سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ألون بن مئير
تركيا دولة لديها إمكانات غير محدودة، وموارد بشرية وطبيعية هائلة، وثروات ثقافية يمكن أن تنافس أي دولة متقدمة في كل مرحلة من مراحل الحياة تقريبًا. لكن الرئيس التركي رجب أردوغان أهدر كل شيء عن طريق وضع مصلحته الذاتية وطموحه الأعمى أمام البلاد. سوف تكون صورته هي صورة الذي ضل طريقه وترك بلدًا محطمًا في أعقابه. فإذا فحصنا إرثه الذي سيخلفه، فلن نجد سوى مواطنين مصابين بالصدمة وإدانة دولية وعار.
فقد ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وخيانة لأصدقاء تركيا وحلفائها، وطعن الإسلام للترويج لأجندته الشريرة، والانخراط في مغامرات أجنبية باهظة الثمن، وإنفاق ثروات بلاده لشراء النفوذ في الأراضي الأجنبية، وصديق لأعداء حلف شمال الأطلسي، ولم يتوقف أبدًا عن جوعه المستمر من أجل السلطة.
ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
من الصعب المبالغة في شهية أردوغان للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فقد استخدم محاولة الانقلاب الفاشلة للهجوم على أعدائه السياسيين. إذ إن 600 ألف منهم لا يزالون يقبعون في السجون دون توجيه اتهام لهم، وسجن ما يقرب من 100 ألف مواطن بريء بتهم وهمية، وطرد 150 ألف من وظائفهم، واتهمهم زورًا بالانتماء إلى حركة الخدمة بقيادة “فتح الله غولن.”
وقد قام أردوغان بإقالة 4 آلاف قاضٍ ومدعٍ عامٍ واستبدلهم بأتباع له للقيام بمزايداته. لقد اضطهد عشرات من الأكاديميين، واتهمهم زورًا بنشر دعاية مسلحة. وقام بسجن 165 صحفيًا لمجرد الإبلاغ عن الحقيقة، والتمييز ضد الأقليات، وأحكم قبضته على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدم أزمة الفيروس التاجي كذريعة لإصدار قواعد قاسية لخنق المعارضة.
انتقاد الأعداء المحليين المتصورين
لقد أردوغان البلد بين قطبي رحى المعارضة الليبرالية ممثلة في حزب الشعب الجمهوري، وحزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ، وعارض البلديات التي يقودها حزب الشعب الجمهوري في مساعي معالجة تفشي الفيروس التاجي. وحظر توزيع الخبز حتى على الفقراء، خوفًا من أن يحظى رؤساء البلديات من المعارضة بشعبية أكبر من حكومته.
ويعتبر أردوغان الجالية الكردية التي تبلغ حوالي 15% من السكان، تهديدًا سياسيًا، معتقدًا أنهم يسعون إلى الحكم الذاتي ويحاول قمعهم بشكل ضار. وبدلاً من إيجاد حل للصراع المستمر منذ 50 عامًا مع حزب العمال الكردستاني، تخلى فجأة عن المفاوضات في نوفمبر 2015، والتي زادت من حدة العنف. وتعهد بقتل آخر مقاتلي حزب العمال الكردستاني، متناسيًا أنهم كانوا موجودين قبل عقود من وصوله إلى السلطة وسوف يستمرون لعقود بعد تركه منصبه.
خيانة حلف الناتو
يبدو أن أردوغان يعتقد أنه عضو لا غنى عنه في حلف شمال الأطلسي لأنه يمتلك ثاني أكبر جيش دائم، وفشل في إدراك أن قوة الناتو تكمن في تماسكه ووحدة هدفه. لقد انتهك أحد المبادئ الأساسية لحلف شمال الأطلنطي القائمة على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون، التي حطمها بوقاحة في بلاده.
لقد تعرضت تكنولوجيا الدفاع الجوي التابعة للحلف للخطر من خلال شراء نظام صواريخS-400 الروسي، ورفض دعم خطة الدفاع لبولندا ودول البلطيق ما لم يقدم الناتو الدعم السياسي لقتال تركيا ضد وحدات حماية الشعب. ويهدد أردوغان بإطلاق ملايين اللاجئين السوريين من تركيا ما لم يدفع له الاتحاد الأوروبي “فدية”. وأخيرًا، يعمل بشكل وثيق مع إيران ووقع اتفاقية تعاون معها في ديسمبر 2019، ويستمر في زيادة التجارة مع إيران، متحديًا العقوبات الأميركية.
الانخراط في مغامرات أجنبية مكلفة
لا يبدو أن الضائقة الاقتصادية تؤثر على مغامرات أردوغان الخارجية. فمنذ يناير قام بنشر أكثر من 3 آلاف من المتمردين السوريين في ليبيا. وقام بغزو سوريا في معركته التي لا تنتهي ضد الأكراد السوريين لمنعهم من إقامة حكم ذاتي، وسعيه لتحقيق حلمه الطويل الأمد في إنشاء موطئ قدم دائم في البلاد.
وقام أردوغان بتأسيس قاعدة عسكرية في قطر بحوالي 5 آلاف جندي تركي، وهو ما يسميه أردوغان “رمز الإخوة”. بجانب ذلك، فقد استأجر جزيرة في البحر الأحمر من السودان، متظاهرًا بأنها للسياحة، بينما هي في الواقع لبناء منشآت عسكرية قريبة من الدول العربية، والدول التي يعتبرها منافسة له في قيادة المجتمع السني العالمي.
شراء النفوذ في الأراضي الأجنبية
تمَّ تصميم الاستثمارات التركية والمعونة المالية والتجارة الموسعة مع دول البلقان لزيادة نفوذ أردوغان. فشركات البناء التركية تقوم ببناء وتشغيل 20 محطة كهرباء في صربيا. إذ تمَّ تأسيس أول شركة طيران وطنية في ألبانيا كمشروع مشترك مع الخطوط الجوية التركية. وتعمل حوالي 500 شركة تركية في كوسوفو، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 340 مليون يورو.
وقامت وكالة التعاون والتنسيق التركية(TIKA) بتجديد مئات المواقع التاريخية في كوسوفو أثناء بناء مطار بريشتينا الدولي وشبكة توزيع الطاقة. كما وعد أردوغان البوسنة بأن تركيا ستستثمر 3 مليارات يورو لبناء الطريق السريع بين سراييفو وبلغراد، بينما حثَّ الشركات التركية على توسيع استثماراتها في البلقان لجعلها تعتمد بشكل متزايد على تركيا.
الإسلام الملتوي لتعزيز أجندته الشريرة
يستخدم أردوغان الدين ببراعة كأداة لدفع أجندته الإسلامية الشريرة. فهو يتذرع باسم الدين لتقديس أي برنامج يختار الترويج له، ويستثمر بشكل كبير في بناء المساجد والمؤسسات الدينية في جميع أنحاء البلقان. فقد قام بتمويل بناء عشرات المساجد، بما في ذلك المسجد الكبير في “تيرانا” بتكلفة 30 مليون دولار وهو أكبر مسجد في البلقان. وكانت “هدية” أردوغان لكوسوفو هي بناء مسجد ضخم على الطراز العثماني في وسط بريشتينا. وفي غضون ذلك، يدرب ويرسل الأئمة الذين يقدسونه في خطبهم بسبب “توجهاتهم الدينية” ويقيمون علاقات وثيقة مع الأحزاب الدينية لتعزيز نفوذه.
إنه يستخدم بلا خجل “تقواه” المزعومة كمسلم متدين يسترشد بالفضائل الإسلامية وأنه مكرس نفسه لرفاهية مواطنيه. بينما في الواقع أردوغان فاسد في جوهره، لا يرحم في ترهيبه وتهديداته لمنافسيه السياسيين، وهو مدفوع لإحياء عناصر الإمبراطورية العثمانية من خلال السعي بلا هوادة إلى طموحه لجعل تركيا هي المهيمنة في المنطقة.
وفي الختام، يجب على الأمم المتحدة وكل منظمات لحقوق الإنسان أن تدق ناقوس الخطر بشأن الانتهاكات الفادحة التي يرتكبها أردوغان ضد حقوق الإنسان، ومطالبته بالمساءلة، وتحذيره من أنه سيعاني من عواقب وخيمة، بما في ذلك العقوبات، إذا لم ينهي انتهاكاته البشعة لحقوق الإنسان.
ويجب أن تصرَّ الديمقراطيات الغربية على أن يستأنف أردوغان المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، وأن ينهي الصراع الدموي المستمر منذ 50 عامًا، وأن يسمح للأكراد في تركيا بالتمتع بثقافتهم والحرية والمساواة، وإلا فإنهم سوف يصنفون حزب العمال الكردستاني باعتباره منظمة إرهابية.
وعلى الناتو أن ينبه أردوغان إلى أن انتهاكه لميثاقه وتعاونه مع روسيا، التي تسعى إلى تقويض الناتو، أمر غير مقبول، وإلا فإن الحلف سينأى بنفسه عن تركيا، وينهي تبادل المعلومات الاستخبارية والتدريبات العسكرية، ويفكر في طرده من الناتو.
ويجب أن تدرك البلدان التي يوجد فيها أنه يهدف إلى خلق وجود عسكري له، بما في ذلك سوريا وليبيا والسودان وقطر، وأن الغرض الرئيسي لأردوغان هو إيجاد موطئ قدم دائم وممارسة لنفوذ غير ضروري كجزء من طموحاته المهيمنة.
ويجب على الدول المنفتحة على الاستثمارات التركية والتطورات الاقتصادية، مثل دول البلقان، أن تعرف أن استثمارات أردوغان ليست سوى وسيلة يمكن من خلالها التلاعب بهذه الدول للوقوع في المدار التركي.
كما ينبغي للأئمة وغيرهم من قادة المؤسسات الإسلامية أن يحدوا من تدخل أردوغان في شؤونهم. وهنا نشير إلى دول البلقان، على وجه الخصوص، إذ يجب أن يكون التظاهر الديني لأردوغان مستمرًا طول الوقت. لذا، عليهم أن يكونوا حذرين من التلاعب الديني الغريب.
ومن المؤكد أن أردوغان أظهر القدرة والإرادة للقيام بكل ما يلزم، بغض النظر عن حقيقة أخلاقه، لتحقيق هدفه المهدّد. فأردوغان لا يدرك أنه بشر، وأن حكمه سيصل حتمًا إلى نهاية غير شريفة، وأن إنشاء إمبراطوريته الخيالية محكوم عليها بالزوال قبل أن يتلاشى ضوء الصباح.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: ترانز كونفلكتس Trans Conflict
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر