سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
توني ويسولوفسكي
لا يبدو أن كل شيء على ما يرام بالنسبة للرئيس البيلاروسي “أليكسندر لوكاشينكا” قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في السابع من أغسطس الجاري، والتي يسعى فيها لولاية جديدة.إذ تستمر حالات الإصابة بفيروس “كوفيد – 19” في التزايد، ويلوم العديد من البيلاروسيين رئيسهم على رفضه إغلاق الاقتصاد، كما أنه أعلن في 28 يوليو المنصرم أن بلاده تجاوزت بالفعل هذه الجائحة. ويعاني الاقتصاد من العديد من المشاكل التي تفاقمت بسبب العلاقات المتوترة مع موسكو وانخفاض إمدادات الطاقة الروسية المدعومة التي طالما اعتمد عليها.
وتبدو الصورة السياسية أيضًا غير سارة بالنسبة لـ”لوكاشينكا”. فمكانته مهتزة بما فيه الكفاية أمام المرشح، “سفياتلانا تسيخانوسكايا”، الذي ليس لديه خبرة حكومية وكان غير معروف فعليًا قبل أشهر فقط، إلا أنه بات قادرًا على جذب الآلاف من الأشخاص في تجمعات بالمدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد.
ويبدو البيلاروسيون مرتبكين أمام رسالة التغيير الخاصة بها، مما دفع المحللين إلى التفكير مليًا في المدة التي يمكن أن يستمر فيها حكم “لوكاشينكا”، والتي بدأت في 1994.
ومع ذلك، هناك مكان واحد على الأقل يبدو فيه “لوكاشينكا” مسيطرًا، إذ يحظى بشعبية مثل أي وقت مضى وهو وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، فقد سلطت قناة روسيا البيضاء الأولى، القناة التلفزيونية الرئيسية التي تسيطر عليها الدولة، الضوء في وقت سابق من هذا الشهر على استطلاع للرأي أظهر “لوكاشينكا” متفوقًا على أربعة آخرين من المرشحين المنافسين، بنسبة 69.4%. وكذلك “تسيخانوسكايا”، المبتدئ السياسي الذي يبدو أنه استغل السخط المتزايد، وقد حصل في الاستطلاع على 2.2%.
وقد وُوجهت هذه الاستطلاعات بموجة من السخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى المواقع الإخبارية المستقلة التي أدت نتائج الاستطلاعات الخاصة بها إلى إطلاق لقب ساخر على “لوكاشينكا” وهو “Sasha”، حيث حصل على 3% فقط. وكتب “أليكس كوكشاروف”، محلل المخاطر البيلاروسي والمقيم في لندن، على تويتر: “إن حجم هذه الأكاذيب ليس إلا هراءً”.
وبالنسبة إلى “لوكاشينكا” – الذي كان يُطلق عليه أحيانًا “دكتاتور أوروبا الأخير”، فإنه أيضًا الزعيم الأطول بقاءً في الخدمة، إذ بقي في السلطة 26 عامًا. كما يُنظر إلى وسائل الإعلام خارج الإطار الذي تسيطر عليه الدولة إلى حد بعيد بالريبة أو الاحتقار.وقامت بعض وسائل الإعلام الأجنبية، مؤخرًا، بحملة ناقدة ضده الرئيس البيلاروسي، بسبب مزاعم نظام حكمه أن تغطية مراسليهم كانت تثير “اضطرابات جماعية”، وهو الادعاء الذي قام به نائب الرئيس، حيث طالب بطرد المراسلين الأجانب من البلاد. وقال “أرسين سيفيتسكي”، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسة الخارجية ومقره مينسك: “تعتبر السلطات البيلاروسية وسائل الإعلام الأجنبية والمستقلة، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة في بيلاروسيا، جزءًا من المشكلة”.
وفي حين أن العديد من كبار السن من الشعب البيلاروسي قد يستمرون في تلقي أخبارهم من وسائل الإعلام الحكومية، إلا أن الأجيال الشابة تعتمد بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المستقلة عبر الإنترنت، كما يقول المراقبون والخبراء.وتعدُّ هذه المصادر أبعد ما تكون عن الولاء للحكومة، ناهيك عن السخرية التي تقوم بها عندما يتعلق الأمر بـ”لوكاشينكا”.وقد تفاقمت المشاكل الإعلامية قبل الانتخابات، حيث أبرزت المنافذ الروسية، التي تحظى بجمهور كبير في بيلاروسيا، أزمة “كوفيد – 19” التي يقول النقاد إن الرئيس هو السبب في جلبها للبلاد.
العودة للاتحاد السوفييتي
تقول “نادية بوكا”، وهي فنانة ورسامة، لديها خبرات صحفية، كانت تعمل في شبكة تلفزيون العاصمة التي تديرها الدولة البيلاروسية حتى سئمت وغادرت قبل سنوات، إنه “لم يتغير شيء” في وسائل الإعلام الحكومية منذ الأيام السوفييتية عندما كانت الدعاية الصارخة هي الأساس. وتضيف “لقد ظل الاتحاد السوفييتي على قيد الحياة في التلفزيون، وهو الأمر الذي يبقى على حاله منذ أكثر من 20 عامًا، لكن من الناحية العملية لم يتغير شيء.
وتردد “بوكا” ما اعترض عليه الباحثون منذ فترة طويلة، من أن وسائل الإعلام الحكومية يتابعها البيلاروسيون المسنون؛ إذ تقول: “للأسف، الأشخاص الذين يبلغون 65 عامًا أو أكثر يشاهدون التلفزيون هنا، ولسوء الحظ، لا يستخدمون الإنترنت، وبالتالي يعتقدون أن الدعاية الحقة هي تلك التي تأتي من شاشاتهم”.
وبجانب تعزيز تصورات الدعم الشعبي لـ”لوكاشينكا”، فقد قللت وسائل الإعلام الحكومية في روسيا البيضاء من تأثير جائحة “كوفيد – 19” الذي رفضه الرئيس في مارس باعتباره نتاجًا لمرض “الذهان الجماعي”.
العامل الروسي
في غضون ذلك، عرضت وسائل الإعلام الحكومية الروسية تقارير انتقادية لسياسات التصدي للجائحة في بيلاروسيا. ففي مايو، بدت “مينسك” غاضبة لدرجة أنها جردت اثنين من الصحفيين الروس من الاعتماد بعد اتهامهما بنشر “معلومات كاذبة” في تغطيتهما لأزمة “كوفيد – 19” في روسيا البيضاء.
وكانت العلاقات بين مينسك وموسكو متوترة منذ أن اعترض “لوكاشينكا” في ديسمبر الماضي على خطط للتكامل مع موسكو. ثم خفضت روسيا إمدادات الطاقة إلى روسيا البيضاء، التي تعتمد على الغاز والنفط الرخيصين لتشغيل جزء كبير من اقتصادها المتدهور الذي تديره الدولة.
ووسط هذا الخلاف الغاضب، لم تقم وسائل الإعلام الحكومية الروسية بتغطية موضوعية.
ويقول “سيفيتسكي” في تعليقات مكتوبة: “حتى خوارزميات المواقع الإخبارية الحكومية الروسية تستهدف الزائرين بإعلانات سياسية تقدم آراء نقدية حول لوكاشينكا وترويج المرشحين المحليين.”
وفي غضون ذلك، قالت “نيكا أليكسييفا”، الباحثة في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلنطي: إن البيلاروسيين، الذين جعلتهم تجاربهم اليومية متشككين في الخط الرسمي بشأن “كوفيد – 19” يبدو أنهم ابتعدوا عن وسائل الإعلام الحكومية بحثًا عن معلومات دقيقة.
إن التناقض بين ما كانت تقوله قنوات الدولة في بيلاروسيا والطريقة التي ينظر الناس من خلالها للوضع على الأرض، قد أدى إلى زيادة معدلات اللجوء لمصادر المعلومات البديلة، بما في ذلك المدونات الخاصة بالشخصيات الشهيرة مثل “تسيخانوشكايا”، التي دخلت السباق الرئاسي بعد أن رفضت السلطات محاولة زوجها خوض السباق الرئاسي، كما أنه يقبع حاليًا في السجن، لذا تقول “تسيخانوشكايا” إن الناس لن يسمعوا الحقيقة أبدًا.
أمَّا بالنسبة للعديد من الشباب البيلاروسيين الذي لم يعرفوا رئيسًا غير “لوكاشينكا” ولم يعيشوا مرحلة الاتحاد السوفييتي، فإنهم يستقون معلوماتهم من الإنترنت. وتقول “بوكا” في إشارة إلى المواطنين الأصغر سنًا والأكثر تقدمية، إنهم يفهمون ما يجري حولهم، وجميعهم يشاهدون القنوات المختلفة على الإنترنت، ووسائل الإعلام المستقلة. كما أن الجميع يفهم جيدًا أنهم لن يسمعوا الحقيقة القادمة من شاشات التلفزيون”. وقد استخدم منافسو “لوكاشينكا” المحتملون، بما في ذلك العديد من كبار الخصوم الذين لم يُسمح لهم بحرية الحركة، الشبكات الاجتماعية،مثل: “فيس بوك” و”تويتر” و”إنستغرام” لإيصال رسالتهم.ويشترك في قناة “تسيخانوسكي” على اليوتيوب حوالي 250 ألف مشترك، حيث تسلط الضوء من خلال هذه القناة على الفساد بيلاروسيا.
وهناك أيضًا “فيكتار باباريكا” المنافس الرئيس المحتمل لـ”لوكاشينكا”، وقد تمَّ اعتقاله بتهمة الاختلاس التي يرفضها مؤيدوه ويعتبرونها ذات دوافع سياسية، ويتابع حسابه على “إنستغرام” نحو 300 ألف مشترك. وقد ساعدت الحملات التي تم تدشينها عبر وسائل الإعلام في جمع مئات الآلاف من التوقيعات لدعم ترشحه في الانتخابات في بلد يقل عدد سكانه عن 10 ملايين شخص.
وسائل التواصل الاجتماعي والمعارضون
بالنسبة للأعداد المتزايدة من النشطاء من بيلاروسيا وغيرها، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد أداة للتنظيم فحسب، بل سبيلاً للتعبير عن الغضب والإحباط من طرق “لوكاشينكا” وطرق حكومته القمعية.وقد تمَّ رصد زيادة ملحوظة وتنامٍ لهذه التوجهات خلال الفترة الأخيرة منذ أن تمَّ اعتقال “باباريكا” وابنه في 18 يوليو الماضي بتهم الاختلاس التي يصفها أنصاره أنها ملفقة.
كتبت “ييكاترينا”، التي عرّفت نفسها على أنها ناشطة في مجال حقوق الحيوان عبر حسابها قائلة: “لا يمكنني أن أسمي نفسي شخصًا مهتمًا بالسياسة، فعندما أنظر إليك، لا أشعر بالغضب أو الاشمئزاز، فقط أشعر بالخجل”.
وقد كتب أحد مستخدمي “فيس بوك” يُدعى “ديما ناريشكين” ويعرف نفسه بأنه ممثل كوميدي، مخاطبًا “لوكاشينكا” في منشور له قائلا: “أنت ألكسندر جريجوريفيتش”.
أهداف متحركة
مع تزايد نفوذهم، تمَّ استهداف المدونين والصحفيين المستقلين والناشطين من قبل حكومة “لوكاشينكا” بالاعتقالات والترهيب.ففي 25 يونيو، وتحت ما أطلقت عليه الجماعات الحقوقية تهمًا زائفة، اعتقلت السلطات البيلاروسية “إيهار لوسيك”، مدير قناة “تيليغرام” Telegram البيلاروسية الشهيرة “برار” Braar، والسياسي المعارض “سيارهي بياتروخين” Syarhey Pyatrukhinوهو صاحب قناة شهيرة على يوتيوب وزعيم حزب المعارضة الجديد “هرمادا”.
وتقول “عائشة جونغ”، الناشطة البارزة في منظمة العفو الدولية بشأن بيلاروسيا: “إن السلطات البيلاروسية تقوم بعملية تطهير واسعة النطاق للأصوات المعارضة، باستخدام القوانين القمعية لمواجهة الانتقادات قبل الانتخابات. ويتم حاليًا استهداف الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وبشكل عام، فقد اعتقلت الحكومة حوالي ثمانية مدونين على “يوتيوب” و”تيليغرام” لقيامهم بأنشطة حقوقية ونشروا آراء تنتقد سياسات “لوكاشينكا.”وادعت “داريا”، زوجة “داريك”، أن “الحكومة تقوم بذلك مع النشطاء والمدونين وقنوات تيليغرام لأنها تخشى أن يصبح السكان أكثر وعيًا بما يجري في البلاد حاليًا”.
وتمَّ القبض على أكثر من 40 صحفيًا خلال الشهرين ونصف الشهر الماضيين خلال الحملات الانتخابية، لكن المدعي العام أعلن في 24 يوليو أنه لن يحقق في الطريقة التي تمَّ بها عرقلة تقاريرهم.لذا، يرى “سيفيتسكي” أنه من المرجح أن يواصل “لوكاشينكا” السعي لإسكات الأصوات المزعجة، كما أنه يعاني مع المشهد الإعلامي المتغير.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: راديو أوروبا الحرةRadio Free Europe
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر