بخصوص المساعدة الإنسانية المقدمة في حالات النزاعات المسلحة المختلفة، فالإشكاليات التي ترافق المساعدات الإنسانية المقدمة في هذا المجال تزداد تعقيدا، لأن النزاع المسلح يدخل في سياق سياسي، وهو ما يؤدي إلى عرقلة عمليات الإنقاذ الوافدة من الخارج سواء كانت بطلب من الدولة نفسها، أم بمبادرة من المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية.

وتخضع عملية تقديم المساعدات الإنسانية، بوجه عام، إلى عدد من المبادئ الأساسية، أهمها: يجب أن يكون الغرض من المساعدة الإنسانية منع أو تخفيف المعاناة الإنسانية، وحماية الحياة وضمان احترام الإنسان، وينبغي توفيرها لكل من يحتاج إليها دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر، وينبغي توفير المساعدة بصورة أولية في حالات الشدة الأكثر خطورة أو إلحاحا، ولا ينبغي توفيرها لتعزيز أي وضع سياسي أو ديني، ويجب أن تحترم المساعدة ثقافة وبنية وعادات المجتمعات والدول، وتتحدد آلية المساعدات الإنسانية بإنشاء “ممرات إنسانية”، وفقا لقرار الجمعية العامة (45/100) عام 1990، من خلال التنسيق ما بين الدول المعنية والدول المجاورة، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية.

يدل مصطلح الممر الإنساني علي منطقة خالية من الوجود العسكري، يقوم طرف ثالث بحمايتها عادة ما تكون قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، ويكون هذا الطرف خارج النزاع القائم، فيمكث المدنيون بعيدا عن الأخطار التي تهدد حياتهم، كما تعني مناطق خالية من الوجود العسكري يجري الإعلان عنها أثناء الاضطرابات أو نزاع مسلح بقصد حماية المدنيين، وإيصال المساعدات والخدمات الإنسانية لهؤلاء بواسطة طرف ثالث، كما ينصرف إلى المواقع والطرق والمعابر المتفاوض عليها بين أطراف النزاع من أجل نقل المساعدات للضحايا، فهي بذلك ممرات محددة في الزمن والنطاق الجغرافي تستخدم لضرورتها في توفير المساعدات والخدمات الصحية الأساسية، لا سيما الإمدادات بالغذاء والماء لصالح الأشخاص المتضررين من الحرب.

توفر الممرات الإنسانية حلا مثاليا للمنظمات الإنسانية فيما يتعلق بعملياتها من أجل توفير الحماية والمساعدة للذين يتضررون من جراء الحرب، حيث يتطلب موافقة كافة الأطراف المحاربة وكسب ثقتهم بالنسبة إلى تسليم المساعدات الإنسانية، لكن أحيانا تفرض هذه الممرات والمناطق المحمية جبرا حين يصدر بصددها قرار من مجلس الأمن تأسيسا على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والمثال الصارخ الذي يضرب في هذا الصدد المناطق الآمنة التي أنشئت في جمهورية البوسنة والهرسك أثناء الحرب اليوغسلافية في منتصف التسعينات من القرن المنصرم 1991-1995، ويطلق على هذه الممرات عدة تسميات منها: الممرات الإنسانية الآمنة، والملاذات الآمنة أو المناطق الإنسانية الآمنة.

توفر اتفاقيتا جنيف الأولي والرابعة عام 1949 إمكانية إنشاء مناطق استشفاء وأمان، كما تعرضان مشروع اتفاق بشأن إقامة هذه المناطق، ملحقا بكل منها، وعلاوة على ذلك توفر اتفاقية جنيف الرابعة إمكانية إنشاء مناطق محايدة، والقصد من إنشاء هذين النوعين من المناطق إيواء الجرحى والمرضى والمدنيين ووقايتهم أخطار النزاع المسلح، وبينما تقام مناطق الاستشفاء والأمان بعيدا عن مسرح العمليات العسكرية، تقام المناطق المحايدة في الميادين التي تدور فيها عمليات عسكرية بين المتحاربين، وقد أدمجت الأحكام ذات الصلة بهذا الأمر من اتفاقيات جنيف في الكثير من كتيبات الدليل العسكري للدول التي تؤكد وجوب احترام هذه المناطق، وبمقتضى تشريعات عدة دول يعتبر الهجوم عليها جرما.

لقد جرى الاتفاق على مناطق توفر ملاذا آمنا للجرحى والمرضى والمدنيين في نزاعات مسلحة دولية وغير دولية، وعلى سبيل المثال أثناء حرب التحرير في بنغلادش والنزاعات المسلحة في كمبوديا وتشاد وقبرص ونيكاراغوا وسيريلانكا ويوغوسلافيا السابقة، وأنشئت معظم هذه المناطق بناء علي اتفاقات مكتوبة استنادا إلى المبدأ الذي يوجب عدم الهجوم علي المناطق التي تنشأ لتكون ملاذا آمنا للجرحى والمرضى والمدنيين، هذا ويتعين عدم مهاجمة المناطق التي لا تحوي إلا الجرحى والمرضى، أو أفراد الخدمات الطبية والدينية، أو أفراد الغوث الإنساني أو المدنيين، تطبيقا للقواعد المحددة التي تحمي هذه الفئات من الأشخاص، والتي تنطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

وهناك عدد من الأسس والمبادئ الإنسانية التي تحكم إنشاء وعمل الممرات الإنسانية، تستند إلى مبادئ حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تم تطويرها تأسيسا علي مبادئ القانون الدولي الإنساني، فيتطلب مبدأ الإنسانية تخفيف المعاناة حيثما أمكن ذلك، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر ضعفا من السكان، ويعني مبدأ عدم التحيز أن المساعدة تقوم على الحاجة فقط، فيجب ألا تميز بين السكان على أساس العمر أو الجنس أو الدين، ويحظر مبدأ الحياد تفضيل أطراف معينة في حالات الصراع أو الانحياز إلى جانب واحد، لذلك فتصور منظمات الإغاثة على أنها محايدة أمر بالغ الأهمية لسلامة أولئك الذين يقدمون المساعدة.

إن البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1977 يكمل هذه الأحكام محددا أن “عروض النجدة والمساعدة” يجب أن لا تعتبر تدخلا في النزاع، خاصة إذا استوفت شروط الحياد والتجرد، غير أن هذا المبدأ أيضا مقيد، فالدولة الموافقة على دخول المساعدات يمكنها أن تفرض بعض القيود التقنية، وأن تدقق وتفحص المساعدات، بالإضافة إلى أن وجود مجموعة الموظفين للمساعدات خاضع لموافقة مسبقة من الدولة المعنية، كذلك الأمر في النزاعات والحروب غير الدولية، فالمادة 18 من البروتوكول الإضافي الثاني عام 1977 يطرح مبدأ موافقة الدولة المعنية، إذ ينص على أن أعمال النجدة لصالح السكان المدنيين ذات طابع إنساني فقط وحيادي، وتتم بالاتفاق مع الدولة المعنية، أما مبدأ الاستقلال فيرسم خطا فاصلا بين الأهداف الإنسانية من جهة والأهداف السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو غيرها من الأهداف من جهة أخرى، فالغرض المشروع الوحيد للمساعدات الإنسانية هو إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة.

صفوة القول، يعد احترام الكرامة الإنسانية المبدأ الأسمى في العمل الإنساني من أجل تخفيف المعاناة والمشقة، ويمثل احترام والحفاظ على الكرامة الإنسانية تحديا كبيرا للمجتمع الدولي، خاصة للمنظمات العاملة في المجال الإنساني، ولا يقتصر عمل هذه المنظمات على تخفيف المعاناة للمدنيين الأبرياء العزل ضحايا النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، لكنه يمتد ليشمل تشجيع قدراتهم على المساعدة الذاتية والصمود في مواجهة الأزمات المستقبلية.