عنف أسري واعتداءات جنسية.. المرأة التركية على خط المواجهة | مركز سمت للدراسات

عنف أسري واعتداءات جنسية.. المرأة التركية على خط المواجهة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 22 أكتوبر 2019

بات جليًا أن تركيا دولة تقمع حريات أبنائها على جميع الصُعد. فالصحافة عندما تتراجع، تتراجع الحريات، ويصبح السجن مصير كل معارض. وعندما تنتهك الحقوق، ويتم تغييب القانون وتتحكم الاعتبارات الشخصية في إصدار الأحكام، فأنت أمام نظام حكم غير مسؤول. وعندما تتعرض النساء لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد، فأنت في دولة تحولت إلى سجن كبير للحريات. وإن كانت قبضة أردوغان قد طالت جميع الأتراك، فالمرأة التركية – أيضًا – لم تسلم منها، إذ تعاني تمييزًا سلبيًا ولا تحصل على حقوقها مقارنة بالرجال، وهو ما يتضح مما قاله أردوغان في خطاب له قبل عامين حين وصف النساء اللاتي لسن أمهات بـ”الناقصات”؛ وذلك على الرغم من كونه قد حثَّ من قبلُ الأمهات على إنجاب ثلاثة أطفال على الأقل، واعتبر تنظيم النسل “خيانة”.

التمييز ضد النساء التركيات وامتداد العنف الذي يواجهنه، دفعهن لتنظيم احتجاجات في الأيام الماضية، إذ نزل ألفا شخص تقريبًا إلى شوارع إسطنبول في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، مرددين هتافات “أوقفوا قتل النساء”،(1)و”لا تتفرجوا على هذا العنف، افعلوا شيئًا لوقفه”، وذلك عقب أيام من إلغاء الحكومة مشروع قانون يسقط الإدانة عن مغتصبي قاصرات إذا ما تزوجوا ضحاياهم،ومحاكمة رجل متّهم بقتل طليقته طعنًا بالسكين على مرأى من ابنتهما في جريمة هزَّت مشاعر البلد بعد تداول مشاهد منها على نطاق واسع(2)،وهو ما يثير أسئلة استفهام عدة حول حماية القوانين التركية للنساء.

ويبدو أن الحكومة التي سحبت مشروعًا ينص على إلغاء أحكام الإدانة والعقوبات الصادرة بحق بعض مرتكبي الاعتداءات الجنسية على قاصرات في حال تزوجوا ضحاياهم، تواجه أرقامًا “صادمة” بحق نسائها، إذ تظهر الأرقام أن تركيا قد شهدت في الفترة ما بين 2012 و2016 مقتل 1160 امرأة.

 وخلال الأشهر الثمانية الأخيرة قتلت 284 امرأة في تركيا، 40 منهن في شهر أغسطس وحده، كما قتلت 440 امرأة خلال عام 2018، وذلك جراء العنف ضدهن.(3)

اعتداءات جنسية متزايدة وأرقام صادمة

يبدو أن الأرقام المشيرة للاعتداءات الجنسية في تركيا قد زادت بصورة صادمة، فتركيا التي تتشدق بالقوانين والحريات، زادت الاعتداءات الجنسية بها بنسبة 37% وذلك خلال عام.2018

 وحسب مواقع تركية، فإن جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي سجلت ارتفاعًا خلال السنوات الـ6 الأخيرة بمعدل 6%، وفقًا لتقرير أعده حزب الشعب الجمهوري، جاء فيه أن جرائم الاعتداء الجنسي زادت خلال عام 2018 لتصل إلى 32 اعتداءً جنسيًا في الأسبوع الواحد، وهي أرقام ومؤشرات لا يسعنا وصفها إلا بأنها “صادمة”.

بيد أنه من الواضح أن تركيا تعاني في الآونة الأخيرة من ارتفاع جرائم الاعتداء بحق الأطفال والنساء، في ظل قوانين لا تتعامل بالحدة اللازمة مع مثل تلك الجرائم، وهو ما نستدل عليه مما أكده تقرير المجلس الأوروبي أن “27% من النساء التركيات يتعرضن للمراقبة والتتبع والتحرش الجنسي مرة واحدة على الأقل على مدار حياتهم، ليس هذا وحسب،فإنه هناك نحو%40 من النساء الأتراك يتعرضن لعنف بدني أو أسري من شريك حياتهن”(4).

أسباب عدة تفسِّر تفاقم تلك الظاهرة “المخزية”، ويمكننا إجمالها في:

*   عدم وجود قوانين لحماية النساء من الاعتداءات الجنسية والعنف الأسري، بالطبع سبب رئيسي في ازدياد معانتهن، فضلاً عن عدم وجود قوانين رادعة لمعاقبة الجناة للحد من الظاهرة، ويمكننا إرجاع ذلك إلى القوانين – المتراخية – التي تصدرها الجهات التشريعية في البرلمان التركي ذات الأغلبية لحزب العدالة والتنمية الإخواني.

*  المجلس الأوروبي قد حذر في تقريره – العام الماضي- الحكومة التركية من ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة، وطالب باتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات الأكثر فاعلية، إلا أن صناع القرار في تركيا يبدو أنهم لم يعيروا الأمر انتباهًا حتى انقلب السحر على الساحر.

 * الاحتجاجات النسائية في تركيا، حمَّلت حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان المسؤولية الكاملة في التراخي والعجز عن مواجهة الظاهرة، التي تتفاقم بشكل لافت، وهو ما أظهرته تقارير إعلامية. فمن الواضح أن تغاضي السلطات عن الظاهرة وعدم التصدي لجرائم الاعتداء ضد المرأة، هو السبب الرئيس وراء انتشار واستفحال هذه الظاهرة.(5)

*  القانون يمنح للقضاة سلطات واسعة وصلاحيات تجعل في يدهم قرار تخفيض العقوبات والتهاون بها ضد مرتكبي جرائم العنف ضد المرأة. فعلى الرغم من أن تركيا من أوائل الدول التي وقّعت على اتفاقية إسطنبول، والتي تهدف إلى منع العنف ضد المرأة، في عام 2011، والتي دخلت حيّز التنفيذ في عام 2014، فإن ذلك لم ينعكس على تنفيذ القوانين بشكل صارم، وما زالت الأحكام القضائية غير رادعة، إذ تمنح القوانين صلاحيات واسعة لتخفيض الأحكام القضائية بحق المجرمين من قبل القضاة بحجج عدة، من بينها حسن سلوك الجاني، ووقوعه تحت تأثير الاستفزاز، والعواطف الشديدة وغيرها.(6)

تمييز واضح ضد النساء

وفقًا لما سبق، يمكننا الاستدلال على أن النساء التركيات يتعرضن لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد داخل تركيا وخارجها، فبجانب ازدياد ظاهرة الاعتداءات الجنسية وازدياد ضحاياها، تتعرض نساء الأقليات والنساء الناشطات في مجال المجتمع المدني وحقوق الإنسان خاصة للاضطهاد والعنف أيضًا. فيبدو أن المرأة التركية تحصل على النصيب الأكبر من الانتهاكات الواسعة في ملف حقوق الإنسان.

إذ تعرَّض عدد من النساء التركيات لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد بعد مسرحية أحداث يوليو 2016 والانقلاب الفاشل، حيث قامت حكومة العدالة والتنمية التركية في أعقاب الأحداث باعتقال عشرات الآلاف من النساء، (بلغ 18 ألف امرأة)، شملت كل فئات المجتمع من ربات بيوت إلى صحفيات ومعلمات وأكاديميات وطبيبات ومهنيات وسيدات أعمال. بيد أنه:

 *من الواضح أن المرأة التركية تعاني من التمييز على جميع الصُعد. فإذا نظرنا إلى مؤشر عدم المساواة بين الجنسين، فسنجد أن تركيا تحتل المركز 130 من أصل 144 بلدًا، فهذا المؤشر يستند إلى مدى إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية، والتعليم، والتمكين السياسي والاقتصادي.

 *من المعروف أن حقيقة عدم امتلاك النساء الحرية الاقتصادية، هي واحدة من الأسباب الرئيسية لعدم تمكنهن من التخلص من العنف في حياتهن. إنهن يجبرن على البقاء مع أزواج عنيفين لأنهن معتمدات اقتصاديًا عليهم.(7)

*في الوقت ذاته تظل عمالة المرأة في تركيا ضمن أسوأ النسب، وقد تفاقمت بسبب انتشار الأمية بين الفتيات، حيث تتسرب واحدة من كل ثماني فتيات من المدرسة بسبب مشروع زواج تقليدي في سن مبكرة.

نتائج 

ازدياد العنف ضد المرأة وازدياد الاعتداءات الجنسية لا شك أنه ينذر بعواقب وخيمة، وسيفضي إلى انقلاب السحر على الساحر. فأردوغان المتشدق بالحريات والقوانين التي يتخذها كذريعة للتدخل في شؤون جيرانه، تتراخى حكومته عن حماية النساء وإصدار قوانين رادعة لمحاكمة الجناة، بل يلجأ القضاء لتخفيض العقوبات على الجناة مستندًا إلى حجج واهية، وهذا من المتوقع أن يؤدي إلى:

 *ازدياد الاحتجاجات النسوية والمظاهرات في الشوارع التركية، خاصة بعد ارتفاع نسب الاعتداءات على النساء، ولا سيَّما بعد حادثة “أمينة بولوت”، التي ماتت طعنًا بسكين من قبل زوجها إثر شجار بينهما حصل في مقهى في مدينة كيريكالي في وسط البلاد.

*  مواجهة الحكومة للاحتجاجات بالعنف سيشعلها بدلاً من إخمادها. فالحكومة التركية تتعامل مع “حملات لا للعنف” بأساليب عنيفة مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع.

 * تفاقم الاعتداءات الجنسية والعنف ضد المرأة – بالطبع – سيؤدي إلى ازدياد الوعي بهذه القضية، فضلاً عن أنه سيعكس كذلك رغبة ملحة لدى المرأة التركية في تحقيق مزيد من الحرية والاستقلالية.

 * من الواضح أن البرلمان التركي لا يريد إلزام حكومة العدالة والتنمية بضمان حماية المرأة من العنف، فغالبيته قد صوتت ضد مشروع قانون لتجريم العنف ضد المرأة. ومن هنا يبدو أن رغبة أعضاء البرلمان التركي في استمرار إخضاع المرأة وقهرها وإسكاتها وقمع حريتها، هي السبب الرئيسي وراء ذلك.(8)

*  الثغرات القانونية وفشل الأمن والنيابة العامة والقضاة في إنفاذ القانون وردع الجناة، يجعل نظام الحماية غير معلوم النتيجة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم العنف والتمييز ضد النساء.

 * أردوغان يتعرض بشكل مستمر للانتقاد، من قبل منظمات نسائية اتهمته بالتقاعس عن الحديث علانية عن العنف الأسري، وذلك لقوله إنه لا يؤمن بالمساواة بين الجنسَين. وبتفاقم أزمة الاعتداءات الجنسية يبدو أنه سيتعرض للمزيد والمزيد من الانتقادات.(9)

وحدة الدراسات التركية*

المراجع 

  • تظاهرة نسوية في إسطنبول احتجاجًا على العنف ضد المرأة، روسيا اليوم.
  • جريمة هزت الشارع التركي.. بدء محاكمة قاتل طليقته أمام ابنتهما، إرم نيوز.
  • تركيا: مظاهرة في إسطنبول احتجاجًا على العنف ضد النساء، فرانس24.
  • دراسة: 400 امرأة قتلت بسبب العنف الأسرى بتركيا.. وارتفاع نسبة الاعتداءات الجنسية لـ37%، اليوم السابع.
  • مظاهرات نسائية في تركيا تحرج أردوغان.. تنديد بالاعتداءات الجنسية والعنف الأسري، صوت الأمة.
  • زيادة 75% في عهد أردوغان.. العنف ضد المرأة يفجر احتجاجات نسوية بتركيا، الوطن.
  • “تقليد تركي”بخصوص النساء يعيق تقدم البلاد، بي بي سي عربي.
  • إذلال نساء تركيا.. البرلمان يرفض قانون حماية المرأة من العنف، عثمانلي.
  • العنف ضد المرأة واقع مأساوي يتفاقم في الحياة التركية، أحوال تركية.

http://bit.ly/2OMCJmh

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر