سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د.عبدالعليم محمد
مع انتشار وباء «كورونا» عبر العالم، متخطياً حواجز اللون والعرق والغنى والفقر والتقدم والتخلف، بدأ ـ كما هو واضح من متابعة مداخلات المفكرين والفلاسفة ومقارباتهم ـ زمن الأسئلة الكبرى التي تتعلق بالموت والحياة ووجود البشرية ومستقبل الإنسان والطبيعة والضمير والأخلاق، وهذه الأسئلة وإن كانت قديمة، إلا أنها قد تثار على نحو جديد وبصيغة أخرى تتلاءم مع طبيعة العصر والمعطيات العلمية والتكنولوجية.
اعتبر بعض الفلاسفة أن وباء كورونا هو «تجربة فلسفية» ووجودية، تفرض تساؤلات بشأن هوامش الحرية الذاتية للبشر، والخوف من المجهول واللاعقلانية في التصرف والسلوك، كما اعتبر بعضهم أن «الفيروس» تسونامي صحي واقتصادي أو ذهني، سيكون له آثار عميقة في التفكير.
مع انتشار الفيروس، ظهر إلى العلن اللا متوقع وغير المتحكم فيه وساد اللا يقين البشر أفراداً وجماعات، وأعيد طرح السؤال الذي يتعلق بقدرة البشر الذاتية وطبيعة الحرية التي يتمتع بها الكائن الإنساني تحت وطأة وجود هذا الفيروس، الذي لم تتوفر حتى الآن القدرة على السيطرة عليه.
إن انتشار الوباء على النحو الذي نراه الآن ونتابع ضحاياه أولاً بأول، قد أعاد لحقيقة الموت الظهور والتذكير، بحيث أصبحت ماثلة للعيان، باعتبار أن الموت يمثل الحقيقة المؤكدة لكل إنسان، خاصة أن نمط الحياة الحديثة بالذات في الدول الغنية وما يتميز به من وجوه الترف والمتعة والمباهج، وما يحفل به من قيم تغذية وتحركه وتمثل مرجعية حداثية له، قد ساهم في «نسيان الموت» وتغييبه وإبعاده عن الذاكرة؛ حيث لم يعد الإنسان في المجتمعات المتقدمة يحفل بالموت وطقوسه، كما أن طقوس الموت والدفن أصبحت من اختصاص شركات ومؤسسات تهدف إلى الربح، واختفت مع الموت مظاهر الاحتجاج والصخب والحزن على المتوفى، ودخلت هذه المظاهر طور الاختفاء والتقاليد البالية، التي لا تعبأ بها الحياة الحديثة بل وليست مطلوبة على أي نحو، فليس لدى الجميع الوقت للاهتمام بذلك، لقد أفضى نمط الحياة الحديثة إلى ظاهرة «موت الموت» واختفائه وكأنه لم يعد قائماً وموجوداً.
يركز بعض المفكرين على أن شعور البشرية والإنسانية بالخوف قد لعب دوراً كبيراً في تطورها وارتقائها؛ لأن الخوف يدفع الإنسان لتجاوز مخاوفه وتأمين نفسه من مصادر الخوف، حيث لازم الخوف تطور الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض وفي الطبيعة، حيث كان يخشى ويخاف الرعد والبرق والعواصف والسيول والحيوانات المتوحشة، وفي مواجهة هذه المخاوف طور أدواته وتفكيره لمواجهة تلك المخاوف وتأمين وجوده عبر الزمن ووفقاً لاكتشافاته وتطور قدراته ومعرفة إمكاناته العقلية ومعرفته بالطبيعة.
المصدر: صحيفة البيان
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر