العلاقات العامة.. إشكالات معاصرة | مركز سمت للدراسات

العلاقات العامة.. إشكالات معاصرة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 5 سبتمبر 2017

عبير خالد

 

بشكل عام، يمكن القول إن العلاقات العامة بدأت بالصورة المتعارف عليها اليوم قبل مئة عام، فبينما يشار إلى “إدوارد بيرناي” كمؤسس لهذا المجال في 1920، نجد باحثين آخرين يشيرون إلى”إيفي لي” الذي كان أول من يفتتح مكتب استشارات علاقات عامة في 1904 (انظر: .(Greg Jarboe and Jamie O’Donnell وكلاهما كانا في أميركا، وقد تبعهما الكثير من المؤثرين والمساهمين في تأسيس هذا التخصص. أما في السعودية، فقد وصلتنا النسخة الغربية المعاصرة للعلاقات العامة في 1935 مع نشأة أرامكو، ولكن العلاقات العامة لم ترقَ لتصبح حقلاً بحثيًا أكاديميًا في أي دولة عربية، ومنها السعودية، إلا في أواخر السبعينيات الميلادية (د.علي العنزي، 2009). ولُوحظ منذ ذلك الحين، تغيُّر في طرق التعاطي مع هذا المجال، واهتمام أكبر بأدواره، إذ تنفق السعودية الكثير على مشاريع وحملات علاقات عامة، ليس محليًا فقط، بل عالميًا أيضًا منذ ثلاثين عامًا (Washington Post, 2016). ومع ذلك، ورغم تسارع البعدين الزمني والإدراكي لهذا المجال، فما زالت العلاقات العامة حتى هذا اليوم، سواء في الغرب، أو بشكل أكبر لدينا، تعاني العديد من الإشكاليات والأزمات التي سنناقشها في السطور التالية.

أزمات تواجه العلاقات العامة

1- التداخل مع التسويق

تهتم العلاقات العامة كثيرًا ببناء صورة ذهنية مميزة، تظل راسخة في ذهن الأشخاص المستهدفين بالحملات، إلا أن هذا المجال نفسه يتداخل في أذهان الناس مع تخصصات أخرى كالتسويق. ولم يتضح للمتلقي الشعبي بعدُ، الفارق الحقيقي بينهما، رغم الاختلافات الجوهرية بين الاثنين، ولا سيما في الطريقة التي ينظر فيها للجمهور؛ إذ إن الأول يستهدف الجمهور كمستهلكين وعملاء، في حين الآخر يستهدفهم كمتلقين قابلين للإقناع. ويشير الدكتور عبيد العبدلي إلى أن: “العلاقات العامة تروج لصورة الشركة بصفة عامة، أما التسويق في نظرته القديمة فيهتم بالترويج لمنتج أو خدمة محددة”. وهناك عبارة غربية قديمة تقول: “إن المنشور التسويقي هو ما يدفعك للشراء، ومنشور العلاقات العامة هو ما يدفعك للتفكر”. أي أن العلاقات العامة، هي الأقدر على سبر أغوار المتلقين والنظر لمواقفهم ودراسة حالاتهم أكثر من مجرّد حثهم للشراء، وهذا فارق كبير بين المجالين. ونشرت الشركة المعلوماتية الشهيرة (Nielsen) ذات مرة، تقريرًا عن العلاقات العامة والتسويق تقول فيه إن العلاقات العامة تؤثر في الجمهور أكثر بـ90% من تأثير التسويق .(Forbes, 2014) وإلى جانب اختلاف طرق التعاطي مع الجمهور، تختلف العلاقات العامة عن التسويق في كونها تستخدم طرفًا ثالثًا، بدلاً من الحديث الذاتي كما يفعل المسوّق، إضافة إلى أنها تستند إلى اللغة المكتوبة أو المسموعة غالبًا، بدلاً من المشاهد المرئية كما هو الحال في التسويق، وأخيرًا فهي أقل تكلفة عادة. وأحيانًا، قد تتقارب هذه التباينات، ويعمل مسؤولو العلاقات العامة جنبًا إلى جنب مع المسوقين، بيد أنه حتى في هذه الحالة يظل من الضروري نشر الوعي حول الاختلاف فيما بين هذين المجالين، والتمييز بين مهام الاثنين، ومعاملة العلاقات العامة كتخصص مهني مستقل بذاته وتاريخه، ثم بالتالي تغيير الصورة النمطية السلبية المأخوذة عنه.

2- الصورة النمطية

أيُّ مسح بحثي سريع على الناس، يكشف السلبية التي تعتري نظرة كثير منهم حول العلاقات العامة، خصوصًا غير المتعلمين. بل إن هناك إحصائية نشرها موقع LinkedIn مطلع هذا العام، أشارت إلى أن العلاقات العامة ضمن قائمة أكثر عشرة تخصصات يُساء فهمها. ويحتاج قطاع العلاقات العامة إلى تحسين صورته، وربَّما تحسين سمعته. فمن الصور النمطية المأخوذة عن الإعلام بالمجمل، والعلاقات العامة على وجه الخصوص، هو أنها مجالات خاملة لا تتطلب أي جهد، سواء من ناحية الدراسة أو العمل. وإذا قلت لأي شخص إنك تدرس في الجامعة، أو تعمل بهذا المجال، فسينظر – غالبًا – إلى مجالك بدرجة أقل من شخص يدرس أو يعمل في الطب، أو الهندسة، أو غير ذلك. بينما وفقًا لـ(PR Week, 2016)، فإن العلاقات العامة من أصعب المهن في الممارسة، حيث قد يعمل مسؤولوها ثماني، أو تسع، أو عشر ساعات صباحًا، ثم يضطرون إلى معاودة العمل مساء لتنظيم احتفال أو وجبة عشاء رسمية، ناهيك عن العمق النقدي الذي يتطلبه هذا المجال كدراسة جامعية وارتباطه بتفاصيل حيواتنا اليومية. وإلى جانب ذلك، هناك العديد من الصور النمطية السلبية المأخوذة عن هذا القطاع، مثل كونه محصورًا بالحفلات والتباهي والجلسات الفاخرة، أو أنه محدود بكتابة المنشورات الصحفية. ويبدو أن حلقة توعوية أخرى مفقودة هنا، ترتبط بشرح مدى عمق وجدية هذا القطاع ودوره السياسي والاجتماعي وتداخلاته مع تكوين الأشخاص وأفكارهم وآرائهم. ولعل أحد الأمثلة على ذلك، هي حملة العلاقات العامة التي قدمها “بيرناي” في العشرينيات الميلادية، حول ربط فكرة تدخين المرأة باستقلاليتها من الرجل، وقد ظلت هذه الفكرة التي ابتكرها بنفسه كجزء من حملة علاقات عامة باقية حتى بعد رحيله.

3- الهيمنة الذكورية

رغم أن العلاقات العامة من القطاعات القليلة التي تُهيمن عليها المرأة حول العالم، حيث تصل نسبة النساء العاملات في هذا القطاع إلى 89% في فنلندا، و71% في بريطانيا وأميركا، وما يقارب ذلك في معظم دول العالم، نجد أننا في السعودية ما زلنا نملك هيمنة ذكورية، على الأقل فيما يتمُّ عرضه علنًا. في 1996، نفَّذ الدكتور علي العنزي، دراسة مسحية على 71% من العاملين في قطاع العلاقات العامة في الوزارات السعودية، ووجد أن من بين 228 موظفًا، هناك 23 سيدة فقط، أي تقريبًا 90% من العاملين كانوا رجالاً. وهناك إحصائية أكثر حداثة، نشرتها وكالة أنباء العرب، تقول فيها إن 10% فقط من السعوديات العاملات في العلاقات العامة، يستخدمن مواقع التواصل الاجتماعي للوصول للجمهور المستهدف، في حين الغالبية المتبقية يستخدمن وسائل تقليدية كالهاتف والبريد. ويشار في النشرة نفسها، إلى أن السبب في ذلك عدم تمكُّن السعوديات من إظهار أنفسهن في الإعلام بشكل مرن، رغم جوهرية الإعلام في عملهن.(Arab News, 2013)

ختامًا، يمكن القول إن إحدى إشكاليات العلاقات العامة على الصعيد العالمي، تكمن في عدم امتلاكها صورة ذهنية واضحة تميزها عن قطاعات أخرى محيطة بها. أضف إلى ذلك، سوء فهم عمل موظفي العلاقات العامة، والنظرة النمطية المغلوطة لها كمجال مهني. أمَّا على الصعيد الوطني، فلدينا إشكالية إضافية في السعودية، وهي الهيمنة الذكورية على هذا المجال، ليس فقط فيما يتعلق بعدد الموظفين، مقارنة بالموظفات – وإن كان هذا العامل الرئيس – ولكن أيضًا في تمثيل المرأة إعلاميًا، وإثبات وجودها عبر العلاقات العامة.

المراجع:

– (الفصل 13 للدكتور علي العنزي) .Chen, H. (1996) International public Relations. New Jeresy: Routledg

– Greg Jarboe and Jamie O’Donnell (n/a) The history of PR. via: http://www.seo-pr.com/public-relations-history

– د. عبيد العبدلي: – العلاقات العامة والتسويق، عبر: http://dralabdali.com/marketing-vs-public-relations/

– Forbes (2014) The Real Difference Between PR And Advertising. via: https://www.forbes.com/sites/robertwynne-the-real-difference-between-pr-and-advertising-credibilityd

– PR Week (2016) Where does PR rank in the list of most stressful jobs of 2016. via: http://www.prweek.com

– Arab News (2013) Saudi women strive to overcome obstacles asPRprofessionals. via: http://www.arabnews.com

washington Post (2016) Saudi government has vast network of PR, lobby firms in U.S. via: https://www.washingtonpost.com

مبتعثة لدراسة بكالوريوس الإعلام والاتصال، لندن*

@erov2

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر