سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لورا بروينجتون
تساعد النظم البيئية والصحية المرنة على منع حرائق الغابات والفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى. ولقد كشفت أزمة “كوفيد – 19” أنه يمكن أن يكون للاستغلال غير الآمن للبيئة الطبيعية تأثير دائم على صحة السكان والنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر الضرر الذي يلحق بالنظم البيئية في الأمن الغذائي والمائي، وحتى الاستقرار السياسي. ذلك أن كل هذه العوامل تشكل مفهومًا أوسع للأمن البيئي.
إن ما نحتاجه الآن هو إعادة تقييم كيفية إعطاء المجتمعات الأولوية للحفاظ على النظم البيئية الصحية لدعم صحة الإنسان ورفاهيته. وينظر هذا المفهوم، الذي يُطلق عليه غالبًا “صحة الكواكب”، أو إطار “صحة واحدة”، إلى إدارة التنوع البيولوجي وممارسات استخدام الأراضي وأنظمة إنتاج الغذاء على أنها روابط ديناميكية بين النباتات والحيوانات والأشخاص الذين يشكلون نظامًا بيئيًا. ولا يمكن معالجة التحديات الصحية والبيئية التي يواجهها العالم اليوم إلا من خلال تبني هذا النهج على نطاق واسع.
الاستغلال البيئي وأزمة “كوفيد – 19”
يمكن النظر للوباء الحالي كمثال أساسي لما يحدث عندما لا نفهم الترابط المتأصل في صحة هذا الكواكب. فلا يزال الباحثون يحددون كيف ظهر فيروس كورونا المستجد بين البشر، لكن خبراء الصحة العامة يتفقون على أن مزيجًا من التعدي على الموارد الطبيعية، والاستغلال غير الآمن للحيوانات البرية، وأسواق الأغذية غير الصحية، قد خلق ظروفًا لتفشي المرض.
ويمكن أن يكون جمع الأغذية من الغابات والحقول واستهلاكها مهمًا للمجتمعات الريفية. فعندما يتم جلب الحيوانات البرية إلى المراكز السكانية وإبقائها في ظروف صعبة وغير صحية، تكون الظروف مهيأة لظهور الأمراض وانتقالها إلى البشر. وما يسمى “بالأسواق الرخوة” الموجودة في العديد من البلدان الآسيوية تقدم مثالاً صارخًا. وفي الوقت نفسه، يسمح تعطيل استغلال هذه الموارد وتدميرها لكل من الحيوانات البرية والداجنة بالاتصال الوثيق بالبشر. على سبيل المثال، عندما يتعدى التوسع العمراني غير المخطط وغير المنظم على الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية. إن مثل هذا الاتصال الوثيق، بدون تدابير الصحة العامة المناسبة، يخلق الظروف المثالية لتفشي الأمراض وانتقالها من الحيوان إلى البشر.
ولا تعتبر هذه الظاهرة بالأمر الجديد؛ فقد أظهرت الأبحاث في منطقة الأمازون أن إزالة الغابات أدت إلى تفشي الملاريا في المجتمعات المجاورة عندما تعرضت أنواع البعوض العائلة للمرض، التي تتغذى بشكل أساسي على القرود التي تعيش في ظل الأشجار، ما أدى إلى اتصالها فجأة مع البشر. وبالمثل، يُعتقد أن الإزالة السريعة للغابات وتفتت الغابات في وسط وغرب إفريقيا قد تسببا في انتقال فيروس الإيبولا من الخفافيش إلى السكان المحليين.
النظم الإيكولوجية والصحة
تمثل الجزر روابط أساسية بين إدارة الموارد الطبيعية ورفاهية الإنسان. وتعتمد بعض المجتمعات في الجزر بالمقام الأول على النظم الإيكولوجية الصحية من أجل الإمدادات المستدامة للغذاء والماء، في حين يعتمد البعض الآخر على الغذاء المستورد والدخل من السياحة من أجل البقاء. وبينما كانت هناك العديد من الإخفاقات، فإن الأمثلة على الإدارة الناجحة للنظم الإيكولوجية للجزر تقدم نماذج مفيدة للعالم بشكل عام. ومنذ تفشي جائحة “كوفيد – 19″، أغلقت العديد من الدول حدودها أمام المسافرين القادمين وشحنات البضائع. ومع تعطل سلاسل التوريد أو قطعها تمامًا، اضطر سكان الجزيرة إلى التكيف.
وفي دولة تونغا، التي تتكون من أرخيبل من الجزر، وزَّعت وزارة الزراعة والأغذية والغابات ومصايد الأسماك البذور على المنازل والمجتمعات من أجل تشجيع السكان على زراعة حدائق الفاكهة والخضروات الخاصة بهم بدلاً من الاعتماد فقط على الشحنات القادمة من نيوزيلندا المجاورة. وقد قامت منظمة “من أجل الطبيعة” Para La Naturaleza وهي منظمة غير ربحية، معنية بالترويج للممارسات الزراعية البيئية في بورتوريكو، بتبني برنامج لتقديم الإغاثة بعد الأحداث الشديدة مثل الأعاصير، لربط المزارع مباشرة بالمستهلكين. وهو البرنامج الذي ساعد أصحاب المزارع خلال أزمة “كوفيد – 19″، على رفع الوعي بشؤون مجتمعهم، فقد عرفوا أنه مفروض عليهم الذهاب للتسوق في محلات السوبر ماركت. وتقدم تلك الحالات أمثلة مناسبة على تكيف الجزر مع تحديات انعدام الأمن الغذائي الناجم عن أزمة فيروس كورونا والتحول نحو ممارسات زراعية أكثر صحة واستدامة.
لقد تمَّ إطلاق مبادرة “النمو الأخضر” في هاواي وكذلك الشراكة العالمية للجزر، مؤخرًا، من خلال منتدى افتراضي بشأن المجتمعات في الجزر حول العالم للتواصل وتبادل قصص النجاح حول أساليب التكيف مع جائحة “كوفيد – 19”. وقد اتخذت هذه المنصة، وهي جزء من “شبكة جزر 2030” التابعة للأمم المتحدة، نهجًا ثلاثي الأبعاد تجاه تعزيز حلول الجزر وبناء المرونة، ليس فقط استجابة للوباء المستمر، ولكن في سياق العديد من تحديات الاستدامة العالمية بما في ذلك تغير المناخ.
وفي هاواي، تمَّ تحديد المشاريع والسياسات والابتكارات التي يمكن أن تساعد في تشكيل جهود التعافي التي تبذلها الولاية وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد بعد انهيار صناعة السياحة. وتمَّ تطوير أدوات جديدة لتتبع تقدم شركة هاواي نحو الوفاء بالتزاماتها بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حتى يمكن عرض البيانات الخاصة بأزمة “كوفيد – 19” وحماية الصحة العامة وجهود الاستجابة لها.
أخيرًا، فإن سلسلة الندوات التي تمَّ إطلاقها عبر الإنترنت في أبريل 2020 تدعو أصحاب المصلحة والقادة في الجزر لمشاركة الحلول والإبلاغ عن التحديات المتعلقة بالتعافي والقدرة على الصمود.
الفرص العالمية
تلعب النظم البيئية الصحية والخدمات التي تقدمها في جميع أنحاء العالم، دورًا مهمًا في الحفاظ على سبل العيش والثقافات والنمو الاقتصادي. وفي ظل الجائحة الوبائية الحالية، فإنها تسهم في حماية الصحة العالمية. وتركز المنظمات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك “تحالف صحة الكوكب” Planetary Health Alliance ومقره الولايات المتحدة، بشكل متزايد على كيفية تأثير الاضطرابات التي يسببها الإنسان في النظم الطبيعية للأرض على صحة الإنسان.
وفي عام 2019، أصدرت المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية التابعة للأمم المتحدة تقريرًا للتقييم العالمي، وقد حدد هذا التقرير خمسة تحديات رئيسة لحماية التنوع البيولوجي وصحة النظام الإيكولوجي، وهي: تغيير كيفية استخدامنا للأراضي والمياه، والقضاء على الاستغلال غير المستدام للموارد، وتقليل التلوث، والحد من انتشار وتأثيرات الانبعاثات الغازية، وتخفيف آثار تغير المناخ. ويتطلب فهم هذه التحديات والتعامل معها جهودًا منسقة ومتعددة الجنسيات.
لقد أظهرت جائحة “كوفيد – 19” الحالية حالة عميقة من عدم الأمان في أنظمة الصحة العامة والسلامة العالمية. وفي الوقت نفسه، يُظهر العمل الجاري في مجتمعات الجزر وفي أماكن أخرى نقاطًا مضيئة للتكيف والمرونة من خلال تحسين الوصول إلى المعلومات المناخية، وتعزيز أنظمة الصحة العامة، والحفاظ على البيئة بشكل أفضل. وبالتالي، يجب أن يصبح تعزيز الصحة العالمية من خلال الأمن البيئي جزءًا لا يتجزأ من كيفية رسم مسار مستقبلي في عالم ما بعد الجائحة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: East-West Center
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر