جائحة كورونا من المنظور العلمي والإنساني والسياسي | مركز سمت للدراسات

جائحة كورونا من المنظور العلمي والإنساني والسياسي

التاريخ والوقت : الأحد, 24 مايو 2020

د. أوس الزيد

 

لا يدرك البعض ان ما يحصده فيروس الانفلونزا من ارواح البشر يناهز 650 الف ضحية سنويًا حول العالم (حسب تقرير وكالة الصحة العالمية WHO لموسم 2017/2018). هذا على الرغم من توفر لقاح فعّال للإنفلونزا لمن يحتاجه من كبار السن والمصابين بامراض مزمنة وذوي المناعة الهشة. وكما هو معروف ايضاً ان الانفلونزا الموسمية وباء معدٍ بل وسريع الانتشار ينتقل مباشرة من شخص إلى اخر عبر الاحتكاك الشخصي والعائلي والاجتماعي والوظيفي كما يمكن تجنب عدواه بمنع الاختلاط بالمصابين والتباعد الاجتماعي وتوخي اجراءات النظافة الشخصية. إذن ونحن أمام تلك الحقيقة العلمية الراسخة نسأل عفوياً لماذا لم يبادر العالم في أي وقت مضى إلى فرض إجراءات الحجر الصحي لتجنب هذا الكم الهائل من الضحايا، أو على الأقل الإغلاق في فصل الشتاء موسم انتشار الانفلونزا كما يعمد اليه اليوم بشتى الطرق والأساليب في مواجهته مع كورونا أم ان ارواح المصابين بفيروس الانفلونزا أرخص من ارواح المصابين بفيروس كورونا؟

يبدو ان عنصر المباغتة التي فاجأ بها فيروس كورونا العالم على حين غرّة قد أثار نوبة من الخوف والهلع لا سابق لها تؤججها كل يوم التغطية الإعلامية المتواصلة والمدججة بأرقام الإصابات والوفيات المتراكمة عجّلت بدورها في شلل الحياة الكونية التي عرفناها بكل ما تعنيه من تفاعل انساني او سعادة او كبد . إضافة الى ذلك لقد وضعت جائحة كورونا المسؤولين واصحاب القرار في كل بلد امام اختبار لم يعهدوه من قبل الا وهو الإعلان أمام الرأي العام عن خياراتهم المفصلية تجاه الجائحة باعتماد الخيار الصحي (العزل المنزلي سواءً طواعية او بقوة القانون كما نراه في معظم الدول العربية) أو الخيار الاقتصادي كما انتهجته البرازيل بعدم الارتهان لكل ما يُقال او يروج عن الفيروس الجديد جرياً على المثل الدارج (قطع الاعناق ولا قطع الأرزاق) أو بخلطة توفيقية تجمع الاثنين معاً (كما عمدت اليه مثلاً مملكة السويد). في خضم المعركة الحرجة وامام صخب الإعلام وهول الوفيات المتصاعد جنحت معظم الدول الى الخيار الصحي نظراً لبعده الإنساني البحت (بقصد درء الوفيات) ولكن بكل مساوئه وتداعياته الأخرى.

ومع غياب علاج فعّال أو لقاح واقٍ من الوباء لمدة عام أو يزيد حسب تقديرات وكالة الصحة العالمية، وفي وقت تحذّر فيه الوكالة ايضاً من عودة فيروس كورونا عند تخفيف الإجراءات أو الانفتاح الاجتماعي، بقي الجميع في بقاع الأرض المختلفة اسرى في بيوتهم في حالة ترقب وانتظار مع كل ما قد يؤول اليه ذلك السبات البشري من تبعات اقتصادية قاسية وتراكمات اجتماعية ونفسية مجهولة العواقب خصوصاً عندما يمتد الحجر المنزلي لفترة زمنية ويمس جميع فئات الشعب بما فيها شرائح المجتمع الفقيرة التي تعيش على قوتها اليومي وهذا بحد ذاته يستوجب وقفة إنسانية مسؤولة.

لن يستخف احد بحياة الآخرين وليس هنالك سعر مقبول يبرر وفاة أي انسان ولكن من الحكمة ايضاً ان تكون الاجراءات المنشودة متزنة علمياً واقتصادياً وإنسانيًا تحاكي في صميمها مصلحة الجميع وتأخذ في الاعتبار طبيعة البشر الأزلية في الألفة والانتشار وان تكون منطقية في صلبها فمن غير المعقول مثلاً ان نقوم يوماً بحظر استعمال السيارات من اجل تجنب الوفيات الناجمة عن حوادث السير بالرغم من ان وفيات حوادث السير تضاهي في عددها وكلفتها حوادث كورونا مجتمعة. وليعلم الجميع انه عندما يصل فيروس ما الى مرتبة جائحة فمعنى ذلك طبياً انه لن يختفي عن الأنظار بل سيبقى كالإنفلونزا يطل علينا من موسم لآخر برداء جيني جديد.

وبين تفاوت إجراءات الدول لدرء مخاطر كورونا يبقى السؤال الأبرز في سباق المنافسة بين الأمم والذي لن تكون الإجابة عليه منصفة اليوم بل يجب الانتظار بعد هدوء العاصفة: هل ستستحوذ مملكة السويد على الجائزة الأولى بجرأة قرارها منذ بداية الأزمة وان تستتب لها قبل غيرها مناعة القطيع لتضمن حصانة شعبها دون ان تتكبد خسائر اقتصادية فادحة ودون اللجوء الى الحجر المنزلي على مواطنيها ودون الانتظار حتى اكتشاف اللقاح المنشود! أم ستكون الجائزة من نصيب التجربة الألمانية الفريدة الهادئة التي استبقت الجميع بالمسح النشط والمكثف للفيروس (منذ بداية شهر مارس) دون الحاجة الى فرض حظر التجول او تبنّي إجراءات اجتماعية صارمة أثمرت بدورها عن العدد القليل نسبيًا من الوفيات المسجلة في ألمانيا مقارنة بعدد الوفيات المرتفعة (أربعة أضعاف) المرصودة في الدول المجاورة مثل إيطاليا وأسبانيا.

نعود مجدداً لطرح السؤال البديهي والأهم الذي بدأناه بلغة الأرقام عن ضحايا فيروس كورونا التي تبدو باهتة نسبيًا مقارنة بوفيات الانفلونزا الموسمية ونسأل جدلاً هل من سبب واضح او خفي يبرر الضجيج الإعلامي الطاغي والمخاض الاجتماعي والاقتصادي العسر الذي واكب ظهور فيروس كورونا المستجد والذي لم نشهد له مثيلاً في الحياة المعاصرة: هل كان التهديد مصيرياً بالفعل وكانت شعوب الأرض في طريقها الى الفناء كما بدا لنا في وهلة مارقة من الزمن؟ أم ان الغرب قد وجد ضالّته أخيراً في مختبر وهان ذريعةً صائغة في صراعه المتفاقم مع الصين وفرصة سانحة لتركيع تنّين الشرق العملاق وما كان حبس البشرية وضرب الاقتصاد الا ثمناً مفتعلاً لمناورة سياسية في سلسلة متواصلة من صراع كوني مستفحل تزداد عواقبه يوما بعد يوم؟

 

المصدر: العربية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر