الدور التركي في الصراع الليبي والعدوان على سوريا | مركز سمت للدراسات

الدور التركي في الصراع الليبي والعدوان على سوريا

التاريخ والوقت : الأربعاء, 16 أكتوبر 2019

 

لا يختلف اثنان على حقيقة الدعم التركي للجماعات الإرهابية في العديد من مناطق الشرق الأوسط، فعقلية النظام التركي يبدو أنها تخرج عن العرف الأخلاقي في التعامل مع الملفات الدولية، وهو ما اتضح في التسرع في العلاقة مع دول الجوار العربية والإسلامية، والتسرع في التدخل في شؤون الدول مثل سوريا والعراق وليبيا.

فما فعله أردوغان في سوريا خير دليل على ذلك، إذ أعلن عبر “تويتر” أن “القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري باشرا عملية “نبع السلام” في شمال سوريا”، والتي نتج عنها عدة مظاهر للخراب والدمار في سوريا، إذ لقي 228 من المقاتلين الأكراد حتفهم، في أول يوم من العدوان التركي على الشمال السوري. كما قصفت القوات التركية مدينة القامشلي، وهو ما أسفر عن إصابة العديد من المدنيين والعسكريين، ويبدو أن العدوان التركي قد سرت عدواه إلى مناطق وقرى حدودية، حيث قتل اثنان من المدنيين، أحدهما طفل رضيع للاجئ سوري.

وهو ما دفع الأعضاء الخمسة الأوروبيون في مجلس الأمن الدولي في بيان لهم لمطالبة تركيا بوقف عملها العسكري الأحادي الجانب” في سوريا، وذلك إثر اجتماع طارئ ومغلق.(1)

وعلى الجانب الآخر.. باتت ليبيا تواجه أكبر حرب طائرات مسيَّرة في العالم بفعل التدخل التركي، وهو ما نستدل عليه من حديث المبعوث الأممي، غسان سلامة، الذي قال “إن ليبيا على الأرجح أكبر مسرح لحرب الطائرات المسيرة في العالم”، وكما جاء أيضًا في تقرير “الغارديان” البريطانية بأن الحرب الجوية قد تصاعدت في ليبيا.

فالطائرات المسيرة – التي تعدُّ من أسلحة الجبل الثالث للحروب بالعالم – أصبحت تجوب سماء ليبيا بعد الدعم التركي لميليشيات طرابلس بهذا النوع من الطائرات، في محاولة لإحداث نقلة نوعية وعرقلة مسار معركة الجيش الوطني الليبي لتحرير العاصمة طرابلس من ميليشيات الإسلام السياسي المدعومة قطريًا وتركيًا.(2)

والمتابع للموقف سيجد أن الدعم التركي للميليشيات المسلحة في ليبيا قد جاهر به أردوغان نفسه أكثر من مرة، فدخول أردوغان على خط المعركة في طرابلس لم يكن عبر تصريحات وتهديدات بالتدخل فقط، بل قال إن بلاده “ستُسخر إمكاناتها كافة، وستقف بحزم لمنع تقدم الجيش نحو العاصمة طرابلس”.

فلا مناص من كون تركيا بحاجة لمحاسبة ووقفة حقيقية دولية، فلو كان هناك محاسبة حقيقية لها على دعمها للإرهاب، ومحاسبة للنظام التركي الذي يحتل جزءًا من سوريا، ويتدخل في ليبيا وغيرها لما فعلت هذا.(3)

مصالح تركية

من المعروف أن المصالح من أهم الأسباب التي ترسم تحركات السياسة الدولية، فتركيا تهدف من وراء عمليتها في سوريا إلى إضعاف الأكراد والقضاء عليهم، وإقامة منطقة عازلة – كما تزعم – خاصة بعد تدمير عدة مدن كردية عام 2016، بيد أن أنقرة تريد مواصلة مشروعها الاستعماري في سوريا، فضلاً عن السيطرة على التنظيمات الإرهابية لتسخيرها لخدمتها، خاصة مع دعهما لما يسمى بـ”الجيش السوري الحر”، الذي أصبح معتمدًا على الفصائل المتطرفة. وتهدف أيضًا إلى تحقيق الحلم العثماني القديم باحتلال سوريا.(4)

والمصالح أيضاً هي الدافع الأساسي وراء التدخل التركي في الشأن الليبي،وجعلت أنقرة تعمل على دعم “حكومة السراج” التي تخوض حربًا أهلية ضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده الجنرال خليفة حفتر.

ولعل المصالح الاقتصادية لأنقرة هي دافع أساسي ومحرك رئيسي لها على التدخل في الشؤون الليبية. فليبيا بلد غني بالنفط وبمخزونات الغاز، ويتاخم طرقًا تجارية هامة في البحر المتوسط، وهو ما جعله – بعد فقدانه للاستقرار- مطمعًا للفاعلين الدوليين، ومنهم تركيا، التي بدأت أخيرًا في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الشرقية من البحر المتوسط. وهو قرار نجد أنه يحمل بين طياته قوة نزاع كبير، خاصة أن الاتحاد الأوروبي قد اعتبر تلك الأنشطة غير قانونية. ليس هذا وحسب، فالتجارة أيضًا هي أحد أهم الأسباب وراء تدخل أنقرة في ليبيا، فمنذ حقبة القذافي كانت الكثير من الشركات التركية تعمل في تركيا.(5)

والمتابع للموقف سيجد أن المصالح الاقتصادية ليست وحدها المحرك لأنقرة،فمن المعروف أن هناك مشروع إسلام سياسي للإخوان – المدعومين من تركيا – في المنطقة كلها، بمنطقة شمال إفريقيا التي تشمل تونس وليبيا

ومصر، فبفشل الجماعة في مصر وتونس باتت ليبيا هي الرهان الأخير.(6)

تحركات تركية ودعم للإرهابيين

أردوغان يدعم الإرهاب والجماعات الإرهابية.. جملة باتت واضحة، والدلائل عليها “موجودة”، فأردوغان يستخدم الـ”دواعش” ويمولهم في تنفيذ مخططاته في المنطقة. وهنا يمكننا القول إن أحد الأهداف – غير المعلنة – من وراء التحرك التركي في سوريا هوتحرير الـ”دواعش” المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية، الذين يعملون لحساب أردوغان في المنطقة عامة، وسوريا خاصة. فعدد مقاتلي تنظيم “داعش” في سوريا يبلغ نحو 18 ألف مقاتل. ويبدو أن أردوغان يطمح من عمليته التي يطلق عليها” نبع السلام” في شمال البلاد بزوغهم من جديد، وانطلاق عملياتهم في محافظتي الرقة، والحسكة، وعودة تنظيمات العنف والتطرف في منطقة شرق الفرات.(7)

وعلى الجانب الاخر.. في خضم المعركة المحتدمة التي يشنها الجيش الوطني الليبي على الميليشيات الإرهابية في طرابلس، ومع اقتراب الحسم بفرار أغلب تلك الميليشيات ودحرها في أكثر من منطقة بالعاصمة، قررت حكومة الوفاق “الإخوانية” الاستغاثة بحليفتها في أنقرة التي لا تتوانى في دعم فلولها ممن ينتمون للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، ويسعون مسعى حثيثًا لتحقيق مصالحهم على الأراضي الليبية.

ولعل الأدوار التي تلعبها أنقرة في ليبيا كثيرة، فهي من ناحية لم تكتفِ باحتضان المتطرفين، وفتح أبواب أنقرة على مصراعيها أمامهم، بل إنها تتدخل بشكل “يمثل خطورة على البلاد”، وهو ما نستدل عليه من حديث المتحدث باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري،(8)وهذا ما سنعرضه في النقاط التالية:

* تركيا استغلت الأوضاع الأمنية في ليبيا ونقلت عناصر إرهابية من (جبهة النصرة) في سوريا إلى جبهات القتال في العاصمة طرابلس لمواجهة الجيش الوطني وذلك لتحقيق مصالحها وأغراضها.

* فيما يتعلق بالجانب التدريبي، نجد أن تركيا قامت بتدريب أكثر من 9500 إرهابي في ليبيا منذ 2011، تمَّ إرسالهم فيما بعد إلى سوريا، وهو ما كشفه المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري. بيد أن أنقرة قد اضطلعت بمهمة تدريب مجموعة من العناصر التابعة للميليشيات على الأسلحة النوعية والمعدات والمدرعات، إذ تمَّ تدريب دفعة على الصواريخ الموجهة في يونيو، وهو ما يمكننا تفسيره بأن تركيا تعدُّ من الدول التي تنتج صناعات عسكرية، وبالتالي باتت الأراضي الليبية ميدانًا لاختبار الصناعة التركية الأكثر حداثة.(9)

* دليل مادي آخر على الدعم التركي، هو الطائرات المسيرة التي باتت تجوب سماء ليبيا بعد الدعم التركي لميليشيات طرابلس. وهنا يمكننا القول إن تلك الخطوة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية وعرقلة مسار معركة الجيش الوطني الليبي لتحرير العاصمة طرابلس.

* يبدو أن تركيا لم تكتفِ بتقديم الطائرات المسيرة فقط، بل وصل دعمها بتوجيه ضباط أتراك ووجود هوائيات وغرف تحكم في مطار معيتيقة، وذلك بهدف ضرب خطوط الإمداد وتحركات الأفراد على خطوط محاور القتال.

* دليل مضاف آخر على الدعم التركي للميليشيات في ليبيا، نستدل عليه من ضبط عدة شحنات عسكرية تركية خلال الأشهر الأخيرة، وما يؤكد ذلك ضبط السلطات اليونانية السفينة “أندروميدا” المتجهة من تركيا إلى مدينة مصراتة غرب ليبيا في يناير 2018، والتي كانت تحمل على متنها شحنة مواد متفجرة، بالإضافة إلى ما أعلنته مصلحة الجمارك بمدينة مصراتة عن ضبط 556 كرتونة من الأسلحة التركية، بواقع أكثر من 20 ألف مسدس، بحاوية تحتوي على بعض المواد المنزلية وألعاب الأطفال.

* تركيا أرسلت أيضًا مجموعة من الشحنات العسكرية إلى الموانئ الليبية، إذ تمَّ رصد وصول السفينة “أمازون” إلى ميناء “طرابلس” قادمة من “ميناء سامسون” التركي يوم 18 مايو الماضي، وتحمل على متنها نحو 60 مدرعة إلى جانب البنادق والذخائر والصواريخ.(10)

* يبدو الدعم التركي لميليشيات الوفاق لم يتوقف عند الجانب العسكري فقط، بل وصل الأمر لفتح مستشفياتها لعلاج جرحى الوفاق في معركة طرابلس؛ إذ استقبلت إسطنبول عشرات الحالات الطارئة لتلقي العلاج اللازم، وفقًا لجهاز الإسعاف في طرابلس خلال الفترة الماضية.(11)

نتائج محتملة واستشراف مستقبلي

الدعم التركي للجماعات الإرهابية بات جليًا وواضحًا للعيان، فضلاً عن كون المصالح والأهداف هي من تحركه. فلا شك أن التدخل التركي في سوريا وليبيا سيزيد من تأجيج الصراع ويجعل حلم حل الأزمة صعب المنال. فأنقرة لها هدف من وراء استمرار القتال في الجبهتين.

فكما ذكرنا آنفًا، فإن ليبيا باتت حقل تجارب للأسلحة التركية الجديدة، وتحلم تركيا بالاستحواذ على نفطها وغازها. وهي تسعى أيضًا لاستعادة حلم قديم بالسيطرة على سوريا. لذا، فإن التدخل التركي في سوريا سينتج عنه المزيد من الدمار والخراب، وهو ما سنتناوله في النقاط الآتية:

* الاعتداء التركي سيساعد على دعم الجماعات الإرهابية كتنظيم “داعش” و”هيئة تحرير الشام” بسوريا، وتحويل شمال سوريا إلى حرب مفتوحة تساعد على تنامي وتفريخ الجماعات الإرهابية.

* لا شك أن الاعتداء التركي على الأراضي السورية أيضًا سيفتح الباب على مصراعيه أمام هروب عناصر تنظيم “داعش” من قبضة “قوات سوريا الديمقراطية”.

* الاعتداء التركي بالطبع سيساعد أيضًا على تنامي قوة تنظيم “القاعدة” الممثل في تنظيم “حراس الدين” المتورط في إراقة دماء المدنيين السوريين خلال العامين الماضيين.

* يبدو أنالاعتداء التركي قد كشف أيضًا عن وَهْم ادعاء نظام أردوغان بدعمه لقضايا العالم الإسلامي، فجميع ادعاءاته السابقة وخطاباته الرنانة اتضح أنها كانت تهدف إلى كسب شعبية موهومة، كما أنها ليست سوى أداة يخترعها لاستقطاب جماعات تساعده على تنفيذ أجندته.

ومع استمرار تشابك الأطراف وتعقد المشهد الليبي يصبح التنبؤ بالمستقبل ليس بالشيء السهل. فمن المؤكد أن الدعم التركي للجماعات الإرهابية المسلحة سيصب في مصلحة زيادة تشابك المشهد وتعقيد الأمر، فضلاً عن إطالة أمد الصراع وصعوبة الوصول لحل، وإغراء العديد من الأطراف والفواعل الدولية الأخرى للدخول كطرف في المشهد. لذا، فإن استمرار التدخل التركي في الشأن الليبي من خلال دعم الميليشيات المسلحة سيؤدي إلى عدة أشياء:

* لم يعد خافيًا على أحد أن ساحة الصراع في ليبيا ما هي إلا امتداد لصراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية، نقلت خلافاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى أرض جديدة بعد أن كانت الأراضي السورية هي مسرح تلك الصراعات. فلا شك أن التدخل التركي سيزيد من حدة الصراع هناك ويغري عدة أطراف أخرى للانخراط فيه.

* تعدد أطراف النزاع في ليبيا وتشابك المشهد أحد الأسباب القوية التي أدت إلى فشل مجلس الأمن في الوصول لقرار بإدانة هجوم قوات “حفتر” على طرابلس، ليكتفي بالوصول لــ”مشروع بيان”. وهنا يمكننا القول إن التدخل التركي ودعم أنقرة للميليشيات المسلحة أدى إلى تأخر الوصول لحل دولي بشأن الملف الليبي.

* تركيا ستمد حلفاءها بأسلحة تكتيكية مضادة للطائرات، فضلاً عن الأسلحة الهجومية المتطورة والمدفعية الثقيلة، وهو ما يمكن أن ينتج عنه تمكين تلك القوات من التقدم واكتساب مساحات جديدة من الأرض.(12)

مع هذه التدفقات المتوقعة من السلاح التركي، يصعب كثيرًا أن تقف الدول الموالية لـ”حفتر” موقف المتفرج فيما تندحر قواته على الأرض، وهو ما يعني مزيدًا من تدفقات السلاح على القوات التي يقودها “حفتر”، وهو الأمر الذي نرى أنه يرسم سيناريو شديد الكابوسية بشأن مستقبل الأزمة الليبية.

* تدهور الأوضاع في ليبيا، لا شك أنه يوفر بيئة خصبة لتمدد أنشطة التنظيمات الإرهابية الفارّة من سوريا والعراق، ولا سيَّما تنظيم “داعش” الذي يبحث عن إعادة الظهور من جديد في ليبيا بعد دحره.

* تزايد الانغماس التركي في الصراع الليبي من شأنه أن يُعزِّز من حالة الاستقطاب الداخلي للبلاد في ظل إمداد أحد طرفي الصراع بمزيدٍ من الأسلحة والمقاتلين.(13)

* دخول تركيا في المشهد سيعمل على إطالة أمد الصراع ، وبالتالي سيجعل الحل السلمي ضربًا من الخيال.بيد أن ذلك التدخل من شأنه أن يزيد حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي حول ليبيا.

وحدة الدراسات التركية*

المراجع

1- آخر تطورات عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في شمال سوريا، يورو نيوز.

2-ليبيا وطائرات أردوغان المسيّرة، العربية.

3-محلل سياسي: تركيا بحاجة لمحاسبة ووقفة دولية حقيقية، بوابة الفجر.

4-  صحيفة بلجيكية تكشف أهداف أردوغان من غزو سوريا، العين الإخبارية.

http://bit.ly/32dEVqY

5-ما هي مصالح تركيا في الحرب الأهلية بالوكالة في ليبيا؟ دويتش فيله.

6-رئيس المركز الفرنسي لدراسات الإرهاب: تركيا تدير خلايا إرهابية سرية داخل مصر.. والجيش أفلت بذكاء من مخطط استهدافه، الوطن.

7-  داعش والإخوان وشعبية أردوغان.. ما سر غزو تركيا لسوريا؟  العربية.

8-تدخلات تركيا في ليبيا.. مصالح وأخونة، الشرق الأوسط.

9- حرب الطائرات المسيّرة بين الإمارات وتركيا تشتد في ليبيا، يورونيوز.

10-تركيا تدعم الإرهاب في ليبيا بطائرات مُسيَّرة وخبراء وأسلحة، الوطن.

http://bit.ly/339aW3b

11- تركيا.. الملاذ الأخير لـ”إخوان ليبيا”.. عناصر “الإرهابية” يستغيثون بأنقرة لإنقاذهم من الانهيار، البوابة نيوز.

https://bit.ly/30PQnaF

12-تركيا ودعم حكومة الوفاق.. هل تتغير موازين القوى في ليبيا؟ دويتش فيله.

http://bit.ly/2VqVuwP

13-دوافع تصاعد الانخراط التركي في ليبيا، المستقبل للأبحاث والدراسات.

http://bit.ly/30VR0iK

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر