سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في وقت سابق من هذا الشهر، في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية الأربعين لتحويل شنتشن إلى منطقة اقتصادية خاصة، كشف الرئيس الصيني شي جين بينغ عن مخطط أساسي لاعتماد المدينة كمركز للتجارة والتمويل والتكنولوجيا. رَكَّـزَ معظم مراقبي الصين على ما يعنيه هذا بالنسبة إلى هونغ كونغ، أو شنغهاي، أو في الأغلب منطقة قوانجدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى.
لكن مثل هذه التقييمات الضيقة تفشل في التعبير عن الأهمية الحقيقية لخطط شي جين بينغ لشنتشن.الواقع أن جولة شي في إقليم قوانجدونغ، التي توجت بخطاب ألقاه في شنتشن، تذكرنا بجولة دينغ شياو بينغ الجنوبية الشهيرة في عام 1992، والتي ألقى خلالها سلسلة من الخطابات التي شكلت الأساس لنظرية دينغ شياو بينغ. وعلى هذا فإن هذه الجولة ربما تكون بداية حقبة جديدة من «الإصلاح والانفتاح» في الصين.
كان شي تشونغ شون، والد شي، أول سكرتير للحزب الشيوعي عن إقليم قوانجدونغ، وقد لعب دوراً مركزياً في إنشاء المناطق الخاصة الأولية في شنتشن، وتشوهاي، وشانتو، وشيامن (مع إضافة هيانان في وقت لاحق). في ذلك الحين، كانت فوضى الثورة الثقافية دفعت اقتصاد الصين إلى حافة الانهيار. وكانت قوانجدونغ تواجه نقصاً حاداً في المواد الغذائية، وكان سكانها يفرون إلى هونغ كونغ.
عند ذلك، قررت الصين تعيين مناطق خاصة لمعالجة الصادرات، والتي كان تمويلها يأتي إلى حد كبير من استثمارات صينية في الخارج، بما في ذلك هونغ كونغ. بفضل ميناء هونغ كونغ العامر بالنشاط وقطاع مالي عالمي المستوى، تمكنت مدينة شنتشن من الوصول إلى أفكار وتكنولوجيات وموارد جديدة عملت على تحفيز نشاط ريادة الأعمال.
كانت هذه التجارب مع قوى السوق داخل اقتصاد الصين المخطط مركزياً شديدة الجرأة. وقد نجحت. على مدار السنوات الأربعين الأخيرة، حققت مدينة شنتشن معدل نمو سنوي مذهل للناتج المحلي الإجمالي بلغ 20.7% في المتوسط.
لقد أصبحت المنطقة التي كانت ذات يوم قرية صيادين فقيرة صاحبة أعلى نصيب للفرد في الناتج المحلي الإجمالي على بر الصين الرئيسي، وأصبح إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي على قدم المساواة مع هونغ كونغ عند مستوى 2.7 تريليون يوان صيني (402 مليار دولار أميركي).
لكن العالم تغير إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، بل وحتى في الأشهر الأخيرة. ففي خضم جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19)، والركود العالمي الذي أحدثته، وزيادة حدة التوترات الجيوسياسية، والتدهور البيئي السريع، لا أحد في بكين تراوده أي أوهام بأن المرحلة التالية من التنمية قد تكون سهلة.
بل على العكس من ذلك، كان من الضروري للغاية اتباع نهج مُـحَـدَّث في إدارة الإصلاح والانفتاح للحفاظ على النمو. ومدينة شنتشن ــ التي كانت صاحبة أفضل أداء بين المجموعة الأولى من المناطق الاقتصادية الخاصة ــ هي المكان المثالي لاختبار هذا النهج.
يتماشى هذا مع نهج الصين في إدارة التنمية، والذي كان يعتمد دوماً على نظرية بعينها أو خطة محددة سلفاً أكثر من اعتماده على عملية تجريبية في ظل ظروف غير مؤكدة. تبدأ العملية دائما بتقييم شديد الدقة للفرص والتهديدات والحواجز ونقاط الاختراق المحتملة.
مثل هذا التقييم هو ما أنتج استراتيجية الدورة المزدوجة في الصين، والتي من المتوقع أن تكون محورية في الخطة الخمسية الرابعة عشرة التي ستكشف عنها الصين قريبا، والتي تغطي الفترة من 2021 إلى 2025.
بعيداً عن الإشارة ضمناً إلى أن الصين «تنغلق على ذاتها»، كما زعم كثيرون، تَـعِـد هذه الاستراتيجية بتحسين التوازن بين الانفتاح على الفرص العالمية والاعتماد على الإنتاج والتوزيع والاستهلاك المحلي.
تتمثل الخطوة التالية في عملية التجريب في الصين عادة في اختبار إصلاحات أو أساليب جديدة في مناطق بعينها، قبل تنفيذ السياسات الناجحة على نطاق أوسع، بالاستعانة بنهج مرحلي منسق. وهذا هو ما سيحدث في شنتشن.
من الواضح أن عملية التجريب تتجه من أعلى إلى أسفل، لكنها تُـدار إلى حد كبير على المستوى المحلي. بعد أربعة أيام من خطاب شي في شنتشن، أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح 40 مجالاً، حيث من المقرر منح منطقة شنتشن قدراً متزايداً من الاستقلالية، من أجل تسهيل الإصلاحات التجريبية في تطوير السوق والتكامل الاقتصادي.
على سبيل المثال، من المقرر أن تحظى منطقة شنتشن بسلطة متزايدة في ما يتصل بتخصيص رأس المال، والأراضي، والمواهب، وحقوق الملكية الفكرية، وسلطة أكبر في ما يتعلق بإنشاء ضوابط تنظيمية جديدة لإدارة الأعمال (بما في ذلك أنظمة حل المنازعات) وحوافز للإبداع.
وسوف تحظى أيضاً بمساحة أكبر كثيراً لإنشاء قواعد متوافقة دوليا (مثل الضوابط التنظيمية التي تحكم عمل الأسواق المالية) وأنظمة (بما في ذلك التعليم، والرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي)، دون الاضطرار إلى انتظار موافقة الحكومة الإقليمية أو المركزية.
تمشياً مع نهج دينغ المتمثل في «عبور النهر بتحسس الحجارة»، جرى تكليف حكومتي شنتشن وإقليم قوانجدونغ، فضلاً عن وزراء الحكومة المركزية الـمـعـنيين، بالقيام في غضون العامين المقبلين بتحديد أي مناطق إضافية، حيث تساعد الاستقلالية المتزايدة في تسهيل الإصلاحات.
وبينما تنتظر السلطات المعنية، يظل بوسع منطقة شنتشن أن تقترح تشريعات وضوابط تنظيمية جديدة تتجاوز القواعد الصينية الحالية، وإن كانت ستحتاج إلى الحصول على الموافقة من مؤتمر الشعب الوطني أو مجلس الدولة.
يقلل هذا النهج بشكل كبير من العوائق التي تحول دون الإصلاح الجهازي المعقد، ويدعم عملية سلسة وفـعّـالة، لكنه أيضاً تتابعي وتراكمي. وسوف يضمن حصول شنتشن بحلول موعد اكتمال الخطة الخمسية الرابعة عشرة على نظام بيئي شامل لمؤسسات عالمية المستوى تدير اقتصادها ومجتمعها وبيئتها وتقدمها التكنولوجي.
بطبيعة الحال، ليس الهدف من هذا أن تزدهر شنتشن على حساب بقية الصين. بينما تتعهد المدينة إصلاحات جريئة، ينبغي لها أن تضع في الاعتبار ليس فقط الأهداف الداخلية، بل وأيضاً العواقب التي ستخلفها على بقية البلاد.
زعم بعض المراقبين أن خطة شنتشن تستهدف تحديداً القضاء على المزايا التنافسية التي تتمتع بها هونغ كونغ. بيد أن هذه النظرة الضيقة خاطئة. الحقيقة هي أن تطوير شنتشن من شأنه أن يخلق المزيد من الفرص للجميع، من خلال توسيع وتعميق السوق الإقليمية. في خطابه، تعهد شي بمواصلة دعم مبادرة منطقة الخليج الكبرى، وتتضمن خطة شنتشن تدابير محددة لخلق فرص العمل والإسكان لشباب هونغ كونغ.
إن دفع عجلة تنمية اقتصاد كبير ومقعد مثل اقتصاد الصين يُـعَـد إنجازاً هائلاً في أفضل الأوقات ــ خاصة وأنه لا توجد نماذج يمكن محاكاتها. وفي ظل ظروف خارجية عدائية، يصبح التحدي أعظم. لكن مع خطة شنتشن ــ والتكيف الأعرض نطاقاً وتنفيذ الإصلاحات الناجحة في المدينة ــ قد تكون الصين قادرة على إنجاز هذه المهمة.
المصدر: صحيفة البيان
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر