سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نيك ويتاني
توقفت جلسات الاستماع التي كان مخطط لها بشأن الاستماع للمفوضين الجدد المعينين في الاتحاد الأوروبي بسبب الرفض غير المتوقع من قِبَل لجنة الشؤون القانونية بالبرلمان الأوروبي للمرشحين من رومانيا والمجر، وهو ما قد يمثل مصدرًا للقلق لـ”سيلفي جولارد”، مسؤولة المفوضية المعينة للسوق الداخلي، بالنظر إلى التحقيق في المدفوعات المقدمة للمساعدين الذين ما زالوا مقيدين بها منذ أن أصبحت من بين أعضاء البرلمان الأوروبي، حيث استقالت من منصبها كوزيرة للدفاع الفرنسي في عام 2017.
ولحسن الحظ، فإن “جولارد” ذات شخصية معروفة وتحظى بالاحترام على نطاق واسع، كما أنها مؤهلة بشكلٍ جيدٍ في وظيفتها المعينة لها، بالإضافة إلى أن لديها عضوية طويلة الأجل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. لذا، فمن المأمول أن تكون سمعتها طيبة، حيث ستركز بشكلٍ خاصٍ على ما تعتزم القيام به مع مسؤوليات وظيفتها الجديدة في صناعات الدفاع والفضاء، التي ستدعمها بعلامة تجارية جديدة، من خلال عملها في المديرية العامة. لقد ضغطت اللجنة الأوروبية تحت قيادة “جان كلود جونكر” بقوة على إدراجها في أعمال الدفاع، حيث كانت تسعى تاريخيًا للحفاظ على الحكومات الوطنية. وكان الهدف الرئيس للمفوضية هو إنشاء صندوق الدفاع الأوروبي، الذي تمَّ تصميمه لتحفيز البحث والتطوير من خلال تقديم دعم بقيمة 13 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي. وقد رشحت “أورسولا فون دير لين”، ومن بعده “جونكر” محملة برسالة مهمة إلى “جولارد” من وزير دفاع سابق إلى آخر، وعلى ذلك يتضح أنها تنوي في التقدم بهذه العملية وإلى جعل اللجنة تنخرط أكثر فأكثر في الأمور الأساسية لما يطلق عليه “فون دير” (اتحاد الدفاع الأوروبي).
لقد حظيت الحاجة إلى تكامل دفاعي أوروبي أوثق في إطار حشد الجهود والموارد الوطنية، بقدر كبير من الحكمة على مدار عقود من الزمن، ولكن مع وجود قليل من الأمور المخيبة للآمال حتى تظهر للعلن. وبالتالي، فإن قضية “المزيد من أجل أوروبا” في هذا المجال، سواء كانت قائمة على الضرورات الصناعية، أو على الحاجة العسكرية، أو حتى لتجنب إهدار أموال دافعي الضرائب، كانت تعدُّ أشبه بحالة اجتياحٍ ساحقة. أمَّا الآن، فإن ذلك يتعزز مع تدهور البيئة الأمنية الدولية وتناقص مصداقية ضمان الأمن الأميركي. ومع ذلك، فقد حاولت الحكومات الوطنية أن تبرز نفسها في وضع ملائكي. فقد فضلوا الإذعان باستمرار إلى المصالح الوطنية الخاصة، وخدمة أغراضهم السياسية المحلية عن طريق إنفاق أموال الدفاع للأغراض الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، ألا ينبغي لنا أن نرحب باستعداد المفوضية “الجيوسياسية” لتولي دور أكثر بروزًا؟
ربَّما يبدو الأمر جيدًا، لكن لا يزال هناك خطر حقيقي من أن تبالغ المفوضية الجديدة في تقدير قوتها أو تغيير خطابها، فسياسة العصا والجزرة لا تزال موجودة. وبالتأكيد، فإن محاولات تجاوز حماية الأسواق الوطنية من خلال التنظيمات القائمة في عام 2009 قد مُنِيَت بالفشل، حيث اعتمدت الحكومات الوطنية ببساطة على استثناءات “الأمن القومي” في المعاهدات لمواصلة إبرام عقود الدفاع مع الموردين الوطنيين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة قد جاءت بنتائجٍ عكسيةٍ، لأنها دفعت نحو خطة سابقة واعدة لإقناع وزارات الدفاع بالمشاركة في عمليات شراء متبادلة عبر الحدود ليس بسبب الإكراه القانوني، بل لأنهم استفادوا من ذلك. أمَّا بالنسبة لقضايا الجُزر الجديدة، فإن الحكومات وهيئات الصناعة المختلفة، ستقوم بالطبع بالانتظار من أجل الحصول على أموال مجانية من صندوق الدفاع الأوروبي، لكن هل يستخدمونها في أي شيء آخر غير ما خططوا له؟ على أي حال سيظل هذا هو السؤال الماثل في الأذهان.
تنطوي مساعي المفوضية الجديدة للدفاع على خطر أن يُصَور مجهود الدفاع الأوروبي برمَّته على أنه أقل ارتباطًا بالشواغل الدفاعية الحقيقية، كما أنه يتعلق بدرجة أكبر بالشواغل التقليدية للمفوضية في الاقتصاد والصناعة. وقد رأينا هذا بالفعل في الموضوعات التي فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيرًا فيما يتعلق بالحمائية الدفاعية الأوروبية. إذ بات من المتعين على الأوروبيين أن يقللوا اعتمادهم الدفاعي على الولايات المتحدة في أسرع وقت ممكن. لكن لا فائدة من استعداء الرئيس الأميركي دون داعٍ عندما يبدون غير قادرين على الوقوف على أقدامهم.
إن الاندفاع بحماسةٍ نحو الحربِ يعدُّ هو الخطيئة الحقيقية التي وقعت فيها اللجنة، بل إنها تعتبر الخطيئة الكبرى لأي مؤسسة في بروكسل. ولكن في الحالة الراهنة، فإن الحقيقة الصعبة تكمن في أن النهج التعاوني الشامل الذي يتضمن كافة أصحاب المصلحة المختلفين، مثل الحكومات والصناعة والمؤسسات، سوف يكون لديهم فرصة جيدة لتقديم الحالة النهائية المطلوبة، التي تتمثل في تكنولوجيا دفاع أوروبية مزدهرة، وقاعدة صناعية راسخة.
لا يظهر هذا المعنى في عبارة أو رسالة واضحة لـ”جولارد”. لكن هذا هو المنطق، بل إن هذا الأمر يبدو جيدًا، إذ تكون المفوضة العامة الجديدة لصناعة الدفاع والفضاء تحت قيادة مفوض السوق الداخلي. وعلى أية حال يُفترض أن تمنح الأولوية لـ”فون دير لين” في رسالتها لتتركز على “خلق سوق معدات دفاع أوروبية مفتوحة وتنافسية” ليس مدفوعًا بأيديولوجية السوق الحرة بقدر ما تدرك أن قوى السوق لها دور مهم يلعبه في دفع أوروبا نحو ما يحتاج إليه من قاعدة تعمل على نطاق قاري حقيقي، والهروب من الازدواجية المهدرة نحو التخصص ومراكز التميز، والاصطفاف على جانبي الطلب والعرض في السوق، بالإضافة إلى حماية السيادة الاستراتيجية.
لا يعدُّ هذا طموحًا جديدًا (حتى لو كانت بعض التفاصيل جديدة، حيث تشير رسالة المهمة المكلفة بها إلى دور معزز ومرحب به للجنة في المناطق غير المستهلكة مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء الإلكتروني). فقد تمت المصادقة على الاستراتيجية الضرورية من قبل وزراء الدفاع الوطني قبل أكثر من عشر سنوات. لكنها لم تحرز سوى تقدم ضئيل جدًا لأنها تبدو سياسية بشكل كبير، ولم يقم أي شخص لديه النفوذ السياسي اللازم لدفعه إلى الأمام. كما لم تتم عمليات الدمج الكبيرة في صناعات الدفاع والفضاء الأميركية دون إنذار من وزير الدفاع الأميركي. وبالمثل، فإن إنشاء صناعة دفاعية أوروبية تعمل، بالإضافة إلى تطوير قطاع السيارات، لن يحدث بدون فهم أعلى لمستوى كيفية انتشار الفوائد، بجانب صعوبات الترشيد على المدى القريب.
باختصار، فإن لدى “جولارد” فرصةً لتقديم مساهمة كبيرة في جزء رئيس من جدول أعمال الدفاع الأوروبي. لكنها لن تصل إلى هذا المستوى فقط عن طريق البلطجة أو الرشوة، أيًّا كان ما يقوله لها مستشاروها؛ فالمهمة الموكلة إليها تنطوي على الكثير من أصحاب المصالح الأقوياء، بدءًا بالحكومات الوطنية. وفي مقدمتها أعمال “اللجنة الجيوسياسية”، لذا فإنها ستكون في وضعٍ أفضل من أي شخص آخر منذ فترة طويلة، فيما يتعلق بإحراز تقدم حقيقي في مجال معقد وسياسي بشكلٍ مكثفٍ. لذا، فإن هذه الجلسات تبدو مثيرة للاهتمام والأمل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر