سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سامح إسماعيل
يأتي التمدّد الإيراني في القارة الأفريقية، ضمن آخر مراحل تفعيل مبدأ تصدير الثورة، الذي اعتنقته وروّجت له دولة الملالي منذ قيامها العام 1979، مدفوعة بتطلّعات سياسية واقتصادية، ترتكز على منطلقات مذهبية، يُمثل نشر التشيع نقطة الانطلاق فيها، بهدف تكوين جيوب شيعية عن طريق اختراق المجال الصوفي، ثم السعي نحو دمجها ضمن المكونات السياسية للدول ذات الصلة، بتكريس نظام المحاصصة الطائفية، على غرار حزب الله اللبناني، يسبق ذلك تمهيد الطريق أمام توطين النفوذ الإيراني، بواسطة حزمة من المساعدات، تتزامن مع مجموعة من الصفقات العسكرية، والترتيبات السياسية.
وعليه، وجّهت طهران نظرها صوب المحيط الإفريقي مستغلّة حالة الفراغ الأيديولوجي، بهدف بسط هيمنتها، ما يضمن تحقيق جملة من الأهداف الأساسية، تتّجه نحو مد طوق سياسي لتشكيل مجموعة دعم من دول القارة لتأييد طهران، في محاولة لمنع تفعيل العقوبات الدولية عليها، وكسر أسوار العزلة التي تعانيها على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى تأمين موارد اليورانيوم، في ظل حاجتها إلى تطوير قدراتها النووية.
شرق أفريقيا نقطة انطلاق المشروع الإيراني
عبر وكلائها المحليين، سعت طهران إلى ملء فراغ المساحات الأيديولوجية في منطقة شرق أفريقيا، حيث نجحت في وقت مبكر في استغلال حالة الارتباك الهوياتي في أرتيريا عقب الاستقلال، وتمكنت من الحصول على مجموعة من الامتيازات السياسية هناك، نظير دعمها للدولة حديثة الاستقلال.
كما كوّنت عدة مناطق نفوذ تابعة لها في جيبوتي وكينيا وتنزانيا، لكن منطقة النفوذ الأبرز تمثلت في جزر القمر، منذ دشن الرئيس الإيراني الأسبق، أحمدي نجادي، زيارته الأولى لها العام 2009، حتى أنّ الرئيس القمري، عبد الله سامبي، أصبح يعرف باسم آية الله، إلا أنّ النفوذ الإيراني تلقى صفعة قوية منذ وصول الرئيس، غزالي عثماني، إلى رئاسة الاتحاد القمري، حيث أعلنت، موروني، في 14 كانون الثاني (يناير) العام 2016، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وفي كانون الثاني (يناير) 2017 أغلقت جميع المكاتب الإيرانية التي كانت تعمل تحت غطاء العمل الخيري، وأكّد سفير جزر القمر بالمملكة العربية السعودية، الحبيب عباس عبد الله، في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط”، أنّ هذه المكاتب كانت تعمل فقط على نشر المذهب الشيعي.
هذا ونجحت طهران رغم الخلاف الأيديولوجي الحاد، في توطيد علاقتها بحركة شباب المجاهدين المسلحة في الصومال، حيث مدت خطاً لتهريب العاج الذي تتاجر فيه الحركة الإرهابية، بتهريبه إلى اليمن، كمحطة أولى قبل نقله إلى الموانئ الإيرانية، كما أكدت تقارير ضلوع طهران في توريد أسلحة إلى الحركة، وتجلى التعاون بين الطرفين بوضوح من خلال الهجوم الذي نفذته حركة شباب المجاهدين، ضد قاعدة، ماندا باي، الأمريكية في كينيا، رداً على اغتيال، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني.
إيران الحائرة في دروب الساحل والصحراء
في منطقة الساحل والصحراء، حاولت إيران عن طريق مكاتبها ومؤسساتها الخيرية، نشر المذهب الشيعي، من خلال التسلل إلى الحركات الصوفية، نظراً لتشابه بعض الطقوس والممارسات، خاصة الطرق التجانية، والمريدية، وعلى الرغم من نجاحها النسبي في تأطير بعض المنضوين ضمن صفوفها، إلا أنّ بطء الانتشار لم يكن في صالحها، في ظل دخول عدة أطراف، مثل فرنسا وتركيا، إلى ساحة المنافسة على مناطق النفوذ بالمنطقة.
ومع استمرار التوتر في مناطق الصراع التقليدية، وانضمام بؤر جديدة لها في منطقة الغرب، اتخذت شكل المواجهات العسكرية العنيفة، أصبحت المنطقة سوقاً رئيسياً للسلاح، استهدفته طهران، والتي سعت إلى تسويق السلاح الإيراني بشكل مكثف في الأقاليم التي تشهد اضطرابات وحروباً أهلية طاحنة؛ مثل: كوديفوار وغينيا، ونيجريا وجامبيا والسنغال.
ومع توجس الحكومات من فتح أبوابها أمام طهران، قررت الأخيرة وضع رهانها على حركات التمرد، حيث دعمت عدداً من التنظيمات الانفصالية المسلحة في غرب أفريقيا، وكانت نيجيريا محطتها الأولى منذ نجحت في استقطاب الزعيم الديني إبراهيم الزكزاكي، والذي أسّس الحركة الإسلامية الشيعية في نيجيريا الموالية لإيران، والتي سرعان ما اصطدمت بالجيش في الشمال، ما تسبب في سقوط مئات الضحايا، خاصة بعدما قررت طهران تطوير استراتيجية الحركة، ودفعها نحو تأسيس كيان شيعي مستقل في مقاطعة كادونا الشمالية، ما أدّى إلى اعتقال الزكزاكي، وإصدار المحكمة الفيدرالية العليا حكماً في تموز(يوليو) العام 2019 بحظر الحركة، باعتبارها جماعة إرهابية غير شرعية.
وكان مفتي بورندي، أبو بكر السلاوي، قد أكّد تنامي النفوذ الإيراني في أنحاء القارة الأفريقية، خاصة في جمهوريتي الكونغو، ونيجيريا الاتحادية، لافتاً إلى تكوين مليشيات شيعية مسلحة تحت مسمى “جيش المهدي”، تلقت تدريبها في مدينة قم الإيرانية، واتخذت من نيجيريا موطناً لها، حيث أقامت معسكرات لتجنيد للشباب في أنحاء منطقة الساحل والصحراء، لصالح إيران.
كما تورطت إيران في دعم حركة القوات الديمقراطية لكازامانس، في صراعها مع حكومة السنغال، ما تسبب في قطع العلاقات بين طهران وداكار العام 2011، إثر ثبوت تورّط الاستخبارات الإيرانية في عمليات توريد السلاح إلى حركة التمرد عبر جامبيا، ما تسبب في شن هجمات عنيفة في الجنوب، أدّت إلى مقتل عدد كبير من الجنود السنغاليين، وجاء في بيان للخارجية السنغالية أّن “السنغال هالها مقتل جنود سنغاليين برصاص إيراني”.
ويبدو أنّ إيران أيقنت أنّها خسرت الرهان، مع تزايد خسائرها السياسية، وعدم نجاح الحركات الانفصالية في تحقيق نجاحات حاسمة على الأرض، وميل معظمها إلى استخدام أساليب إرهابية، ما أساء إلى سمعتها في القارة السمراء، ودفعها إلى انتهاج سياسات أخرى.
وعليه، حاولت طهران انتهاج استراتيجية جديدة لتحسين صورتها، فقام الرئيس، حسن روحاني، بإيفاد وزير خارجيته، جواد ظريف، إلى أقاليم القارة الأفريقية، بدأها بشرق أفريقيا في العام 2014، وشمال أفريقيا في العام 2015، ثم غرب أفريقيا في العام 2016، ثم السنغال وناميبيا في العام 2018، رغبة في معاودة تطبيع العلاقات، ومد جسور الثقة مرة أخرى، لدعم الطوق الإفريقي الذي تستهدف إيران تكوينه، وشغل كافة مساحات الفراغ السياسي الممكنة.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر