سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عساف المسعود
تسير الركبان في أزقة “وول ستريت” ولا حديث لها سوى أن هناك حربًا “باردة” بين الصين والولايات المتحدة، وهذا ما لا نتمناه لعواقبها الوخيمة على العالم، ولأن تطورها قد يخلق مناطق نزاع كما حدث بين الولايات المتحدة وروسيا في حربهما الباردة.
وعن التوقعات التي تذهب بنا للقول: إن هذه الحرب الصينية الأميركية لن تنزل بردًا وسلامًا على العالم، لكنها لن تُفني الأرض والنسل.
الواقع يقول إن الصين الشعبية أربكت الخارطة الدولية بعبثها مع الخفافيش، إن صح ذلك، مستغلةً في ذات التوقيت، تلك الثغرات التي تطورت مع مفهوم العولمة، ونظام التجارة العالمية.
تنبع هذه التوقعات، كون الصراع الصيني الأميركي في أول مراحله، والذي اشتعل فتيله في الموانئ التجارية بين الدولتين قبل أزمة كورونا.
وللتأكد من المرحلة القادمة، يجب أن نلقي بنظرة على المحيط الهادئ، وتحديدًا الجزء الغربي، بسبب أن القوات الأميركية والقوات الصينية، تتواجدان على خطوط التماس هناك؛ فالولايات المتحدة لديها تعهد تاريخي بحماية اليابان، بعد هزيمة الإمبراطور الياباني في “هيروشيما وناجازاكي”؛ إذ تعهدت واشنطن حينها بحماية اليابانيين من أي تهديدات خارجية، كالصين، مثلاً، بعد أن احتلت اليابان أجزاء كبيرة منها في الحرب العالمية الثانية.
في ذات الجزء من المحيط الهادئ، نجد كوريا الجنوبية، التي بدأت تستشعر غضب التنين الصيني في المحيط، لتدخل صفقة مع الأميركيين بمبلغ 1,3 مليار دولار سنويًا من أجل أن تتمركز القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية، وبزيادة تقدر بــ50% عن العام الماضي، بعدما بدأت كوريا الشمالية المدعومة من الصين، بإطلاق مقذوفات، يُعتقد أنها صواريخ كروز قصيرة المدى، حسب ما أعلنت هيئة الأركان الكورية الجنوبية.
الغريب أن البعض يعزو دوافع كوريا الشمالية للتعدي على كوريا الجنوبية، إلى أنها مجرد تشويش على الانتخابات الحالية في كوريا الجنوبية، إلا أن مثل هذا التفسير، يغفل اللقاء الذي جمع “دونالد ترمب” و”كيم جونغ”، والذي بعث بتطمينات لكوريا الجنوبية، وأن الكوريين الشماليين في حالة “اللانزاع ” وفي حالة من التقارب مع واشنطن. وهذا يؤكد أن الشماليين قاموا بمهاجمة الجنوبيين لدوافع صينية مجردة، لإحراج الولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وكأسلوب للحروب الباردة المعاصرة.
أيضًا في المحيط الهادئ غربًا، نجد دولة تايوان التي تُطالب الصين بضمها باستمرار تحت قبة الأمم المتحدة، رغم أن تايوان دولة مستقلة بالكامل على الورق، إلا أنه لم يتم الاعتراف باستقلاليتها بواسطة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أن الصين ترفض أن تدخل في علاقات دبلوماسية مع أي دولة تعترف باستقلال تايوان، كنوع من الضغط الدولي.
الحالة التايوانية قد تتحول لمنطقة صراع في ظل فيروس كورونا، لكن كيف يمكن ذلك؟!
الشرارة الأولى بدأت مع مطالبات في المجتمع الدولي بضم تايوان لعضوية منظمة الصحة العالمية بعد رفض تاريخي من الصين لانضمام تايوان منذ سبعينيات القرن الماضي؛ حيث إن ظهور مطالبات في هذا التوقيت يؤكد وجود شكل من الحروب الباردة، لمنازعة الصين في هذا الملف، وفي هذه الأوضاع، وبعد الاتهامات الدولية المتداولة، حول أن الصين هي من خلف فيروس كورونا، وبأنها لا تستجيب بالشكل الكافي لمنظمة الصحة العالمية.
في المقابل، يبدو أن الرئيس “ترمب” محبط، فهو لا يعلم من أي باب تخرجُ له المصائب، هل هو من باب CNNوشقيقاتها اللاتي يعكرن صفوه، أم من منافسه الانتخابي، “جون بايدن”، أم من الديمقراطيين الذين يضمرون له الشر في كل خطوة يتخذها، أم من فيروس “كورونا “الذي أضر بإصلاحاته الاقتصادية التي يستند عليها كملف للفوز في الانتخابات الحالية.
يتضح أن الرئيس ترمب سيحارب من أجل إقناع الأميركيين أن الصين هي من كدر صفو جوهم واقتصاد الولايات المتحدة، لكسب أصواتهم، وهذا سيدفعه لمواصلة ضغطه على الصين، وبذلك تتصاعد الحرب الباردة بين الدولتين.
بغض النظر عن الانتخابات الأميركية، ومن سيتم انتخابه، الولايات المتحدة في حرب وجودية مع الصين، والجمهوريون والديمقراطيون يعون ذلك جيدًا، ومدركون أن القوى الناعمة “التجارية” للصين تحاول ابتلاع العالم. وأن هذا يتطلب تركيز وجودها في المحيط الهادئ؛ لذلك، الولايات المتحدة هي الوحيدة من عدة دول في العالم، لم توقف مناوراتها في تلك المياه الإقليمية، بعد انسحاب جيوش العالم تحت مخاوف انتشار فيروس كورونا بين قواتها في البحر.
أخيرًا، الوضع الأميركي الصيني محتدم، وهناك احتمال أن تشتغل أميركا بالضغط على الصين من خلال الملف التايواني، أو على ملفات أخرى مثل الإيغور، أو تعطيل مشروع “الحزام والطريق” الصيني. وهذا في المقابل قد يدفع الولايات المتحدة نحو تراجع أو تغيير طبيعة وجودها في الحلف الأطلسي، أو الشرق الأوسط وقضاياه.
كاتب وباحث أكاديمي سعودي*
@AlmsaudAssaf
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر