التربية عن قرب | مركز سمت للدراسات

التربية عن قرب

التاريخ والوقت : الأحد, 23 أغسطس 2020

أريج الجهني

 

“قبل أن أتزوج كان عندي ست نظريات في تربية الأطفال، أمَّا الآن فعندي ستة أطفال ليس معي لهم نظريات”.. الفيلسوف الفرنسي “جان جاك روسو”، بالتأكيد الحديث عن التربية، لا ينفك من الاستشهاد بأفكاره الخالدة عبر العصور. التربية تلك السلطة التي يمنحها المجتمع لرجل وامرأة في نواة الأسرة، وهي نفسها السلطة التي قد تحول ثمرة هذا الالتقاء إمَّا لسعادة عظيمة أو جحيم منصرم، وفي هذا يقول روسو: “من لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوة، لا يحق له أن يتزوج ويُنجب أبناء”، في ذات الحين يؤكد: “أب واحد خير من عشرة مربين”. إذًا التربية مهما كانت صعبة ومنهكة، إلا أنها مهمة عظيمة، وهي بالمناسبة لا تقتضي الأبوة البيولوجية، فالكثير من النساء والرجال يمارسون التربية بأعلى وأكمل صورها في رعايتهم لمن حولهم والصغار. هذا التمهيد لندرك أن “كورونا” عندما جاء لم يكشف خطورة الخفافيش فقط، بل كشف الكثير من المربين والمربيات الذين تخلوا عن أدوارهم الاجتماعية لسنوات ليجدوا أنفسهم في مواجهة مع وجوه أطفالهم الصغيرة ويخضعون لسلطة أناملهم العابثة.

نعم، جاء “كورونا” وكشف فجوات عديدة، ولعل الفجوة الكبرى والأكثر ألمًا أن التعليم عن بعد يقتضي أن تكون (التربية عن قرب)، إذ من المحتمل أن تكون هناك أسر واعية وتتقبل بل تبادر إلى احتضان أطفالها والعناية بهم، إلا أن الواقع كان مضطربًا ومتذبذبًا ما بين مشاعر الأسرة وعدم قدرة البعض على ضبط انفعالاتهم، وما بين انشغال الآخرين، حيث كانت المدرسة (كبناء مادي) يتكفل بهؤلاء الصغار، ولعل (الخادمات) في بعض الأسر يتكفلون (بالعاطفي). للأسف علينا أن نكون صريحين؛ “كورونا” كشف هذه الكوارث التربوية التي جاءت كردات فعل عنيفة على إغلاق المدارس، وهذا الأمر ملاحظ (حول العالم)، حيث صرحت اليونسكو أن “كورونا” يحرم 300 مليون طالب من التعليم، كذلك إغلاق المدارس بحسب الأمم المتحدة أثر على أكثر من ٩١٪ من طلاب العالم.

التربية ليست رفاهية وليست اختيارًا، طالما أنك تحملت مسؤولية هذا الطفل عليك أن تتحمل تبعات التربية ومتطلباتها. التحول للتعلم الإلكتروني يحتاج تهيئة نفسية للوالدين قبل الأطفال، والاستجابة للتحديات تعكس نضج أصحابها، وأعظم التحديات التي تواجه الوالدين هي الاستمرار في احتضان الأطفال لوقت أطول، فحتى إن أتيحت الحلول للعودة للحياة الطبيعية فمهم أن نستمر في التقارب مع أطفالنا، والاستيعاب للتحولات التي حدثت والمحتملة. ما نشاهده من اضطرابات نفسية واجتماعية أمر طبيعي جدًا في ظل هذه الجائحة، والمحك الحقيقي هو الاستيعاب.

على كل حال، التقارير السنوية حول التعليم متفاوتة، لكن الاستقرار الذي نعيشه في الوطن يجعلنا نتفاءل أكثر، لكن: هل ستكون قرارات التربية بعد الآن أكثر نضجًا؟ هل سيتم إعادة حسابات الأسر بواقع أبنائهم ومستقبلهم؟ ماذا سيقدم الأهالي من أحضان ورعاية للأطفال وتهيئة للعام الجديد؟ بكل حال افتقاد المرح المادي لا بأس بمضاعفة المرح المعنوي. وكل عام وأنتم بخير.

 

كاتبة سعودية*

@AreejAljahani

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر