سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا للكاتب «يوسف داوود»، تحدث فيه عما يجب على الدول فعله إذا أرادت استعادة حياتها الاقتصادية فى ظل تفشى الفيروس وما دوافعها الملحة لعودة النشاط الاقتصادي في أسرع وقت…. جاء فيه ما يلي:
أضحى «استعادة النشاط الاقتصادي» العنوان الرئيسى الأبرز لإجراءات دول العالم فى مواجهة جائحة كورونا، فعقب فترة تصل إلى أشهر من تبنى إجراءات الإغلاق والحظر؛ رفعت العديد من الدول تباعا القيود على الأنشطة الاقتصادية مع تبنى تدابير احترازية لمواجهة احتمالات «الارتداد الوبائي» وظهور موجة ثانية من تفشى الفيروس. فعلى سبيل المثال، بدأت ألمانيا فى 21 إبريل فى فتح بعض المحال التجارية مع تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي.
وأعلن رئيس الوزراء البريطانى «بوريس جونسون» أن بريطانيا ستُعيد فتح الآلاف من متاجر الشوارع الرئيسية والمتاجر الكبرى والمراكز التجارية خلال شهر يونيو المقبل. وفى سياق متصل، أعلنت اليابان خلال شهر مايو الجاري عن رفع حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد. وفى هذا السياق، توقعت محافظة طوكيو «يوريكو كويكي» أن «العاصمة ستدخل بسرعة إلى المرحلة الأولى من رفع القيود إذا أنهت الحكومة حالة الطوارئ، وسيسمح ذلك للمكتبات والمتاحف باستئناف نشاطها، وستظل المطاعم مفتوحة لفترات أطول فى المساء، وستتضمن المراحل التالية إعادة فتح المسارح ودور السينما وأرض المعارض». وفى هذا الإطار، يُناقش هذا التحليل محدِدات استعادة النشاط فى ظل جائحة كورونا.
1 ــ صعود «الذعر الاستهلاكي»:
تُدرك الحكومات جيدا أن انتشار الأوبئة ــخاصة سريع العدوى منها مثل فيروس كورونا ــ من شأنه أن يولد حالة من الخوف لدى المستهلكين والتى تجعل التنبؤ برد الفعل الاستهلاكي أمرا صعبا للغاية. فالانخفاض الحاد فى معدلات الاستهلاك لا يتناسب تماما مع معدلات انتشار المرض Morbidity Rate. بمعنى آخر، فإن كل إصابة جديدة لا يقابلها قيام مستهلك واحد بخفض استهلاكه بل العشرات منهم، فيما يُعرف بالمرونة السلوكية للانتشار Prevalenceــelastic Behavior.
وهذا السلوك المرن الناتج عن شعور الخوف يسبب انخفاضا حادا فى الطلب الكلى، ويؤثر سلبا على نمو الناتج المحلى الإجمالى بغض النظر عما إذا كانت العدوى تنتشر بنفس معدلات الانخفاض فى الاستهلاك من عدمه. فى تلك الحالة، يكون سلوك حكومات البلدان التى لم يتفشَ فيها الفيروس بشكل كبير ميالا إلى التعليق الجزئى للنشاط الاقتصادي مع الإبقاء على الخدمات الحيوية، وذلك للتخفيف من آثار الذعر الاستهلاكي المتوقعة طالما سمح الوضع الصحي بذلك، فى حين تميل الدول ذات معدلات الإصابة المرتفعة جدا إلى حظر شبه كلى للنشاط الاقتصادي طالما أن الوضع الصحي أصلا لا يسمح بالتعامل مع الحالات الموجودة بالفعل. من ثم، تكون قرارات عودة النشاط الاقتصادي متناسبة صعودا وهبوطا مع المرونة السلوكية للمستهلكين، أخذا فى الاعتبار أن شعور الخوف كما ساهم اقتصاديا فى خفض حاد وسريع فى معدلات الطلب فإنه قد يسبب صعودا بطيئا نسبيا فى هذه المعدلات فى حالة إعادة فتح عدد من أنشطة السوق. لذلك فإن الإعلان عن عودة جزئية للنشاط الاقتصادى من شأنها أن تلعب دور «بالونة الاختبار» لما وصل إليه شعور الخوف بالنسبة للمستهلكين، خاصة وأن هناك فترة إبطاء (Slow down period) بين اتخاذ القرار الاقتصادى وظهور آثاره، وهى قد تطول إذا ظلت معدلات الذعر الاستهلاكي فى مستويات مرتفعة رغم الانحسار الرقمي فى معدلات الإصابة.
2 ــ تفادي وضع «الكساد»:
رغم اتفاق الدول على الإجراءات الاحترازية المتبعة إلا أن الأداء الاقتصادي وتأثير غلق النشاط على مؤشرات الاقتصاد يتباين من دولة لأخرى. ففي الهند ــ على سبيل المثال ــ بما أن القطاع الغذائي ــ وخاصة الزراعي ــ يجذب أكثر من 50% من القوة العاملة فى الهند؛ فإن تعطيل هذا القطاع الاقتصادي قد يعُجل من تحول حالة الركود Recession إلى كساد Depression، مما سيؤثر على قطاعات الاقتصاد الأخرى، ومنها القطاع الصحى، وهو ما تسعى الدول لتفاديه.
وبالتالي، فإن قرار تعليق قطاعات اقتصادية واستمرار قطاعات أخرى يتوقف على مساهمة هذه القطاعات فى الناتج المحلى الإجمالي، ومدى التأثير المباشر لقطاع معين على تدهور المؤشرات الاقتصادية بشكل جذري، وذلك للحيلولة دون الوصول لمرحلة الكساد. هذا، ولا ينطبق ذلك المنطق فقط على السلع الأساسية مثل الأغذية، ولكن يمتد أيضا لقطاعات تكميلية تحتل نصيبا كبيرا في الناتج المحلى الإجمالى للدول، مثل قطاع صناعة السيارات فى ألمانيا، والعقارات والإنشاءات في فرنسا وكوريا الجنوبية.
3 ــ فاعلية النظام الصحي:
يُفترض فى الحكومات أن تضع احتمالية لعودة نسب الإصابة فى الارتفاع فى حالة تخفيف بعض القيود على النشاط الاقتصادي، ومن ثم فإنه من المفترض أن تكون الحكومات قد عملت على زيادة قدرات القطاع الصحي فى الفترة الماضية، تمهيدا لصدور قرارات باستعادة النشاط تدريجيا. وبالتالي فإن قرارات عودة النشاط الاقتصادي ومداها ستكون مرهونة بما استطاعت الدول تحقيقه في مجال رفع قدرات قطاعاتها الصحية، وهو ما عملت عليه ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر عندما نجحت في رفع عدد أسرة العناية المركزة من 28 ألف سرير إلى 40 ألف سرير.
4 ــ معدل «سعر الفائدة»:
يؤكد المحللون المتخصصون فى السياسة المالية أن مرور الاقتصاد بحالة ركود اقتصادي يستوجب تخفيض نسبة الفائدة على الودائع والإقراض لتوفير سيولة مالية في الأسواق، وذلك لأنه في حالة تخفيض الفائدة يفضل المواطنون أن يسحبوا ودائعهم ويقوموا بشراء سلع أو عقارات تحتفظ بقيمة أموالهم بدلا من وضعها فى البنوك بنسبة فائدة ضعيفة، وكذلك المقترضون يفضلون الاقتراض من البنوك في ظل انخفاض الفائدة مما يجعل تكلفة قروضهم أقل من أوقات ارتفاع الفائدة، وهو ما من شأنه أيضا توفير سيولة في السوق للتغلب على حالة الركود.
ولكن هذه السياسة تكون ذات مفعول في الدول ذات نسب الفائدة العالية (تصل فى مصر مثلا إلى 15% على الودائع)، بينما تكون ذات أثر لا يذكر فى الدول ذات نسب الفائدة التى تقترب من صفر (مثل فرنسا تتراوح الفوائد على الودائع بين 0.2% و0.5%). لذا فإن إجراءات عودة النشاط الاقتصادي تكون أكثر إلحاحا من الناحية الاقتصادية لدى الدول التى تعتمد على الاستهلاك بشكل كبير، وتقل نسب الفوائد بها، حيث تكون أدوات السياسة المالية في أضيق تأثيراتها فى مقابل زيادة دور الشركات والقطاع الخاص.
ولذلك اتجهت الدول الغربية إلى التسريع بعودة النشاط الاقتصادي رغم عدم القضاء على الفيروس نهائيا. وبالنسبة للدول ذات نسب الفوائد العالية؛ فإن زيادة السيولة فى الاقتصاد تقتضي وجود أنشطة اقتصادية متاحة لصرف تلك النقود المتوفرة على السلع والخدمات تفاديا لارتفاع نسب التضخم بشكل كبير، ولذلك مهما كانت تلك الإجراءات مؤثرة فإن تلك الدول تميل أيضا بعد حين لزيادة حجم النشاط الاقتصادي المتوافر لتصريف السيولة.
5 ــ توفير «تعويضات البطالة»:
تصاعدت نسبة البطالة فى العديد من دول العالم، وتكمن المشكلة الحقيقية في فقدان عدد كبير من المواطنين وظائفهم دون وجود أى آليات مالية تصحيحية في هذا الخصوص. من هنا، تكون سرعة الدول في إعادة النشاط الاقتصادي رغم عدم القضاء على المرض نهائيا مرهونة بمدى قدرتها على تعويض من فقدوا وظائفهم.
وفي هذا السياق، قامت العديد من الدول بتعويض العمالة غير المنتظمة، حيث رفعت كل من فرنسا وإسبانيا إعانات البطالة. ومن ثم، فإن ارتفاع معدلات البطالة سيدفع الدول فى وقت معين لبدء فتح النشاط الاقتصادى، لأنه فى تلك الحالة لن يكون من المنطقى إجبار الناس على التزام منازلها دون تعويضها بالحد الأدنى من الدخل، حيث يفاضل الفرد بين الإفلاس الاقتصادي أو التعرض للمرض. ولذلك مهما كبر حجم وقوة الاقتصاد، فإن معدل الزيادة فى معدلات البطالة وسرعة تفاقمه متغير حيوى فى سرعة الإعلان عن استعادة النشاط الاقتصادى كليا أو جزئيا.
ختاما، تساهم المتغيرات السابق ذكرها في دفع الدول لتخفيف القيود على النشاط الاقتصادي. وعلى الرغم من قوة اقتصادات الدول المتقدمة، إلا أن هيكل تلك الاقتصادات يحوي بداخله العوامل الهيكلية التي تشجع على التعجيل باستعادة أنشطته في أسرع وقت. ويتخوف المحللون الاقتصاديون المهتمون باقتصادات الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، من حدوث فترة انكماش ثانية فى حالة عودة الإصابات، ومن ثم حدوث فترة انكماش ثانية قد تؤخر من استعادة النمو الاقتصادي المعتاد لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بدلا من سنة ونصف في حالة عدم حدوث أي تراجعات جديدة.
المصدر: صحيفة الشروق
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر