سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
خلال الفترة الماضية نفذ سلاح الجو التركي إحدى أكبر حملاته الجوية في السنوات الأخيرة ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه كمنظمة إرهابية؛ حيث قامت تركيا بتنفيذ عملية مخلب النسر في منتصف يونيو 2020 والتي استهدفت أكثر من ثمانين هدفًا امتدت من الحدود العراقية السورية إلى الحدود الإيرانية على بعد 200 ميل في الاتجاه الشرقي الغربي وقالت القوات المسلحة التركية إنها شنت الحملة بسبب “تزايد هجمات حزب العمال الكردستاني على نقاط المراقبة التركية في شمال العراق” ومع ذلك ينبغي النظر إلى العملية العسكرية على أنها جزء من سياسات تركيا الراهنة في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط والتي تشير أيضًا إلى مستوى استعداد تركيا العسكري والاستخباراتي لتنفيذ هذه السياسات.
استهداف ممتد
بعد انتهاء عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في منتصف عام 2015 واستهداف كل منهما للآخر، بدأت تركيا في وضع خطة شاملة للقضاء على المنظمة الكردية وفي سبيل تحقيق ذلك بدأت القوات المسلحة التركية في اتخاذ خطوات لوضع خطوط اتصال داخل المحافظات الجنوبية الشرقية في تركيا وامتدات إلى شمال العراق حيث ينتشر حزب العمال الكردستاني ويمتلك كثير من معسكرات التدريب المنتشرة في الجبال، وتهدف تركيا من ذلك إنشاء منطقة عازلة جنوب الحدود التركية العراقية،وضمن السياق ذاته أنشأت القوات الجوية التركية 13 قاعدة عسكرية دائمة معززة بمختلف الدعم اللوجيستي.
ومن ناحية أخرى أنشأت وكالة المخابرات التركية مقرًا لها في مدينة أربيل عاصمة الحكومة الإقليمية الكردية حيث تقوم بجمع ومعالجة المعلومات الاستخبارية المتعلقة بأنشطة حزب العمال الكردستاني خاصة وأن هناك تداخل في الاختصاصات وعد التنسيق بين جهازي الشرطة والاستخبارات ولكن مع تحول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في عام 2018، زادت قدرة تلك المؤسسات الأمنية على التنسيق بشكل كبير، ومن خلال هذه التعديلات خضع جهاز المخابرات للسلطة المباشرة للرئيس التركي وهو ما سمح لها بالقيام بعمليات خارج حدود تركيا.
وقد ساعدت هذه التنسيقات من قدرة تركيا على استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني ليس فقط في منطقة شمال العراق وتحديدًا في جبال قنديل، بل أيضًا في مناطق الشمال السوري حيث يتواجد وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني والتي تهدف إلى إقامة حكم فيدرالي ذاتي هناك، بالإضافة إلى ذلك تمكنت تركيا من استهداف الكوادر الكردية وتنفيذ عمليات اغتيال للكثير منهم، وهذه العمليات تكشف أن العمليات العسكرية التركية كانت تدفع كبار قادة حزب العمال الكردستاني إلى الابتعاد جنوبًا من الحدود التركية. كما بدأت تركيا في ضرب أهداف داخل المنطقة التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن المعروف أن الاتحاد الوطني الكردستاني يبدي موقفًا عدائيًا تجاه الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لبارزاني. وهذا يقودنا إلى كيفية مساهمة هذه الاختلافات بينهما بالإضافة إلى العوامل الإقليمية في مساعدة تركيا على الاقتراب من هزيمة حزب العمال الكردستاني.
انقسامات عديدة
من بين المكونين الرئيسيين لحكومة إقليم كردستان العراق؛ كان للحزب الديمقراطي الكردستاني علاقات وثيقة مع تركيا في العقود الثلاثة الماضية، في حين أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس له أقام تحالفًا بحكم الواقع مع حزب العمال الكردستاني وإيران، وهو ما دفع رئيس حكومة إقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ناشيرفان بارزاني إلى التنديد بوجود حزب العمال الكردستاني في العراق باعتباره “غير شرعي”. وقد سمح هذا الانقسام بين الأكراد وتهديد حزب العمال الكردستاني لبارزاني لتركيا بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل خاص في إنشاء شبكة معقدة من جمع المعلومات الاستخبارية في شمال العراق.
إلى جانب الحكومة الإقليمية الكردية تلقت تركيا الدعم من الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي. الذي يشتهر بنفوره من النفوذ الإيراني في بلاده في محاولة من جانبه لاستعراض القوة ضد إيران؛ حيث أنه في الأسبوع التالي بعد توليه السلطة في مايو 2020 اعتقلت حكومة الكاظمي مقاتلي ثائر الله المواليين لإيران الذين أطلقوا النار على المتظاهرين في مدينة البصرة الغنية بالنفط من خلال تنسيق العمل مع تركيا، وضمن السياق ذاته فقد رأى في ذلك فرصة لتقليل النفوذ الإيراني في العراق وزيادة التجارة لتعويض الاقتصاد العراقي المنهار، وقد تحول الكاظمي إلى شريك فعال في حرب أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني، ففي 12 يونيو 2020 قبل ثلاثة أيام من بدء عملية مخالب النسر التركية الأخيرة قام رئيس المخابرات التركيةهاكان فيدان بزيارة سرية لبغداد.
محددات التنسيق
إن المستوى الكبير من التنسيق بين المؤسسات الداخلية التركية فضلاً عن دعم السلطات القضائية المحلية في العراق لمواجهة حزب العمال الكردستاني ساهمت في سهولة احتواء خطر حزب العمال الكردستاني، خاصة وأن هذا الملف تتشابك فيه الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية على سبيل المثال تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد الأكراد السوريين والعراقيين، ومن ناحية تركيا فإنها لا تميز بين وحدات حماية الشعب(YPG) في سوريا وحزب العمال الكردستاني في العراق؛ حيث تعاملهم بنفس الطريقة خاصة في ظل مخاوفها من المكاسب الإقليمية لوحدات حماية الشعب في سوريا عام 2015 وإعلانهم الحكم الذاتي، وهو ما ساهم في دفع تركيا إلى إعلان ثلاث عمليات عبر الحدود أدت في النهاية إلى مواجهة وحدات حماية الشعب ودفعها إلى الجنوب، وفي هذا الصدد تهدف عملية مخلب النسر أيضًا إلى مواجهة إنشاء مثل هذا الكيان بشكل أساسي عن طريق عرقلة تدفق الجماعات الكردية والأسلحة من شمال العراق إلى وحدات حماية الشعب السورية.
وتأسيسًا على ذلك قامت الطائرات التركية باستهداف معسكر التدريب التابع لحزب العمال الكردستاني في سنجار التي تُعد موقع استراتيجي على الحدود السورية العراقية، وتجدر الإشارة إلى أن قوات الحشد الشعبي التابعة لإيران تسيطر فعليًا على منطقة سنجار وهو ما يشير إلى التعاون بين حزب العمال الكردستاني وإيران. بالنسبة لإيران فإن مدينة سنجار جزء مهم من خط امدادت الأسلحة والميليشيات بين طهران ووكلائها في سوريا ولبنان، وقد أعلن براين هوك الممثل الخاص الأمريكي الحالي لإيران، بأن إيران تنقل صواريخ باليستية إلى ميليشيات شيعية في العراق عن طريق هذه المنطقة، فيما أعلن بول ديفيس المحلل السابق في البنتاغون أنه وبالتزامن مع سيطرة وكلائها على منطقة سنجار تكتسب إيران خيارات ومرونة خاصة وأن السيطرة على مثل هذه المنطقة الاستراتيجية تزيد من تأثير ونطاق الصواريخ، مضيفًا أن” القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة يمكن أن تكون أيضًا هدفًا لمثل هذه الهجمات “.
ومن ثم لطالما كانت إيران تمتلك نفوذًا في التأثير على استراتيجية تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في ظل تعاونها مع الأكراد في التعاون، وهذا ما أعلنه وزير الداخلية التركي سليمان سويلو إن “حوالي مائة إرهابي من حزب العمال الكردستاني موجودون في المناطق الإيرانية بالقرب من تركيا، مما يشكل خطرًا حقيقيًا، وبالتالي فإن عملية مخالب النسر تمثل امتدادًا للتنافس التركي الإيراني في العراق.
في نهاية المطاف، ينبغي النظر إلى عملية مخلب النسر على أنها مؤشر على أن الجيش التركي قد وصل إلى نقطة حيث يمكنه إرسال أساطيل من طائرات F16 فوق ليبيا، وإجراء العديد من التدريبات البحرية على نطاق واسع في البحر الأبيض المتوسط، وفي نفس الوقت إجراء سلسلة من حملات جوية وبرية ضد حزب العمال الكردستاني في مساحات شاسعة من شمال العراق. يجب أن نتوقع وجودًا تركيًا أكثر في ليبيا والعراق وسوريا، وأن التفاهمات مع الولايات المتحدة وروسيا سيحددان نطاق تأثير تركيا الإقليمي.
المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر