سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يتجه اللاجئون إلى الشمال الغربي من إسطنبول باتجاه معبر “بازاركولي” الحدودي بين تركيا واليونان، وهم ينتشرون على الطريق في مجموعات يحملون أمتعتهم وأطفالهم، مستحضرين ذكريات أزمة المهاجرين منذ ما يقرب من خمس سنوات. على بعد أقل من ميل واحد من العلامات التي تودع المسافرين من تركيا، يتصاعد الدخان من مخيمات المهاجرين الذين يحاولون الحفاظ على الدفء.
في 28 فبراير، أعلنت الحكومة التركية أن أنقرة ستتوقف عن السيطرة على حدودها البرية والبحرية مع أوروبا وفتح المعبر للمهاجرين الراغبين في العبور. وقد بث الإعلان الآمال بين ملايين اللاجئين في تركيا الذين تحطمت أحلامهم في الحياة في أوروبا بعد أن أبرم الاتحاد الأوروبي وتركيا صفقة في أوائل عام 2016 لمنع المهاجرين من دخول أوروبا بشكل غير قانوني.
ظهرت مجموعات WhatsAppوTelegramعلى الفور بعد إعلان الحكومة التركية عن قافلة الأمل التي تسافر من إسطنبول. تمَّ إرسال الخرائط بالتفصيل من أين ستغادر الحافلات الخاصة، وبعضها مستأجر من قبل البلديات المحلية، والبعض الآخر تديره شركات خاصة بأسعار غير منظمة.
في الأيام التالية، سافر آلاف الأشخاص من جميع أنحاء تركيا لتجربة حظهم في حياة جديدة وأكثر استقرارًا. معظمهم من الأفغان، وعشرات من السوريين والإيرانيين والفلسطينيين والمغاربة والباكستانيين والبنجلادشيين والمهاجرين من مختلف دول شرق إفريقيا.
بحلول نهاية يوم 29 فبراير، تجمع ما بين 2000 و4000 شخص أمام دورية الحدود اليونانية، بينما انتشر آخرون في مجموعات بين الأشجار على الجانب التركي.
فتش عن إدلب
جاء قرار تركيا بفتح حدودها لليونان، وكذلك زميلتها العضو في الاتحاد الأوروبي بلغاريا، بعد مقتل 36 من جنودها في غارة جوية شنها النظام السوري بالقرب من إدلب في 27 فبراير.
انقلاب أردوغان المفاجئ على اتفاق تركيا في 2016 مع أوروبا، هو في حقيقته أداة للضغط على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لدعم التدخل العسكري الأخير لأنقرة في الحرب السورية التي استمرت تسع سنوات.
جاء نشر الجنود في سوريا بعد نداءات متعددة من أنقرة لنظام بشار الأسد للانسحاب من منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تمَّ رسمها بموجب اتفاق “سوتشي” لعام 2018 بين تركيا وروسيا، وجاءت بعد اجتماعات بشأن وقف إطلاق النار بين الأطراف المعنية فشلت مرارًا وتكرارًا.
الواضح من عودة أردوغان للابتزاز عبر ورقة اللاجئين أنه يطالب الاتحاد الأوروبي بالضغط على روسيا حتى لا تتدخل في الحملة العسكرية التي تقوم بها تركيا في شمال سوريا ضد الجيش السوري، وللمساعدة في إنشاء منطقة أمنية في محافظة إدلب حيث يريد الاستقرار للاجئين.
أمَّا الدعم الدبلوماسي الذي قد يقدمه الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، فإن الاتحاد الأوروبي ليس لديه الكثير للمساهمة فيه. إن فرض عقوبات إضافية على روسيا هو سيف ذو حدين يمكن أن يضر بالاقتصاد الأوروبي أيضًا، ولم يقم الاتحاد الأوروبي نفسه بصياغة سياسة متفق عليها بشأن التدخل التركي في سوريا.
كما أن تقارير عن قيام القوات التركية بإساءة معاملة سكان المنطقة الكردية التي استولوا عليها هذا العام، وكذلك انتهاكات حقوق الإنسان داخل تركيا، تمنع أيضًا الأوروبيين من اتخاذ موقف لا لبس فيه من المؤيدين لتركيا.
إن دفع أردوغان اللاجئين نحو أوروبا على وقع التطورات الميدانية الجارية في إدلب، يأتي لتحقيق مجموعة من الأهداف في إطار سياسة الابتزاز التي يمارسها في قضية اللاجئين، فإلى جانب سعيه للحصول على المزيد من الأموال من أوروبا، نجد الرئيس التركي يبحث عن موقف أوروبي وأطلسي داعم له بعد هزيمته في المواجهة العسكرية ضد روسيا في إدلب.
مآسي اللاجئين على الحدود
في حين أن الخطوة قد تساعد موقف أردوغان التفاوضي، إلا أنها لا تساعد المهاجرين. على الرغم من أن حدود تركيا غير مفتوحة، فإن الأخبار بالإعلام التركي تخدع اللاجئين الذين يحاولون السفر إلى أوروبا، لأن اليونان صمدت في منع أي دخول جديد.
رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” كتب على (تويتر) أنه “لن يتم التسامح مع أي دخول غير قانوني إلى اليونان”، ونشر شرطة مكافحة الشغب والجيش على الحدود مع تركيا، الذين أطلقوا بعد ذلك الغاز المسيل للدموع على آلاف اللاجئين، بمن فيهم النساء والأطفال، الذين وصلوا على البوابة.
اللاجئون الذين حاولوا دخول اليونان كانوا متحمسين جدًا لسماع أي أخبار تمَّ نشرها من الاتحاد الأوروبي بشأن فتح الحدود. أمضى اللاجئون الليل تحت المطر، الجو بارد، والأطفال مرضى، وهم بحاجة للطعام. اللاجئون بحاجة إلى الذهاب إلى اليونان بسبب نقص العمل في تركيا ونقص التأمين الصحي. شوهد ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص في الكراسي المتحركة، بما في ذلك الأطفال، في الحشد أمام بوابة الحدود مع اليونان، وقوبلوا بأسلاك شائكة.
قام عدد قليل من الأشخاص بالتحدث باللغة الإنجليزية وتوجيه النساء والأطفال ليقتربوا من بوابة الحدود حتى يتمكنوا من التفاوض مع الحرس اليوناني للسماح لهم بالدخول. أحد اللاجئين الذي عمل كمفاوض مع حارس يوناني طلب إحضار أي مسؤول من الأمم المتحدة ليرى بشكل مباشر ما يحدث على الحدود مع أوروبا. كانت هناك حالة فزع من الظروف التي يعانيها النساء والأطفال وهم ينامون على الحدود. المشهد خطير وربَّما مميت.
اللاجئون عبروا عن استيائهم الشديد من الخدعة التي تعرضوا لها من قبل تركيا. أحد اللاجئين من بنجلاديش عبَّر عن ذلك: “قالوا إن الحدود مفتوحة، لكن لماذا يقول الرئيس التركي ذلك إذا كانت مغلقة من قبل الجانب اليوناني؟” وقال اللاجئ الذي عاش عامين في تركيا: “سأنتظر هنا حتى يفتحوا الحدود”.
وبينما شوهد بعض الأشخاص يعودون إلى تركيا من الحدود بعد أن كانوا هناك لـ24 ساعة ولم يروا أي حظ في العبور، قال آخرون إنهم لا يملكون المال لدفع ثمن الحافلات إلى منازلهم. وقال علي مهد، 16 سنة من أفغانستان، إنه دفع 200 ليرة تركية (حوالي 32 دولارًا) مقابل ذهابه بحافلة من الحدود إلى إسطنبول.
قال “مهد” في إشارة إلى الغاز المسيل للدموع: “نحاول الدخول، ويطلق اليونانيون النار علينا، وقد يموت الناس”. وأكد اليونانيون أنهم سيستخدمون الطلقات الحية. لاجئ سوري من حلب أضاف: “علينا أن ننتظر هنا، كل أموال الناس قد نفدت”. وأضاف: “أن لا أحد في تركيا سوف يمنحه عملاً وأن كل ما يريده اللاجئون هو مستقبل بدون حرب”.
بينما بدأ اللاجئون بجمع الحطب في بعد منتصف النهار استعدادًا لدرجات الحرارة تحت الصفر المتوقعة على الحدود، قامت مجموعات الإغاثة المختلفة بتوزيع الحد الأدنى من الطعام.
وصل المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئينفي وقت لاحق، طالبًا بشكل منظم من اللاجئين أن يقفوا في طابور طويل انتظارًا لتسليم علب صغيرة من الطعام. وبينما كان الناس يركضون لجمع أي حصص غذائية يمكنهم الحصول عليها، أصبح من الواضح أن نقص الغذاء سيصبح مشكلة خطيرة قريبًا.
يخيم آلاف المهاجرين في العراء، وينصبون ملاجئ من أي شيء يمكنهم العثور عليه بما في ذلك البلاستيك الذي تمَّ جمعه من قطع الأراضي الزراعية القريبة.
أردوغان يواصل كذبه
على الرغم من الوضع المأسوي للاجئين على الحدود، فإن العروض التلفزيونية للرئيس التركي والتصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية سليمان صويلو، استمرت معلنة أن عدد المهاجرين الذين يغادرون البلاد عبر المعبر البري الشمالي إلى اليونان وصل إلى 117.677.
هذا الرقم مثير للقلق، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد أي مكان قريب من هذا العدد من اللاجئين حتى على الحدود والسلطات اليونانية لا تسمح لأحد بالدخول. الحد الأقصى المطلق للاجئين على الحدود مع اليونان لم يكن أكثر من 4000، مع انتشار الكثير على الأراضي التركية في انتظار اليونان لفتح السياج الشائك لعبورهم.
تصريحات أردوغان الكاذبة عن معدل النجاح الذي يتم بثه في الإعلام التركي، خدع اللاجئين وجعلهم يواصلون التوجه إلى الحدود، حيث يواجهون ظروفًا بائسة بدلاً من حرية أوروبا التي يبحثون عنها. حتى أن قناة TRT العربية المدعومة من الحكومة التركية أصدرت خريطة لأوروبا، تسلط الضوء على الطرق المختلفة التي يمكن اتخاذها للوصول إلى فرنسا، وهو إنجاز يبدو مستحيلاً في الوقت الحالي.
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أكد أن الأرقام التي يعلنها أردوغان ونظامه وإعلامه مضللة، لأن اليونان مصممة على عدم السماح لأي مهاجر بالدخول. المجلس أكد أن استخدام اللاجئين كرهينة يضر بشكل أكبر بصورة تركيا وعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. المجلس انتقد أيضًا قيام تركيا بدعوة المزيد من اللاجئين من الحدود الشرقية، ولا سيَّما من أفغانستان على أساس فكرة أن تركيا هي الآن بوابة إلى أوروبا.
أردوغان يسرق اللاجئين
كجزء من اتفاقية اللاجئين الموقعة في عام 2016، تلقت تركيا مخصصات بقيمة 6 مليارات يورو لدفع 72 مشروعًا، مثل بناء المدارس والعيادات الصحية، وكذلك للمساعدة الإنسانية التي تقدمها تركيا للاجئين. لمصلحتها، تقول تركيا إن الاتحاد الأوروبي لم يحول بعد جميع الأموال التي وعدت بها في اتفاقية اللاجئين. إضافة إلى ذلك، ونظرًا لتغير الظروف، مع تزايد عدد اللاجئين منذ عام 2016، فإنه يطالب الاتحاد الأوروبي بزيادة مساعدته بمقدار 3 مليارات يورو إضافية.
رافق طلب أردوغان تلميحًا للتهديد لبضعة أسابيع – تهديد موجود الآن في العلن – أنه بدون هذه المساعدة الإضافية لن تتمكن تركيا من الاستمرار في تمويل إقامة اللاجئين، وبالتأكيد لن تقبل أي لاجئين جدد.
ولدى الحكومة التركية أسبابها لتوريط أوروبا. لطالما جادلت أنقرة في أن اتفاق 2016 مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفقات المهاجرين إلى أوروبا لم يتم دعمه. وبينما أغلقت تركيا حدودها مقابل تعويض مالي لإيواء الملايين من اللاجئين، فإن الاتحاد الأوروبي لم يقبل حصته في توطين المهاجرين في دوله الأعضاء.
ومع ذلك، تعتقد أوروبا أن الإجراء الحالي الذي اتخذته تركيا يعدُّ انتهاكًا لاتفاق عام 2016. وبينما صرح المتحدث باسم المفوضية الأوروبية “بيتر ستانو” للصحافة في 28 فبراير في بروكسل، أن الاتفاقية لا تزال قائمة وأن الأوروبيين “يتوقعون أن تلتزم تركيا بتعهداتها”، أعلنت اليونان أنها ستتوقف عن قبول طلبات اللجوء لشهر واحد. وعلى المدى الطويل، تواجه تركيا خطر زيادة تعكير صفو علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بسبب هذا النوع من التهديدات.
لكن هناك نقطة مهمة جدًا يغفلها أردوغان وإعلامه، تتمثل في انعدام الشفافية حول الطريقة التي استخدمت بها تركيا تمويل المساعدات الأوروبية.
قال أردوغان في خطاباته أنه منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، أنفقت تركيا 40 مليار يورو على دعم واستيعاب اللاجئين السوريين. وأظهر تحقيق أجراه الاقتصادي التركي “مصطفى سونمز”، نُشر على موقع “المونيتور” في نوفمبر 2019، أن هذه الأرقام مبالغ فيها جدًا، وعلى الأقل ليس لديهم تفسير مقنع وراءها.
على سبيل المثال، يقتبس “سونمز” تقريرًا أصدره مكتب الرئيس التركي في عام 2017، يقول إن تركيا أنفقت حوالي 7.2 مليار دولار على اللاجئين. ووفقًا لحسابات “سونمز”، يقدر أن الدولة أنفقت حوالي 24 مليار دولار على مساعدة اللاجئين بين 2013 و2019، أي أقل بنحو 16 مليار دولار من المبلغ الذي طالب به أردوغان. ويثير الكشف أيضًا شكوكًا حول كيفية استخدام المساعدة. ووفقًا للبيانات الرسمية، يعيش حوالي 145 ألف لاجئ فقط من أصل 3.7 مليون لاجئ تقريبًا في مخيمات منظمة مع المحاسبة المناسبة وإدارة أموال المساعدات.
وينتشر باقي اللاجئين في جميع أنحاء البلاد ويحاولون إيجاد طريقة لإعالة أنفسهم. ويمكن للمسجلين لدى السلطات التركية الحصول على مساعدة مالية مباشرة، وجزء صغير منهم فقط، حوالي 30 ألفًا لديهم تصاريح عمل في تركيا. ويعتمد الكثير من اللاجئين بشكل أقل على المساعدات وأكثر على التوظيف. ويعمل معظم اللاجئين بدون تصريح مقابل أجور قليلة ويعيشون في ظروف معيشية بائسة.
وتظهر الدراسات التي أجريت حول الأثر الاقتصادي للاجئين في تركيا مدى العبء الذي يشكلونه على البلاد من حيث الحاجة إلى توسيع الخدمات العامة، ونمو البطالة بين المواطنين الأتراك الذين استحوذ اللاجئون على وظائفهم، والصراعات الاجتماعية بين المواطنين واللاجئين.
في غضون ذلك، تظهر هذه الدراسات زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب القوة الشرائية للاجئين، مع افتتاح آلاف الشركات المملوكة بالكامل أو جزئيًا من قبل اللاجئين، بالإضافة إلى مليارات الدولارات التي تلقتها تركيا كمساعدات لهم. وتثير هذه الدراسات تساؤلات حول ادعاءات أردوغان حول مدى العبء الاقتصادي الحقيقي الذي يضعه اللاجئون على البلاد.
يبدو أن أردوغان يستخدم اللاجئين كوسيلة ضغط دبلوماسية في تعاملاته مع أوروبا والولايات المتحدة أكثر من كونهم يمثلون أزمة اقتصادية.
التضحية باللاجئين لإرضاء الناخبين
كثيرًا ما سعى أردوغان إلى تسخير اللاجئين كأداة في سياساته الداخلية والخارجية.
وإن الأعداد المتضخمة للمهاجرين الذين يفترض أنهم غادروا تركيا يخيف مسؤولي الاتحاد الأوروبي ويسعد مجموعة ديموغرافية معينة من الناخبين الأتراك الذين يشعرون بالاستياء من اللاجئين داخل تركيا وغير راضين عن إرسال حكومتهم الجنود للموت داخل سوريا.
وفي الوقت الذي أدى فيه قصف الرئيس السوري بشار الأسد إلى فرار السوريين عبر الحدود التركية بحثًا عن الأمان، فإن حكومة أردوغان ستعرض المواطنة على العرب الذين وافقوا على الاستقرار في المناطق ذات الأغلبية الكردية والسنة الذين سيستقرون في مناطق ذات أغلبية علوية. كان هذا عرضًا لا يستطيع العديد من العرب السوريين الأغنياء رفضه حتى لو كان يعني زيادة التوترات العرقية والطائفية مع جيرانهم الجدد.
كما سعى الرئيس التركي إلى الاستفادة من اللاجئين الذين يمرون بابتزاز أوروبا. ففي عام 2016، هدد أردوغان بفتح الأبواب لبحر من اللاجئين إذا أبطأت أوروبا محادثات انضمام تركيا أو فشلت في تنفيذ السفر بدون تأشيرة.
في الأيام الأخيرة، كرر أردوغان هذه التهديدات وقال إنه “سيفتح أبواب تركيا” ما لم يتلقَ دعمًا أكبر من أوروبا. وانتقدت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” بلطف الأوتوقراطي التركي، وقالت: “من غير المقبول أن يعبر أردوغان وحكومته عن استيائهم على حساب اللاجئين، بدل التعاطي معنا كاتحاد أوروبي”.
معاقبة أردوغان.. بإعادة الأتراك
الابتزاز التركي ما بين الحين والآخر لأوروبا، جعل بعض المفكرين والمحللين يفكرون في كيفية معاقبة تركيا وأردوغان على هذا الابتزاز، بالطريقة التي لا يفهم أردوغان سواها، ألا وهي المصلحة والبرجماتية.
ورغم مسايرة أوروبا لأردوغان في قضية اللاجئين خلال الأعوام الماضية، فإنها هذه المرة مجبرة على اتخاذ رد فعل حاسم تجاه ممارساته الابتزازية وتهديده للأمن وخرقه لاتفاقية بروكسل بشأن اللاجئين السوريين، ومن المتوقع اتخاذ إجراءات عقابية ضده على أرض الواقع.
ولعل من أخطر تلك المقترحات للرد على ابتزاز أردوغان، هو استقبال اللاجئين السوريين وإعادة المهاجرين الأتراك في أوروبا إلى تركيا.
المقترح يرى أنه إذا كان أردوغان يرغب في الاستفادة من اللاجئين، فيجب على أوروبا مقابلته مباشرة. يجب على الزعماء الأوروبيين قبول اللاجئين السوريين، ولكن، بالنسبة لكل شخص يمر عبر الحدود التركية، يجب على الزعماء الأوروبيين إعادة مهاجر تركي واحد.
أوروبا في البداية رحبت بالمهاجرين الأتراك بسبب أزمة الخصوبة في أوروبا. وزاد انخفاض معدلات المواليد وشيخوخة السكان من الحاجة إلى الهجرة من أجل الحفاظ على استمرار الاقتصادات. كان في تركيا العديد من الشباب والشابات غير القادرين على العثور على وظائف جيدة في تركيا، وأنهم على استعداد للقيام بأعمال لا يريدها أي ألماني أو نمساوي أو إسكندنافي.
حصل بعض الأتراك على الجنسية الأوروبية، لكن الكثير منهم لم يحصلوا عليها. كما لم يعتنق جميع المهاجرين الأتراك هوية أوروبية أو يقبلوا الليبرالية الأوروبية. عندما يدعو أردوغان إلى مسيرات انتخابية في المدن الأوروبية، فإنه يؤكد بشكل أساسي أن أولئك الذين يحضرون مسيراته يعتبرون أنفسهم أتراكًا أولاً قبل أن يكونوا مواطني أوروبا. في الواقع، في مسيرة عام 2008 في مدينة كولونيا الألمانية، حذر المهاجرين الأتراك من الاندماج في المجتمعات الأوروبية. وأعلنوا أن “الاستيعاب جريمة ضد الإنسانية”.
يشمل السوريون الباحثون عن الأمن في أوروبا الأطباء والمهندسين والمعلمين. ربَّما لم يكن لدى الشباب السوريين الفرص التي كانت تتمتع بها أجيال ما قبل الحرب الأهلية، لكنهم يسعون إلى تحويل العمل الشاق إلى حياة أفضل. وربَّما هؤلاء هم اللاجئون الذين يجب على أوروبا أن ترحب بهم وأن تفسح المجال لهم من خلال إعادة الأتراك قسرًا إلى تركيا.
بالطبع، لا ينبغي على القادة الأوروبيين إعادة جميع الأتراك إلى وطنهم. لدى الأكراد الاثنيين سبب للخوف من التمييز إذا عادوا إلى تركيا. أيضًا، أتباع الداعية المنفي “فتح الله غولن”، لحسن حظ أوروبا، يميلون إلى الاندماج نظرًا لتركيز الحركة على التعليم. إضافة إلى الأتراك الذين يجدون أنفسهم في أوروبا، لأن علاقاتهم الوثيقة مع الناتو أدت إلى إدراجهم في القائمة السوداء من قبل أردوغان. ومع ذلك، في كل حالة، يميز هذا ببساطة أولئك الذين يقبلون الاستيعاب من أولئك الذين يسعون إلى الاستفادة من أوروبا بينما يرفضون المبادئ الأساسية لليبرالية، وهي سياسة كان ينبغي على القادة الأوروبيين تبنيها قبل الترحيب باللاجئين في المقام الأول.
يرى المقترح أنه إذا كان من الصعب على أردوغان استخدام اللاجئين كخداع سياسي أو دبلوماسي، فإن المساعي الدبلوماسية الأوروبية لن تغير رأي أردوغان الذي يرى أن نظراءه الأوروبيين ضعفاء. ولكن إذا عادت حمولات الباصات وحمولات القوارب وحمولات الطائرات التركية إلى الشاطئ التركي وتوقفت التحويلات النقدية التي يرسلونها، فقد يدرك أردوغان أن سعر الغطرسة يمكن أن يكون أعلى مما يمكن أن تتحمله تركيا.
لا يدرك أردوغان أن أوروبا 2020 تختلف عن أوروبا عام 2013 أو 2016، والمؤكد أن أردوغان لن يحصل على كل هذه الأوهام لعدد كبير من الأسباب أبرزها أن أوروبا في 2020 يتحكم فيها، ولو من بعيد، الأحزاب الشعبوية والمناهضة للهجرة، وخير شاهد على ذلك مطالبة “مارين لوبن” زعيمة التجمع الوطني الفرنسي المعارض وصاحبة أكبر كتلة برلمانية فرنسية في البرلمان الأوروبي بمعاقبة أردوغان.
من المتوقع أن تلجأ الدول الأوروبية إلى تقرير اللجنة الأممية الصادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الذي أدان أردوغان بارتكاب جرائم حرب في الشمال السوري لفرض عقوبات أممية على أنقرة، إضافة إلى إمكانية فرض عقوبات عسكرية أوروبية ودولية نتيجة أفعاله الإجرامية في سوريا وبحق اللاجئين باعتبار أن التصعيد العسكري التركي في سوريا هو السبب الرئيس في زيادة أعداد اللاجئين. ناهيك عن توفير النظام التركي للاجئين وسائل النقل للخروج خارج حدود تركيا، ما يؤكد وجهة النظر الذي تحدث عنها تقرير مؤسسة “راند” الأميركية منذ فترة بأن أردوغان يخشى حدوث انقلاب عسكري ضده، وهو الأمر الوارد حدوثه في ظل سياساته الخارجية الخاطئة، وإنهاك الجيش التركي في الكثير من المعارك دون داع لها.
نتائج
– أوروبا مجبرة على اتخاذ رد فعل حاسم تجاه ابتزاز أردوغان وتهديده لأمنها.
– أوروبا 2020 تختلف عن أوروبا 2013 أو 2016، إذ زادت سطوة الأحزاب الشعبوية والمناهضة للهجرة.
– من الممكن أن تظهر دعوات باستقبال اللاجئين السوريين وإعادة المهاجرين الأتراك في أوروبا.
– قد تفرض عقوبات عسكرية أوروبية ودولية نتيجة أفعال أردوغان الإجرامية في سوريا وبحق اللاجئين.
وحدة الدراسات التركية*
المراجع
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر