بناء السمعة الرقمية للدولة.. قصة نجاح إستونيا وكوستاريكا | مركز سمت للدراسات

بناء السمعة الرقمية للدولة.. قصة نجاح إستونيا وكوستاريكا

التاريخ والوقت : الأحد, 19 يناير 2020

إيمان المطيري

 

ترتبط العديد من الحملات التسويقية التي تقودها الدول بعائد على الاستثمار في (السياحة والاستثمار الأجنبي)، ولكن هذا جزء فقط من العلامة الوطنية، فالعلامة الوطنية أشمل من ذلك.

وهناك أربعة عناصر أساسية في استراتيجية العلامة الوطنية الناجحة طبقتها إستونيا وكوستاريكا نستعرضها في السلسلة التالية:

1- استراتيجية العلامة الوطنية القائمة على فكرة مركزية أولاً. فهذان البلدان أرادا إدارة سمعتهما وإقامة تصور محدد: حيث أرادت إستونيا أن يُنظر إليها كمجتمع رقمي وكوستاريكا كنموذج عالمي.وتوفر هذه الفكرة المركزية الأساس لاستراتيجية متماسكة ومتسقة وواقعية قادرة على هيكلة العلامة الوطنية كلها، وأن تكون جميع الإجراءات والأنشطة والتدابير والسياسات تتوافق مع هذا المفهوم، مما يجعل من الممكن تغيير التصورات وإدارة سمعتها.

2- الهيكل التنظيمي الصحيح يوجد في إستونيا Enterprise Estonia، أمَّا كوستاريكا ففيها Essential Costa Rica، وكلاهما هياكل تنظيمية تمَّ إنشاؤها من الصفر بغرض وحيد هو إدارة العلامة الوطنية.وتتألف هذه من فرق رسمية ومرنة وغير حزبية ومستقلة قادرة على البقاء على الرغم من التغييرات السياسية والحكومية والحفاظ على الاستراتيجية، وتعمل دائمًا بالتعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين وجميع الكيانات المعنية.

3- وضع مؤشرات الأداء الرئيسية وعمليات القياس، حيث يراقب البلدان إجراءات وسياسات العلامة الوطنية للبلاد ويقيسان النتائج، وهي عملية لها تأثير مباشر على نجاح استراتيجياتها، وإذا كان لا يمكننا معرفة إن كانت تعمل أم لا، فلماذا نقيسها إذن؟

ولدى كل من إستونيا وكوستاريكا أدوات خاصة بالعلامات التجارية الوطنية لضمان المؤشرات الرئيسية وقياس مدى ملاءمة الاستراتيجية من حيث تحقيق الأهداف المحددة.

4- إدارة الهوية الرقمية أخيرًا: حيث تمكنت هاتان الدولتان من تحديد عامل بالغ الأهمية، بالنظر إلى التأثير الذي يمكن أن تحدثه على المكونات المتبقية للعلامة الوطنية للبلد “هويتها الرقمية”. فالعالم غير المادي وعالم الإنترنت مرتبطان ارتباطًا جوهريًا، وأن ما يحدث في أحدهما يؤثر على الآخر.
أمَّا إستونيا، البلد الأكثر رقمية في العالم بعد استعادة استقلالها في عام 1991، فقطعت شوطًا طويلاً للعثور على مكانها على خريطة أوروبا والعالم. على الرغم من احتلال نصف أراضيه بواسطة الغابات والمناطق البرية، إلا أنها عملت بجد لبناء اقتصادها ووضع نفسها كبلد مبتكر وتكنولوجي.

ومن خلال رؤية واضحة للمستقبل كمجتمع رقمي، استثمرت إستونيا بكثافة في البنية التحتية الرقمية، لتصبح أول دولة إلكترونية، وذلك عن طريق إنشاء حلول رقمية لتسهيل الحياة على مواطنيها من خلال برنامج إستونيا الإلكتروني.

وهذا يعني أن 99٪ من الخدمات العامة تتم إدارتها رقميًا ويمكن الوصول إليها عبر الإنترنت، مما يقلل من الروتين في عمليات الدولة. وكان ذلك متزامنًا مع بدء استراتيجية العلامة الوطنية.

إنشاء مؤسسة إستونيا

كفل التزام الحكومة بالمبادرات الرقمية أن ينظر إلىإستونيا على أنها المجتمع الرقمي الأكثر تقدمًا في العالم. وتمَّ إنشاء Enterprise Estonia في عام 2000 كمؤسسة تطلع إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية للعلامة الوطنية من حيث توفير التمويل والتدريب لتشجيع ريادة الأعمال.

وللاستفادة من سمعة البلاد المتنامية في الخبرة الرقمية، قدمت Enterprise Estonia برنامج الإقامة الإلكترونية في عام 2014 لتنمية المجتمع والاقتصاد في إستونيا من خلال دعوة المواطنين الأجانب لفتح أعمالهم في إستونيا.

وأصبحت الهوية الرقمية العابرة للحدود التي ابتكروها، متاحة لأي شخص في العالم، مهتم بإدارة أعمال تجارية عبر الإنترنت، وهذا أتاح لإستونيا أن تبرز بوضوح في الساحة الدولية، مما ولد المزيد من الإيرادات المحلية من خلال شركات رقمية حصرية، وكان مهمًا لبلد لا يتجاوز عدد سكانه 1.3 مليون نسمة.

الأثر العالمي الحقيقي

كل هذه السياسات هي أمثلة على كيف يمكن أن تخلق المبادرات التي تحركها فكرة مركزية واضحة وملموسة، حيث تعدُّ إستونيا أيضًا معيارًا لبلد يعزز هويته الرقمية، بعد أن استثمرت في وجودها الرقمي في وقت مبكر.

إذا حاولت البحث الآن عن Estonia في محرك البحث، فكل ما يظهر سيعكس فكرتها المركزية والتصور الرقمي للبلد ووجهة نظره المقصودة، وهذا التصور يتوافق مع ما هو مهم في العالم الحقيقي.

أدى هذا التطبيق المستمر والمتناسب مع الفكرة المركزية للعلامة الوطنية لإستونيا إلى تغيير وبناء السمعة المناسبة بين الجماهير الداخلية والخارجية. ويظهر ذلك في أداء إستونيا في التصنيفات الدولية المختلفة.

ففي تقرير 2019 من مؤشر المجتمع الرقمي للاقتصاد الرقمي (DESI) – الذي يراقب التقدم الذي أحرزته دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالرقمنة – تحتل إستونيا المرتبة الثامنة بين الدول الأعضاء البالغ عددها 28 دولة وهي واحدة من القادة الأوروبيين عندما يتعلق الأمر بالرقمنة في الخدمات العامة.

بالإضافة إلى ذلك، فهي أفضل دولة مصنفة في 2018 Digital Life Abroad نظرًا لتوفر الخدمات الإدارية والحكومية عبر الإنترنت كما أنها تحتل المرتبة الأولى في مؤشر فريدوم هاوس إنترنت 2018.

ريادة الأعمال وجذب المواهب في إستونيا

إستونيا، هي أسرع البلدان نموًا في أوروبا في السنوات الثلاث الأخيرة، بالنسبة لعمليات البحث المتعلقة بـ”روح المبادرة”، وهي علامة وطنية مرتبطة بوضوح بفكرة إستونيا المركزية.ومع معدل نمو يبلغ 83٪ في الطلب الرقمي، يعدُّ نمو إستونيا أعلى بعشرة أضعاف من معدل النمو في العالم8.7 ٪.

وتعدُّ إستونيا أيضًا واحدة من أسرع الدول الأوروبية نموًا من حيث جذب المواهب، وهو موضوع آخر يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالفكرة المركزية. بعد تنفيذ برامج مثل e-Residency  وغيرها من السياسات التي تتوافق مع الفكرة المركزية للبلد.

كما تعدُّ إستونيا العلامة الوطنية التي حققت ثالث أكبر معدل نمو من حيث عمليات البحث عن العلامات الوطنية في أوروبا. ونجحت الاستراتيجية في مواءمة وتوليف الفكرة المركزية وواقع العلامة الوطنية مع المفاهيم الدولية.

ليست إستونيا هي الأولى في أوروبا من حيث معدل النمو في عمليات البحث عن ريادة الأعمال فقط، ولكنها تمكنت أيضًا من أن تحتل المرتبة السابعة في العالم، متقدمة على بلدان، مثل: هونغ كونغ، وشيلي، والمملكة المتحدة.

كوستاريكا: أكثر بكثير من الطبيعة

تشتهر كوستاريكا بكونها واحة في قلب القارة الأميركية، وهي مشهورة عالميًا بحيواناتها ونباتاتها، فـ25% من أراضيها تغطيها الحدائق والمحميات الطبيعية وملاجئ الحياة البرية، وتضم 5% من التنوع البيولوجي العالمي، مع حوالي 750.000 نوع مختلف من الحشرات والنباتات.

تعدُّ العلاقة الجوهرية بالطبيعة واحدة من أقوى الجوانب في صورة كوستاريكا، ولكن مع تطور استراتيجية العلامة الوطنية، أظهرت هذه المنطقة الواقعة في أميركا الوسطى أنها أكثر من ذلك بكثير.

في البداية، تمَّ بذل كل جهد ممكن لجعل كوستاريكا وجهة سياحية. ومع ذلك، مع هيكلة استراتيجية العلامة الوطنية، كان من الممكن إنشاء نهج أوسع يشمل جذب المواهب، وتشجيع الصادرات وتحسين السمعة العامة من أجل تأسيس تمايز البلاد والمزايا التنافسية على المستوى العالمي.

إدارة العلامة الوطنية بشكل كامل ومستقل

جرى تشكيل لجنة مستقلة من حكومات الولايات، مسؤولة عن إدارة العلامة الوطنية الأساسية لكوستاريكا الريفية، والتي تشمل مهامها: التعاون وإشراك أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص، وكذلك المواطنون أنفسهم.

هذه المنظمة مستقلة عن الحكومات التنفيذية التي تنجح فيما بينها في إدارة الدولة، مما يضمن لها موقفًا غير حزبي ومعفى من النتائج السياسية، على الرغم من أنها تعمل بشكل طبيعي مع الإدارات القائمة.

ساهم التزام سياسات السياحة تجاه البيئة مساهمة إيجابية في تعزيز هوية كوستاريكا، إلى جانب السياسات الرئيسية الأخرى: تعزيز التعليم (معدل معرفة القراءة والكتابة 96٪)، والثقافة (يتم تشجيع جميع الأطفال على تعلم كيفية العزف على آلة موسيقية)، والسلام (هو مقر جامعة الأمم المتحدة للسلام)، والوصول إلى النظام الصحي (الخدمة الوطنية المجانية)، وتطوير الصناعات (تصدير التكنولوجيا والمنتجات الغذائية إلى 157 دولة).

الاستدامة في قلب العلامة الوطنية لكوستاريكا

بالإضافة إلى كونها واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في أمريكا اللاتينية، تعدُّ كوستاريكا واحدة من الدول القليلة في العالم التي ليس لديها جيش، حيث ألغت القوات المسلحة منذ أكثر من 70 عامًا لتخصيص ميزانيتها للتعليم والثقافة.

وهذا هو أحد الأسباب وراء كونها عضوًا رئيسيًا في تحالف الرفاهية، بالإضافة إلى اهتمامها برفاهية ونوعية حياة السكان، وهو ما جعلها الأسعد على مستوى العالم (2019 Happy Planet Index).

وينعكس دور الدولة في حماية الطبيعة والتزامها بمكافحة تغير المناخ في التزام الحكومة بسياسات طموحة تهدف إلى الطاقة الخضراء، حيث يتم توليد 99٪ من الطاقة الكهربائية في الوقت الحالي من خلال الطاقات المتجددة. وتطمح كوستاريكا لأن تصبح أول بلد خالٍ من البلاستيك والكربون في عام 2021.

ويدل هذا على أن جميع البراهين تقودنا الى أن فاعلية استراتيجيات العلامة الوطنية يتزايد لكوستاريكا، مما يوفر دليلاً على كيفية عمل هذه العلامة عندما يتم تنظيمها وتنفيذها بشكل جيد.

وفي نوفمبر 2019 حصلت علامة كوستاريكا الوطنية على جائزة أفضل علامة وطنية للعام “لالتزامها باستراتيجية مستدامة متعددة الأوجه وإيمانها بإمكانية توحيد العلامة الوطنية كلها”.

إضافة إلى ذلك، فإن تطور كوستاريكا في مجال السياحة، ارتفع بشكل كبير من المركز الحادي عشر إلى المركز الإقليمي الخامس منذ عام 2013. ويعود الفضل في هذا الارتفاع إلى زيادة إيرادات السياحة والأداء عبر الإنترنت وكفاءة الاستراتيجية. وحصلت أيضًا على مكانتها في قائمة أفضل 30 عالمًا في البعد التجاري من نفس الترتيب.

 وهذا يوفر دليلاً حيًا على أن الاستدامة يمكن أن تكون محرك الاقتصاد وتوفر عائدًا ماليًا. وهي تحتل حاليًا المرتبة العاشرة في التصنيف الأميركي. وهي أيضًا على شفا الدول الخمسين الأكثر طلبًا للتصدير وأعلى 30 دولة حسب المواهب (العيش والعمل والدراسة).

لكن المقياس الأكثر أهمية لكيفية تأثير استراتيجية العلامة الوطنية في كوستاريكا على الموروث، هو كيفية ارتفاع عمليات البحث بعد تنفيذ سياسات الطاقة المتجددة؛ حيث قفز متوسط النمو في العامين الماضيين 858٪.

وليس من المستغرب أن تنتمي كوستاريكا إلى أكثر عشر دول بحثًا على الإنترنت في جميع أنحاء العالم عن “الطاقة المتجددة”. إذ تمثل الاستدامة البيئية جوهر العلامة الوطنية لكوستاريكا. ومن الواضح أن تنفيذ الاستراتيجية هو بناء سمعة إيجابية ومواءمة التصورات مع الفكرة المركزية.

تطبيق العلامة الوطنية

هناك العديد من حملات التسويق في البلاد التي يمكنها إظهار عائد الاستثمار لجذب السياحة أو لجذب الاستثمار، ولكن هذا مختلف وغير شامل لمفهوم العلامة الوطنية للدولة.

إن ما يربط بين هاتين الدراستين الحاليتين للعلامة الوطنية هو الاتساع والتأثير في تغيير المفاهيم التي تنجم عن وجود فكرة مركزية والهيكل التنظيمي الصحيح لتوفير دعم ثابت لاستراتيجية العلامة الوطنية، ومؤشرات الأداء الرئيسية الواضحة وعمليات القياس، وفهم قوة السمعة الرقمية.

 

كاتبة سعودية، متخصصة في التسويق*

@IHMutairi

المرجع: https://www.citynationplace.com

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر