سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
منصور الكشفي
أثناء زيارته لمدينة “يزد” بوسط إيران في شهر نوفمبر الماضي، أعلن حسن روحاني، الرئيس المزعوم للجمهورية الإيرانية(IR) ، بفخر في خطاب له أن شركة النفط الوطنية الإيرانية(NIOC) قد اكتشفت حقلاً عملاقًا للنفط به احتياطيات تبلغ 53 مليار برميل في محافظة خوزستان جنوب غربي البلاد. وإذا كان ذلك صحيحًا، فربَّما يكون هذا أكبر اكتشاف للنفط في العالم في عام 2019. وكما ذكر “روحاني”، فإن الاحتياطي من هذا الاكتشاف سيضاف إلى إجمالي ثروات البلاد، الذي يبلغ 150 مليار برميل في الوقت الحالي. وقد أكد أن الخبراء في البلاد تمكنوا من تحقيق هذا الاكتشاف الكبير رغم العقوبات الأميركية. لكنه لم يذكر أي شيء عن تكلفة ومدة تطوير الحقل، أو عناء بيع النفط في الفترة المقبلة، وذلك على افتراض أن هذا الاكتشاف حقيقي.
وبعد فترة وجيزة من تصريحات الرئيس الإيراني، أعلن وزير النفط الإيراني “بيجان زنغانة” عبر موقع الأخبار التابع لوزارة النفط الوطنية الإيرانية (شانا)، أن هذا الاكتشاف الحالي للنفط به احتياطات تصل إلى 22 مليار برميل، وأنه يقع فوق حقل “نامافاران” النفطي الذي اكتشف. لذلك، سيكون إجمالي النفط الموجود في الحقلين 53 مليار برميل. وفي اليوم التالي، قرر حاكم مقاطعة خوزستان، “جولام رضا شريعتي”، أن إنتاج الاكتشاف الجديد سيكون بمعدل 11 مليار برميل، ووفقًا لذلك فإنه سيمثل 20٪ من إجمالي النفط الخام الموجود في محافظة خوزستان.
كيف تبدو هذه المزاعم حقيقية؟
لا يمكن أن تكون هذه التصريحات المتناقضة الصادرة عن السلطاتالإيرانية صحيحة، حيث لا يؤكدها سوى عدد قليل جدًا من الأدلة الموضوعية. ثم إن إعلان وزير النفط الإيراني بشكل خاص يحتاج بالتأكيد إلى بعض التوضيح. إذ يتوقع أن تكون تلك التصريحات دقيقة تقنيًا، لكنها من الناحية العملية فإن الأمر يختلف كثيرًا. ولا يمكن لشركات النفط وضع كميات المضاربة من النفط تحت الأرض أو الغاز في ميزانياتها العمومية.
بالإضافة إلى ذلك، من المستحيل جيولوجيًا التوصل إلى المقدار الصحيح للزيت في أي خزان فقط عن طريق حفر بئر استكشافية في حالة عدم وجود أية تقييمات وتطوير للبئر الجديدة. فضلاً عن سماكة الصخور الموجودة في هذا الخزان وتمديداته الجانبية ومساميته ونفاذه غير المعروف أيضًا. لذلك، فإلى أن يتم إجراء تقييم دقيق لكمية النفط في الخزان، وكذلك كمية النفط التي يمكن استعادتها بواسطة التكنولوجيا الحالية والأدوات المتاحة لصناعة النفط الإيرانية، ينبغي لإيران أن تلتزم بالمعايير الدولية التي يفترض أن ترتبط بعوامل الاسترداد في البئر الجديدة في ظل ظروف مماثلة تبلغ نحو ثلث كمية النفط في البئر.
ومن ثَمَّ، يمكن – على أحسن الأحوال – استرداد حوالي 18 مليار برميل من النفط من خلال هذا الاكتشاف المشكوك فيه بالأساس. لأن ذلك سيستغرق بضع سنوات على الأقل في عملية حفر بعض الآبار للعثور على أبعاد الخزان الجديد، إلى جانب قدر كبير من المال والأعمال الفنية الأخرى، قبل أن تتمكنإيران من تحقيق ما تطالب به اليوم. لكن المؤكد أن الغرض من هذه الادعاءات هو بث الأمل في مستقبل واعد بين الإيرانيين الذين يعيشون حاليًا حالة تضخم كبيرة وركود اقتصادي كبير.
إن هذا الاكتشاف يذكرنا بنظيره الذي تمَّ اكتشافه في نهاية القرن الماضي عندما أعلنت شركة النفط الوطنية الإيرانية بحماس شديد أن حقل نفط (أعيد تسميته فيما بعد باسم حقل أزاديجان النفطي)ـ قد تمَّ اكتشافه بالقرب من الحدود مع العراق، وأنه كان يحتوي على أكثر من 25 مليار برميل من النفط الخام. لكن بعد بضع سنوات من العمل في هذا الخزان، أُعلِن أنه يحتوي فقط على حوالي 6 مليارات برميل من النفط القابل للاسترداد. وفي السنوات اللاحقة، أقرت شركة النفط الوطنية الإيرانية(NIOC) وقبلت رسميًا مشاركة حقل “أزاديجان” النفطي مع العراق بـ37 مليار برميل من احتياطي النفط. ومع ذلك، فوفقًا لشركة النفط الوطنية الإيرانية، لا يزال حقل “أزاديجان” النفطي قيد التطوير، ويبدو أن الحصة الإيرانية تتغير كلما تمت معالجة المشكلة.
من المفهوم أن إنتاجية أي بئر نفطية جديدة تعتمد بشكل أساسٍ على عمقها وقد يستغرق الأمر الكثير من الوقت والمال ليتحول إلى مصدر للدخل. هنا ينبغي أن يفهم الرئيس الإيراني ومسؤولو شركة النفط الوطنية أن النفط الموجود تحت الأرض أيًّا كانت كميته، فإنه يعتبر عديم الفائدة حتى يتمكنوا من استخراجه وإتاحته للعملاء. إضافة إلى ذلك، تشير العديد من التقارير إلى أن هذا الخام المكتشف حديثًا في مقاطعة خوزستان من النوع الثقيل الذي عادة ما يكون مكلفًا جدًا ويستغرق وقتًا طويلاً في معالجته.
ومع ذلك، فنظرًا لعدم وجود إدارة شفافة وضعف التطوير التكنولوجي الحالي والاستثمارات الخارجية على مدار سنوات عديدة، فإن صناعة النفط الإيرانية تبدو في حالة تدهور واسع النطاق مع أضرار كبيرة للخزانات. وقد أدى إهمال الصيانة المنتظمة لحقول النفط، التي ألقى الاتحاد الدولي باللوم فيها على العقوبات، إلى مزيد من الضرر لخزانات النفط والغاز.
الفساد والوعود الكاذبة
يجب أن يعترف الرئيس ووزارة صناعة النفط في جمهورية إيران أنه على الرغم من احتياطيات إيران الضخمة من الهيدروكربونات، فإن البلاد تكافح لسنوات عديدة من أجل تلبية احتياجاتها المحلية من الوقود. بالطبع، تعرف إيران أسباب ذلك، وهو ما يعدُّ في حد ذاته جزءًا من المشكلة. إذ يستشري الفساد في النظام الحاكم كله، وهو بالتأكيد الأمر الأبرز في شركة النفط والغاز، التي تعدُّ المصدر الأكبر للدخل في البلاد.فعلى سبيل المثال، يعدُّ الفساد المستشري على نطاق واسع في صناعة النفط والغاز بالبلاد عاملاً رئيسيًا في تهريب الوقود إلى البلدان المجاورة، وهو ما يبدو متفشيًا جدًا، بل إنه يحدث يوميًا. فعلى الرغم من أنها تبدو كعملية سطو مصغرة، فإنه في ظل دولة دكتاتورية مثل إيران، لا يمكن لأحد أن يسلم النفط الخام والبنزين وغيرهما من المنتجات بواسطة ناقلات على بعد مئات الأميال من الحدود القريبة من العراق وتركيا وباكستان وأفغانستان دون أن تلاحظ ذلك السلطات. فقد أوردت وزارة النفط الإيرانية في الموقع التابع لها (شانا) في مارس الماضي أنه: “على الرغم من الصعوبات الناجمة عن التحدي الاقتصادي والعقوبات ضد إيران، فقد استخدمت وزارة النفط كل الوسائل المتاحة لوقف الفساد وتكرار سرقة عائدات النفط التي كانت شائعة في الماضي”.
إضافة إلى ذلك، فقد جرت مساءلة بإحدى القضايا الكبرى في البلاد، والتي اتهم فيها 13 شخصًا باختلاس 7.4 مليار دولار في واحدة من أكبر قضايا السطو في البلاد. ووفقًا لوكالة أنباء الجمهورية الإيرانية، فإن معظم المدعى عليهم في هذه المحاكمة كانوا رؤساء تنفيذيين لمنتجي ومصدري البتروكيماويات في البلاد.
بالطبع، مثل هذه المحاكمات التي تجري في كثير من الأحيان في تلك الأيام، إنما هي – بلا شك – قضايا ملفقة من قبلالسلطات الإيرانية لتضليل الجمهور ردًا على تصاعد الغضب الشعبي حول مستويات الفساد من قِبَل وكلاء الحكم.
وفي الوقت نفسه، ذكر صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في شهر أكتوبر الماضي أن “من بين الصادرات الرئيسية لإيران، من المتوقع أن يتقلص النفط أكثر من 9.5% حتى نهاية عام 2019”. إضافة إلى ذلك، ذكر البنك الدولي أن الاقتصاد الإيراني يزداد سوءًا وسوف يتقلص بنسبة 8.7% عام 2020. وقد أصدر المرشد الأعلى في إيران، وكذلك الرئيس “روحاني”، بيانات تتضمن تحديًا لهذه التقارير، يسعون من خلالها لاستبدال عائدات النفط بمصادر أخرى، إذ يدّعون أنه بإمكان البلاد تحمل أي العقوبات الأميركية. وبوجه عام، فقد شكلت إيرادات النفط حوالي 80٪ من ميزانية الحكومة الإيرانية خلال السنوات الأربعين الماضية.
ويعتاد وزير النفط “بيجان زنغانة” على تقديم شخصيات غير متناسقة ومختلقة كلما تحدث عن صناعة النفط الإيرانية. فغالبًا ما كان يصدر وعودًا كاذبة حول اكتشافات وإنتاج النفط والغاز في البلاد، وكذلك الثروات المتاحة من البتروكيماويات، ومصافي النفط الجديدة. ففي عام 2018، ذكر أن إجمالي إنتاج الغاز في البلاد بلغ 841 مليون متر مكعب في اليوم، لكن (أوبك) قدرت ذلك الرقم بـ650 مليون متر مكعب في اليوم. ووفقًا لما ذكرته “وود ماكنزي”، وهي مجموعة أبحاث واستشارات في مجال الطاقة، فقد بلغ إنتاج الغاز في إيران نحو 635 مليون متر مكعب في اليوم على أقصى التقديرات في عام 2018، وقد بلغت التقديرات الصادرة عن شركة “بريتيش بتروليوم” BPنحو 615 مليون متر مكعب في اليوم لنفس الفترة.
لا شك أن الوعود الكاذبة والتفاؤل المفرط ليسا شيئًا جديدًا في نظام الحكم الإيراني، خاصة فيما يتعلق بصناعة النفط. فمنذ عقدٍ من الزمان، وفي نوفمبر 2009، أعلن وزير النفط الإيراني السابق “رستم قاسمي” عن توقيع عقد مع شركة “سينوبك” الصينية لبناء خمس مصافٍ جديدة. ووفقًا لـ(شانا) في ذلك الوقت، أعلن قاسمي أن “بناء هذه المصافي سيزيد إجمالي طاقة تكرير النفط في البلاد من 1.65 مليون برميل في اليوم في الوقت الحالي إلى 3.5 مليون برميل يوميًا؛ ما يعني أنه ستسمح مصافي التكرير للبلاد ليس فقط بالوفاء بالاحتياجات المحلية، ولكن أيضًا بالقدرة على تصدير كميات كبيرة من المنتجات المكررة”. ومع ذلك، لم يتم إنجاز أي شيء من هذه الصفقة حتى الآن.
وكمثال آخر، ووفقًا لمجموعة(أو سي جي) العاملةفي الأبحاث، ففي مايو 2012 زعمت إيران أنها اكتشفت ما يصل إلى 10 مليارات برميل من النفط في بحر قزوين، لكن “تمَّ الكشف عن تفاصيل قليلة”. إذ نقل عدد من التقارير الصحفية المختلفة من داخل إيران أن شركة الاستكشاف والإنتاج أعلنت عن اكتشاف للنفط على عمق 7800 قدمًا تحت سطح البحر لكنها كانت بشكل غير محدد. بالتأكيد ليس لدى الجمهورية الإيرانية تصريح من جانب موسكو التي تسيطر على أكبر نسبة من بحر قزوين لحفر بئرها الاستكشافية الأولى. لذلك، كما هو الحال في الوقت الراهن، فإن إنتاج النفط في بحر قزوين لا يزال حلمًا بعيد المنال. ففي سياق مشابه، وفي مقابلة مع وكالة أنباء “نوفوستي” الروسية في شهر يوليو 2012، قال وزير النفط الإيرانيإنه سيتم الانتهاء من مرحلتين من حقل غاز جنوب بارس، بقدرة إنتاجية متوقعة تبلغ 250 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وذلك بحلول 21 مارس 2014. لكن، كالمعتاد، لم يكن هناك أي إجراء، بل كانت كلها مجرد وعود كاذبة.
بجانب ذلك، هناك أمثلة إضافية نُشرت توضح الطبيعة الفاسدة المزمنة التي تعاني منها صناعة النفط والغاز في إيران. فقد وافقت شركة “توتال” الفرنسية في عام 2013 على دفع غرامة قدرها 398.2 مليون دولار لتسوية قضية قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة بناءً على تهم وجِّهت إليها من لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ووزارة العدل بدفع رشوة لمسؤولين في الشركات الإيرانية. فوفقًا للوثائق التي عُرِضَت على المحكمة، فقد دفعت شركات الوساطة التابعة لشركة “توتال” في عام 1995 رشوة قدرها 16 مليون دولار لمسؤولي وزارة النفط الإيرانية للحصول على عقد لتطوير حقول النفط والغاز في الخليج العربي. ففي عام 1997، وبعد عدة أشهر من تعيين “بيجان زنغانة”، تمَّ تعيين وزير النفط الإيراني الحالي في منصبه من قِبَل الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، حيث دخلت شركة “توتال” في تعاقدات مماثلة مع وزارة النفط. لكن هذه المرة، دفع وسطاء الشركة 44 مليون دولار رشوة لعقد لتطوير مرحلتين من حقل غاز جنوب فارس. فقد حصلت الشركة على 40٪ من الفائدة في تلك المراحل من حقل غاز جنوب فارس. وفي حالة أخرى، وخلال فترة ولاية “بيجان زنغانة” كوزير للنفط، أقرت شركة “شتات أويل” النرويجية في عام 2006 بدفع رشاوى في عامي 2002 و 2003 لمسؤولي وزارة النفط لتأمين عقد لتطوير جزء من حقل غاز جنوب فارس. وقد دفعت الشركة غرامات في الولايات المتحدة والنرويج بلغ مجموعها 21 مليون دولار للتوقيع على اتفاق مؤجل لمدة 3 سنوات.
محنة الشعب الإيراني
أعلنت الجمهورية الإيرانية في شهر نوفمبر الماضي ارتفاع الأسعار بحوالي 50% للبنزين، مما أثار احتجاجات متفرقة في جميع أنحاء البلاد. وبالطبع، قدم المسؤولون على الفور وعودًا بأن يتم استخدام العائدات من تلك الزيادات في مساعدة الأسر المحتاجة. وفي الوقت نفسه، أعلن رئيس منظمة الخطة والميزانية في الجمهورية الإيرانية رسميًا أن عائدات زيادة أسعار البنزين بنسبة 50% ستستخدم لتمويل إعانات إضافية لـ18 مليون أسرة، أو حوالي 60 مليون شخص (حسب التلفزيون الحكومي الإيراني).
ومع ذلك، وبعد مقتل المئات، فضلاً عن إصابة واعتقال الآلاف من المتظاهرين، سيطرت قوات الأمن الإيرانية على الشوارع في جميع أنحاء البلاد وبدأت فيما فعلوه على مدار الأربعين عامًا الماضية. وبدلاً من الاهتمام بحالة المواطنين الذين يعانون من سوء التغذية والأمراض والعاطلين عن العمل، فقد التزم الجيش الإيراني بتعزيز وضع الحرس الثوري بالميزانيات العسكرية، وإنفاق موارد البلاد على دعم الإرهاب الدولي. لذلك، فعلى افتراض أن اكتشافات النفط الجديدة والمذكورة أعلاه في مقاطعة خوزستان صحيحة، فإن الأمة الإيرانية لن تستفيد – للأسف – أبدًا بغض النظر عن مقدار الزيادة في الإيرادات الناجمة عنه.
الجمهورية الإيرانية ما هي إلا منظمة إرهابية، تعمل يوميًا على زعزعة استقرار الدول المجاورة من خلال الدعم المالي للجماعات المسلحة في لبنان والعراق وسوريا وغزة.
وتسعى جاهدة لتوسيع نفوذها في شرق آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية. بينما يُجبر الشعب الإيراني في الداخل على مواجهة الزيادة الحادة في الأسعار والمزيد من الانهيار في قيمة عملتهم. كما يعيش حوالي 80% من سكان في البلاد تحت خط الفقر ويكافحون من أجل توفير الاحتياجات الأساسية. ولسوء الحظ، فقد أدت هذه المأساة إلى زيادة معدلات الجوع وسوء التغذية والأمراض المختلفة (بما في ذلك مشاكل الصحة العقلية) والسرقة، والاتجار بالمخدرات وإدمانها، والدعارة، والانتحار.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر