الصعود الجامح للإنترنت التجاري | مركز سمت للدراسات

الصعود الجامح للإنترنت التجاري

التاريخ والوقت : السبت, 28 ديسمبر 2019

أولينا ميخال تشينكو

 

يشكل الإعلان الرقمي العمود الفقري المعماري والتاريخي للنظام البيئي للبيانات الكبيرة. لقد ارتبطت صناعة الإعلان سابقًا بشكلٍ وثيقٍ بعملية تسويق كبيرة للإنترنت من منتصف التسعينيات إلى أواخرها. كما أن دلالة الإعلان الرقمي على امتصاص المشتركات الرقمية العالمية في عملية تحويل المعدلات الرقمية إلى سلع ذات حصص سوقية، تخضع للمراقبة السلوكية.

من إعلان الشعارات المستهدفة إلى أدوات تتبع العائد على الاستثمار (ROI)، من خلال الدفع لكل نقرة، وحالة التوسط التي يحركها الملف الشخصي، تطورت صناعة الإعلان عبر الإنترنت مع التطور المتزايد بشكلٍ عامٍ في الاستفادة من التعامل مع البيانات وعمليات السمسرة. لذلك، فإن تلك الصناعة تعرض بشكلٍ جيدٍ تطور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة الأخرى مثل إنترنت الأشياء (IoT).

وبالعودة إلى التسعينيات من القرن الماضي، نجد أن تسويق الإنترنت كان في مرحلته الحديثة، ولم يكن هناك أي دليل يذكر على اتجاهاته، في حين كانت هناك بعض الإرهاصات.

فقد طبقت الولايات المتحدة مقاربة إلغاء القيود التنظيمية، مما دفع إلى التكامل الواسع النطاق لخدمات الأجهزة والبرامج من خلال شروط السوق. إذ أدت زيادة عرض النطاق الترددي، وانتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وتنويع البرامج جميعها إلى ازدهار الإنترنت بأواخر التسعينيات.
ومع ذلك، قاومت هذه العملية التسويقية مجتمع منتجي المحتوى الذين رأوا في الإنترنت منصة لا مركزية للاتصالات العالمية. وفي الواقع، فإن المنصات مفتوحة المصدر التي شكلت العمود الفقري لبروتوكولات الإنترنت والتصفح الأساسية في ذلك الوقت، تمثل قوة معارضة قوية للنموذج القائم على الملكية الذي تتبناه شركات الإنترنت الناشئة.

وبالانطلاق نحو الأمام لمدة 20 سنة، يبدو من الواضح أن الإنترنت اليوم يتم في إطار آليات السوق.

إن ما بدأ كحلم مفتوح المصدر لإنتاج الأقران القائم على المشتركات الشائعة بين الناس، أصبح غارقًا في الواقع. وبالنسبة إلى بعض المتفائلين، كانت ثورة الاتصالات فرصة لفصل السياسة عن المصالح الخاصة، وإنشاء نموذج إنتاجٍ جديدٍ لا يعتمد على فائض الاستخراج، وخفض التكلفة الهامشية إلى الصفر تقريبًا.

ومع ذلك، فإن الأسس التي يقوم عليها الإنترنت تفرض على الشركات أن تكون ذكية في مجال إنتاجها للقيمة. والمفتاح الحقيقي هو تطبيق نموذج أعمال مماثل للنموذج الموجود في القطاعات الإعلامية الأخرى.

ومثلما حققت الصحف والبث الفضائي الجزء الأكبر من إيراداتها عن طريق بيع الإعلانات للمشاهدين، أدرك رواد صناعة الإنترنت الرقمية الناشئة، أن البيانات هي مفتاح الربح. وما من طريقة أفضل لتوصيل المعلنين بالمستهلكين من تقديم خدمة مجانية على الواجهة الأمامية مع استخراج القيمة من خلال تحليلات البيانات ومعالجة الخوارزميات في النهاية الخلفية.

لقد غيّرت شركة جوجل Google إلى الأبد تاريخ الإنترنت في عام 2000 عندما قدمت برنامج “أدوورد” AdWords، وهو أول نظام لتقديم عروض أسعار الكلمات الرئيسية على الإنترنت. وبالخروج من نموذج أعمالها السابق، ارتفع إجمالي إيرادات الشركة في ذلك العام، واستمرت إيراداتها الإجمالية من هذا البرنامج في التزايد عامًا تلو الآخر.

لقد أصبح الإنترنت أساسًا لطريقة تفكيرنا وإدراك العالم، والتعرف على صعوبات الحياة ومواجهتها. ومع ذلك، فإن شكلها التجاري الدقيق جعل من السهل التعامل مع خياراتنا والتأثير على قراراتنا. وبمجرد غلقها في مكانها، يصعب تغيير هياكل الحوافز في السوق من الخارج؛ وهو ما يعني أنه على الرغم من أن لدينا حريات هائلة في حياتنا بسبب التواصل، فإننا لسنا أحرارًا في تغيير هيكل الاقتصاد السياسي بشكل جماعي.

سلعة بأي اسم آخر؟

إن فكرة أن البيانات هي النفط الجديد، يتم التعبير عنها بشكلٍ شائعٍ في أوساط الرأي العام. ومع ذلك، فإن هذا المنظور يسيء لفهم كيفية استخدام الشركات فعليًا للبيانات، وكيف يعمل الاقتصاد المعلوماتي القائم على الخدمات.

وكمنتج نهائي، يمكن استخدام النفط في أي مكان. فيمكنه تزويد السيارات والطائرات والمعدات الصناعية والسفن والمركبات العسكرية. أمَّا البيانات، فليست لديها مثل هذه الأداة العالمية. وفي المقابل، يجب أن تكون مجموعات البيانات مصممة خصيصى للصيغة الخوارزمية التي تعالجها. حيث تصبح تلك الصيغة التي تنهي المهام بنجاح مع مجموعة من البيانات، عديمة الفائدة مع مجموعة أخرى.

ومن الأهمية أن نسلط الضوء على هذا التمييز والتفرد، وذلك لأسباب اقتصادية. فالبيانات الشخصية ليست سوى بيانات شخصية، وأيًّا كانت عملية التدوير التي تمر بها، فهي متداخلة بشكلٍ وثيقٍ مع الموضوع الذي تخرج عنه. لذلك، ففي حين أن ربط العمل (في الأجور) خلال القرن التاسع عشر كان مرتبطًا بظهور الإنتاج الصناعي الضخم، نجد أنه في القرن الحادي والعشرين، أصبحت سلعة البيانات الشخصية وقودًا جديدًا للاقتصادات من خلال الانتشار الواسع للإعلانات الرقمية والتسويق المباشر. وكمواضيع للبيانات، تتبع قابلية التنبؤ السلوكي لأنماط نشاطنا على الإنترنت. ويتبع نشاطنا عبر الإنترنت الخوارزميات والخدمات والأنظمة الأساسية والمحتوى الذي يشكل الأساس المادي للإنترنت.

نرى ما تعرفه

إن الخوارزميات التي نريد رؤيتها تلقي صيغًا ونماذج صُمِّمَت خصيصى بالنسبة لنا. وإذا كانت الحداثة الاقتصادية تبدو كقفصٍ حديديٍ عتيدٍ، فإن كل ما نشهده اليوم يبدو بمنزلة غرفة صدى رقمية. فإذا لم يتم قفلنا ومعالجتنا، توجب علينا جميعًا إعادة تقييم علاقتنا بالبيانات التي نتنازل عنها، وأن نكون أكثر تثقيفًا حول كيفية عمل الخوارزميات الرقمية، وأن نصبح أكثر مسؤولية في كيفية تعاملنا مع مستقبلنا الرقمي.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: آسيا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر