يوم تحول موازين القوة في آسيا “الإنقلاب الجيواستراتيجي” | مركز سمت للدراسات

يوم تحول موازين القوة في آسيا “الإنقلاب الجيواستراتيجي”

التاريخ والوقت : الجمعة, 8 سبتمبر 2017

د. تامر هاشم

 

يعد اليوم الثاني من سبتمبر 2017 يوما لن ينساه العالم فما حدث فيه من تطورات عسكرية تبرهن على أن القوة العسكرية مازال لها دورها المؤثر في النظام الدولي. ففي شرق آسيا اختبرت كوريا الشمالية بنجاح قنبلة هيدروجينية مصممة لحملها على صاروخ باليستي عابر للقارات طورته في الآونة الأخيرة. هذا التقدم العسكري لكوريا الشمالية يقلب موازين القوة في منطقة بالغة الخطورة والتأثير خاصة أنها أتت بعد أسبوع فقط على تجربتها(بيونج يانج) لصاروخ باليستي فوق جزيرة هوكايدو، الأمر الذي مثّل تهديدا غير مسبوق للأمن القومي لليابان وهو ما دعا رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى الإعلان على أنه سيفعل ما في وسعه لحماية المواطنين وأن اليابان ستتخذ “الخطوات المناسبة” ردا على ذلك.

بتفجير اليوم لم يعد باستطاعة اليابان أن ترد عسكريا على خطوة الأسبوع الماضي، فما حدث اليوم في كوريا الشمالية حتى إن كانت بيونج يانج كاذبة في مسألة امتلاكها للقنبلة الهيدروجينية فإن قوة وحجم تأثير هذا التفجير تثبت أن هناك تطورا هائلا حدث في برنامجها النووي ويجب على الدول الإقليمية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين أن تغير سياساتها المعادية تجاه بيونج يانج وأن تلجأ للمفاوضات واستخدام ورقة الحوافز الاقتصادية هذا من جانب، من جانب آخر فإنه ينبغي على هذه الدول أيضا أن تعتمد على ذاتها في حماية أمنها القومي وأن تتحلل شيئا فشيئا من تبعات تحالفها مع الولايات المتحدة، فكل الجهود الأمريكية عبر ما يناهز العقدين لم تمنع بيونج يانج من تطوير برنامجيها النووي والصاروخي، حتى تهديدات الرئيس ترامب باستخدام القوة العسكرية لم تردع كوريا الشمالية، بل ووقفت واشنطن وطوكيو تتأملان عبور الصاروخ لجزيرة هوكايدو اليابانية دون أن تتخذا خطوة إيجابية بإسقاطه.

التطور الآخر في آسيا جاء من نصيب منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد منطقة الخليج، حيث أعلنت إيران عن أنها أجرت تجربة لنظامها الجديد المضاد للصواريخ “باور 373” الشبيه بنظام اس-300 الروسي، والذي سيدخل الخدمة بحلول مارس 2018، بحسب ما نقل موقع التلفزيون الرسمي الإيراني عن قائد الدفاع الجوي. وقال الجنرال فرزاد إسماعيلي إنه “تم إنجاز النظام كاملا والانتهاء من الاختبارات”. وأضاف إسماعيلي “هذا النظام صنع بالكامل في إيران وبعض اجزائه مختلف عن اس-300″، موضحا أن الإيرانيين يريدون استخدامه “بالتوازي مع (نظام) اس-300” الروسي. وكانت إيران أطلقت مشروع بناء منظومتها الجديدة للدفاع الصاروخي “باور 373″، بعدما قررت روسيا في 2010 تعليق عقد تسليم إيران منظومة “اس-300” بسبب العقوبات. وأعلن وزير الدفاع الإيراني الجديد الجنرال أمير حاتمي أن “تعزيز قدراتنا الدفاعية هو من أولويات وزارة الدفاع، ونسير على هذا المسار بكل طاقاتنا حتى لا يتجرأ أحد على الاعتداء على إيران”.

هذا الوضع يعنى أن إيران أصبحت تملك قدرة على حماية مجالها الجوي ،وبالأخص برنامجها النووي، من أي ضربة جوية عسكرية تعيق من قدرتها على تطوير قدراتها العسكرية، بالتأكيد لن يبلغ البرنامج الصاروخي لطهران كفاءة برنامج الدفاع الجوي لإسرائيل المسمى بالقبة الحديدية، لكنه سيمكن طهران من استيعاب الضربة الأولى وتوجيه ضربة مضادة. أيضا جرى هذا التطور رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والخطاب شديد اللهجة الذي تستخدمه إدارة ترامب في مواجهة إيران. لذا ينبغي على الدول العربية أيضا أن تعيد النظر في نظم تسليحها ودفاعاتها الجوية لتتناسب مع التطورات الإيرانية.

التحليل السابق للتطورات في شرق آسيا وفى الشرق الأوسط يظهر أنها تغيرات إقليمية يتعين على القوى الفاعلة في كل إقليم أن تطور استراتيجياتها لتتكيف مع تلك التغيرات. إلا أن هذا غير واقعي وسيقود هذا التحليل لفهم خاطئ للواقع مما قد ينجم عنه سياسات خطرة لدول الجوار لكل من كوريا الشمالية وإيران.

فإذا أدخلنا الدور الصيني سيتبين لنا مشهد آخر يعبر عن صراع بدأ يشتعل على قمة النظام الدولي. فاليوم نفسه أيضا يشهد اللمسات الأخيرة لانطلاق قمة البريكسوهي، قمة اقتصادية تضم أهم وأثقل دول مناوئة ورافضة للهيمنة الأمريكية مثل الصين، روسيا، البرازيل، وإلى حد ما الهند وجنوب أفريقيا. وتبدأ هذه القمة أعمالها غدا وعلى أجندتها خطة توسعية لضم دول جديدة لها. في الوقت نفسه تنعقد القمة في مكان بالغ الدلالة والرمزية وهي مدينة شيامن الصينية التي تطل على مضيق تايوان.

فالصين وإن لم تُظهر دعمها المباشر لكوريا الشمالية لكنها عبرت عن نوايا حينما طالبت واشنطن بسحب منظومة ثاد الصاروخية من كوريا الجنوبية إذا كانت واشنطن راغبة في تخفيض التوتر في تلك المنطقة. كما أنها إن لم تكن متفقة مع موسكو على تزويد الأخيرة لبيونج يانج بتكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات فإنها غضت الطرف عن الدور الروسي في ذلك. أما في الشرق الوسط فلا يمكن إنكار الدور الصيني في تطوير القدرات العسكرية لإيران وتواجدها هي وموسكو على الأراضي الإيرانية تذكر إعلان موسكو – في أغسطس من العام الماضي – عن انطلاق صواريخ وطائرات من قواعدها في همدان الإيرانية لتدك الأراضي السورية.
لذا نحن أمام صراع دولي اشتد واستعر، وأننا بدأنا ندخل في المشهد الانتقالي من نظام قديم إلى نظام جديد يولد، في تلك الأحوال لا يجب على القوى الإقليمية التحرك وأخذ زمام المبادرة، وأن لا تكون وقود التحول الدولي (ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية)، فاليابان لم تسقط الصاروخ الذي كانت تشاهده وهو يعبر أراضيها ويهدد مواطنيها بشكل فعلي، وكوريا الجنوبية لن تدخل في حرب مدمرة مع بيونج يانج، وأستراليا لن تحرك أسطولها. فكل ما تفعله هذه الدول هو أن تعزز من دفاعاتها وبرامج تسلحها وتراقب الصراع الأمريكي الصيني. شرق أوسطيا ينبغي استنزاف التمدد الإيراني في اليمن وسوريا وأفريقيا، لكن أكثر من ذلك فهم معركة نفوذ أمريكية إسرائيلية صينية روسية تركية.

أكاديمي وباحث في العلوم السياسية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر