يبدو أن الاستثمارات عبر الحدود داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، قد حولت تركيزها خلال العقد الماضي بعيدا عن الصين. ما عليك سوى أن تنظر إلى الأفق المتغير لمدينة هو تشي منه في فيتنام، على سبيل المثال، لكي ترى إلى أين ذهبت بعض الأموال.
ارتفعت نحو 50 ناطحة سحاب في مدينة هو تشي منه، المحرك الاقتصادي الحضري في فيتنام منذ 2008، كما هي الحال في كثير من المدن الكبيرة الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، وكان معظم هذا التطور مدفوعا بالمستثمرين الأجانب. أصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادئ الوجهة الأكثر شعبية في العالم للاستثمار المباشر الأجنبي، حيث استقبلت نحو نصف إجمالي الإنفاق على مستوى العالم في 2018، وفقا للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ التابعة للأمم المتحدة.
تشمل أرقام الأمم المتحدة صفقات عبر الحدود ومشاريع على الأرض، نحو 600 مليار دولار و300 مليار دولار على التوالي. كما نما الاستثمار الأجنبي داخل المنطقة، باستثناء أوقيانوسيا، بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي.
من المرجح أن يكبح فيروس كورونا هذه الاتجاهات، في الوقت الذي يقلل فيه من نقدية الشركات متعددة الجنسيات، المخصصة لتمويل التوسع عبر الحدود. إلا أنه لا يزال بإمكان المستثمرين الاستفادة من موازنة الاتجاهات الأساسية.
تحولات طويلة المدى. دول منظمة آسيان في مقابل الصين: شهد الاستثمار الأجنبي داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء أوقيانوسيا، تحولا كبيرا، وفقا لبحث أجرته قاعدة بيانات لدى صحيفة “فاينانشيال تايمز”، تتعقب الاستثمار المباشر الأجنبي الذي تم الإعلان عنه وإطلاقه – أي الاستثمارات على أرض الواقع التي توفر وظائف ومرافق جديدة. تستخدم القاعدة عددا من المشاريع المعلنة للتنبؤ باتجاهات الاستثمار لأنها تتطلب التزامات طويلة الأجل، بما في ذلك الإنفاق الرأسمالي، على مدى أعوام كثيرة.
أصبحت الصين على وجه الخصوص مستثمرا مهما في بقية المنطقة. قبل نحو 15 عاما كانت تمثل 4.7 في المائة من الاستثمار داخل المنطقة.
ثم قفز هذا الرقم الآن إلى نحو 20 في المائة، حيث أصبحت الصين الآن أكبر مصدر للاستثمارالمباشر الأجنبي بعد اليابان.
في الوقت نفسه، انخفض الاستثمار من داخل المنطقة إلى الصين في معظم القطاعات منذ نحو عقدين، حسبما يقول لورنس يو، الرئيس التنفيذي لشركة آيجابيز استراتيجي الاستشارية في سنغافورة.
ويقول، إن تكاليف الإنتاج أرخص، كما تحسنت إنتاجية العمل في دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان). “مقارنة بالآسيان، يرى بعض المستثمرين أن الصين تفقد قدرتها التنافسية بسبب قوة العملة، ما يجعل الصادرات أكثر تكلفة”. إن الأجور في الصين ارتفعت، وأصبحت مكلفة مقارنة بتكلفة العمالة في الهند وفيتنام وإندونيسيا.
في الواقع، كانت حصة “آسيان” من الاستثمار الأجنبي داخل المنطقة تبلغ 47 في المائة من الاستثمار الرأسمالي في 2019. وفي الوقت نفسه، أصبحت “آسيان” أيضا مصدرا رئيسا للاستثمار المباشر الأجنبي في آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء أوقيانوسيا.
مكانة الصدارة الجديدة لفيتنام: فيتنام هي الوجهة المفضلة للمستثمرين الأجانب داخل المنطقة التي تستهدف الآسيان، تليها إندونيسيا وتايلاند وسنغافورة.
وهي تتمتع بنمو قوي في الاستثمار الأجنبي المباشر للخدمات المالية – القطاع الآسيوي الأعلى للمستثمرين الأجانب – وفي التصنيع، خاصة المنسوجات ومكونات السيارات. في العامين الماضيين، اجتذب التصنيع مبلغا غير مسبوق من الأموال الصينية، مدفوعا جزئيا بحرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين.
على الرغم من أن الاستثمار الأجنبي داخل المنطقة في إندونيسيا وتايلاند يركز بشكل ملحوظ على الصناعات الثقيلة والتصنيع، إلا أن دول الآسيان ككل جذبت بشكل متزايد الاستثمار المباشر الأجنبي لقطاع الخدمات.
كانت سنغافورة هي المستفيد الرئيس من ذلك، وأصبحت في الوقت نفسه الوجهة الأولى لإنشاء المقرات من قبل الشركات الإقليمية.
سنغافورة ترتفع: حتى قبل الاضطرابات السياسية في هونج كونج، بدأ قطاع الخدمات المالية في سنغافورة في جذب مزيد من الاستثمار المباشر الأجنبي أكثر من منافسه.
كما ساعد التنظيم العملي، خاصة فيما يتعلق بإدارة الأموال ورأس المال الاستثماري.
تقول كارولين بيكر، رئيسة وحدة الاستثمارات البديلة في شركة فيسترا ومقرها هونج كونج: “نمو سنغافورة كمحور استثماري رئيس عبر منطقة جنوب شرقي آسيا رمز لهذا التنظيم الإيجابي”.
عندما يتعلق الأمر بالابتكار، فقد اجتذبت الشركات الناشئة في المدينة – الدولة، أكثر من سبعة مليارات دولار من رأس المال الاستثماري العالمي في 2019، على الرغم من أنها متأخرة بعض الشيء عن الهند وأقل بكثير من الصين – وكلتاهما أكثر اكتظاظا بالسكان بكثير – وفقا لشركة بيتش بوك، مزود البيانات.
يقول داريو أكونسي، رئيس منطقة جنوب شرقي آسيا في شركة هوكسفورد لخدمات الشركات: “تفقد هونج كونج الآن القليل من بريقها، بينما تأتي سنغافورة كواحدة من الوجهات المفضلة للاستثمارات في التكنولوجيا المالية والتكنولوجيا عموما”.
التطور الرقمي: القطاع الذي حقق أكبر نمو في الاستثمار المباشر الأجنبي هو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT، حيث الصين والهند وهونج كونج وسنغافورة على التوالي، هي الوجهات الرئيسة للإنفاق الاستثماري داخل المنطقة.
عززت الصين الاستثمار منذ خمسة أعوام في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الهند، التي كانت في الأصل هدفا استثماريا مهما، خاصة في مشاريع البحث والتطوير.
من القطاعات الأخرى التي تشهد نموا سريعا في الاستثمار الأجنبي المباشر داخل المنطقة، الطاقة المتجددة والفنادق والسياحة والعقارات، حيث حصدت الصين وفيتنام معظم المشاريع الاستثمارية الأجنبية.
عموما، نما الاستثمار داخل الدول الصغيرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بقوة خلال عقد من الزمان، مع تميز كمبوديا ولاوس وسريلانكا.
حتى اليابان – الوزن الثقيل في الإقليم، على الرغم من أنها تقليديا سوق محدودة للاستثمار الأجنبي المباشر داخل المنطقة – اجتذبت بشكل متزايد استثمارات من الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج.
ما بعد الوباء: بالدرجة الأولى، فإن فيروس كورونا يلقي بظلاله على المنطقة بأكملها. يقول يو: “يمكن للمحللين والمخططين الاستراتيجيين في الشركات تمزيق جميع خططهم الاستراتيجية السابقة ذات الأعوام الثلاثة، والبدء من جديد. قد يشهد عالم ما بعد الجائحة نموا سلبيا بأرقام من خانتين في 2020، ونموا سلبيا بأرقام من خانة واحدة في 2021”. بالنسبة إلى المستثمرين، سيكون تحديد الأصول الاستراتيجية للاستثمار المتوسط والطويل أمرا حيويا.