سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نولين هيزر
شرعت رابطة مجموعة جنوب شرق آسيا والمعروفة بـ”آسيان” في البحث عن كيفية تنفيذ خطة العمل الخاصة بالمرأة والسلام والأمن Women, Peace and Security والمعروفة اختصارًا بـ(WPS) في المنطقة. وقد نظَّمت أخيرًا حوارًا افتتاحيًا بين العديد من القطاعات حول قضايا هذه الخطة في المنطقة لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ البيان المشترك الذي تمَّ تبنيه في قمة “الآسيان” الحادية والثلاثين في مانيلا بالفلبين في نوفمبر 2017. وهو ما كان أول إعلان صريح في المنطقة بشأن جدول أعمال خطة العمل الخاصة بالمرأة والسلام.
ويُقرُّ بيان الآسيان بأن السلام والأمن يعدان ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة، كما أنهما مترابطان وضروريان بالنسبة لمستقبل الرابطة. كما أشار البيان صراحة إلى أهمية مشاركة المرأة في القطاعات السياسية والأمنية والعدالة والمشاركة الكاملة للمرأة في عمليات السلام كمفاوضات ووسطاء وأول من يستجيب لمواجهة التطرف العنيف.
يعدُّ قرار مجلس الأمن 1325 (SCR 1325) هو أول إطار عالمي حول المرأة والسلام والأمن؛ ذلك أنه يعالج الطبيعة المتغيرة للصراعات، واستخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب، وفي إطار مشاكل الإقصاء والظلم، كما أنه يفرض مشاركة المرأة في السلام والتنمية.
يقدم قرار مجلس الأمن رقم 1325 الذي يحمل عنوان (المرأة والسلام والأمن) أربع ركائز، هي الوقاية والحماية والمشاركة وبناء السلام والرفاهية للتعامل مع السلام والرخاء الهش.
كما أن هناك إدراكًا متناميًا بأن عمليات السلام الشاملة ستؤدي على الأرجح إلى سلام دائم؛ ذلك أن التأكد من أن الأشخاص المشاركين في صنع السلام الرسمي يمثلون مجموعة أكثر توازنًا يمكن أن تعالج بشكل أفضل المشكلات المجتمعية التي تصاعدت بشكل صراعي، كما يمكنها تحديد المتطلبات المختلفة للتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وعلى مدار نحو عقدين من الزمن، أقر المجتمع الدولي بأن مشاركة المرأة وتأثيرها في مسائل السلام والأمن يعدُّ أمرًا حاسمًا، ليس فقط لضمان احترام حقوق المرأة، ولكن لإدراج النقاشات حول وضع سلمي وعادل للمجتمع من أجل منع وحل النزاعات، والحفاظ على السلام.
إن استبعاد المنظور الجنساني Gender من عمليات السلام والانتعاش يضعف أسس السلام والأمن المستدامين. فجذور الصراع والظلم متعددة الأبعاد، تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ لذلك يجب حل النزاعات وبناء السلام وبناء الدولة في إطار كلي يجمع بين الأمن البشري والتنمية البشرية وحقوق الإنسان.
وتعد حقوق المرأة في الميراث والأرض والصحة والتعليم والعمالة مسألة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتحقيق الانتعاش والحفاظ على السلام. كما تعدُّ معالجة مشكلة العنف الجنسي، بالإضافة إلى التصدي لإشكاليات عدم المساواة الأساسية للنساء والفتيات، أمرًا ذات أهمية بالغة بالنسبة للتحول إلى مستقبل يدعم العدالة، ويعيد الثقة، ويوجه المؤسسات نحو توفير قدر أكبر من الأمن ودعم عمليات إعادة بناء المجتمعات.
ويسمح إدراج نساء من خلفيات متنوعة في عمليات صنع القرار السياسي التي تنقل بلد ما من الحرب إلى السلام بتقديم وجهات نظر مختلفة في المناقشات العامة حول الحكم الخاضع للمساءلة. وباختصار، بما في ذلك النساء، يجعل عمليات السلام أكثر شرعية، كما يحد من احتمالات تأزم الصراع ويساعد على الحفاظ على السلام.
غالبًا ما يتم النظر لمجموعة الآسيان باعتبارها منطقة سلام في عالم مضطرب. ومع ذلك، فإن الصراع والعنف قضيتان تؤثران على كل بلدان الآسيان، وليس فقط تلك التي يُعتقد أنها تمزقها النزاعات. فأفغانستان مثلاً تعاني عنفًا واسع النطاق، لكن بلدان رابطة الآسيان تتأثر بالصراعات دون الوطنية وكذلك العنف الدائر بين الطوائف.
واليوم يوجد أكبر مخيم للاجئين في العالم في بنغلاديش نتيجة لما يعتبر أسرع هجرة جماعية لمسلمي الروهينجا من ولاية راخين في ميانمار وذلك على خلفية العنف والتمييز. وفي كل من إندونيسيا والفلبين وتايلند وكمبوديا ولاوس، تعدُّ النزاعات على الأراضي والموارد الطبيعية من المشكلات الهامة التي تقف خلف الكثير من جرائم العنف.
وقد نجحت بلدان الآسيان في إدارة سباقات وطنية، ولكن في كثير من الأحيان كان ذلك الأمر على حساب عنف محلي واسع النطاق. فالنزاعات دون الوطنية تعد نتيجة لاستراتيجيات بناء الدولة الوطنية التي توطد القوة المركزية على حساب الاعتراف بالتنوع المحلي الهائل داخل بلدان رابطة الآسيان والمناطق المحيطة بها، مما يوفر مجالاً للجوء إلى العنف المسلح كاستراتيجية سياسية واقتصادية لمعالجة المشكلات.
وكثيرًا ما كانت عمليات تسييس الهويات العرقية والدينية تسفر عن أعمال عنف وخلق مخاطر كبيرة أمام المستقبل. وغالبًا ما أدت سياسات الهوية إلى العنف، الذي خرج عن السيطرة في بعض الأحيان. وقد أدى هذا العنف بدوره إلى تعميق الانقسامات بين الجماعات العرقية والدينية. كما لا يزال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي يمثل مشكلة رئيسة في رابطة الآسيان، حيث تبدو تداعياته أكثر وضوحًا من ذي قبل.
لقد أدى تنامي التطرف الديني إلى إغلاق الكثير من الأماكن أمام النساء وزيادة العنف ضد المرأة. فقد تمَّ الإبلاغ عن استخدام العنف الجنسي ضد الروهينجا على نطاق واسع؛ حيث لا يزال الاتجار بالنساء والفتيات قائمًا رغم ما به من عواقب وخيمة.
ومع ذلك، فالنساء لسن ضحايا فحسب، بل هناك الكثير من الأشخاص الذين لديهم مشكلات وخيمة. نعم، يشارك البعض في العنف والتطرف، لكن هناك الكثيرين ممن يقعون في الخطوط الأمامية لمواجهة التطرف والعنف، مع اهتمام قوي بالسلام والانتعاش. وخلال أزمة تنظيم “داعش”، كانت النساء تعمل مباشرة مع المجتمعات المحلية في بناء السلام وإعادة بناء الثقة في الحياة العامة.
لم يكن الهدف من قرار مجلس الأمن رقم 1325 أن تكون النساء هن الأفضل في بناء السلام مقارنة بالمجموعات الأخرى، لكن إذا تجاهلنا أدوار النساء كقائدات وبناة سلام، فإننا سنخسر أفكارًا تخص نصف السكان، كما نقوض الاستقرار على المدى الطويل.
فالحفاظ على السلام يعدُّ أولوية قصوى بالنسبة لرابطة الآسيان، إذ يسهم في الحفاظ على السلام من خلال التعايش السلمي والقيام بالتحول نحو التنمية الشاملة والمستدامة. كما تعدُّ الركائز الثلاث لمجتمع الآسيان، وهي مجتمع الأمن السياسي، والجماعة الاقتصادية، والمجتمع الاجتماعي الثقافي، من بنات الهياكل الأساسية.
ومع ذلك، يجب أن يكون الأمر أكثر شمولية، حيث يعمل على تعزيز التكامل، من أجل تقدم الآسيان وشعوبها. وبالتالي، فإن خطة عمل المرأة والسلام تمثل الخيط المتصل بين مجتمعات الآسيان. وعلى ذلك، يجب أن يبدأ الحفاظ على السلام في البناء على ما يتحقق بالفعل من خلال تعزيز القواعد والهياكل والمواقف والمؤسسات التي تقوم عليها جميع الركائز الثلاث، وهو ما يمثل البنية التحتية للسلام التي تحتاج إلى رعاية مستمرة، بالإضافة إلى التكيف مع السياقات المتغيرة والظروف المحلية.
لا يمكن الحفاظ على ديناميكية الآسيان إلا من خلال تحول اجتماعي أعمق يستثمر في جميع الناس، كما ينهي التمييز وعدم المساواة بين الجنسين، دون أن يترك أحدًا وراءه؛ لأنه يلتزم بتقديم خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وكذلك أهداف التنمية المستدامة؛ حيث تتيح التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الدراماتيكية التي تجري في كافة أنحاء رابطة الآسيان فرصًا هائلة لخلق تأثير إيجابي وتحولي بالنسبة للنساء ومجتمعاتهن في المنطقة.
وحتى تصبح هذه الإمكانية حقيقة واقعة، يتعين على الآسيان الالتزام بالإجراءات الخاصة بكل بلدٍ وإقليمٍ من أجل تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة في بناء مجتمعات مسالمة وشاملة للجميع. وبالتالي، فإن ثمة حاجة للمزيد من الاستثمار في القيادة التعاونية والمساءلة.
هنا، فإن المطلوب من القيادة النسائية تحديد الصفات التي حافظت على التماسك الاجتماعي، والتنمية الشاملة، وحقوق الإنسان والأمن الإنساني، وهي العوامل التي تسهم في تحقيق مجتمع مستدام وسلمي وعادل.
ومن ثَمَّ، فإن خطة العمل تلك تمثل طريقًا مهمًا لرحلة تحول الرابطة نحو التنمية المستدامة والازدهار المشترك. فقد أنشأ معهد الآسيان للسلام والمصالحة أخيرًا “برنامج السلام من أجل للمرأة” في دول الرابطة. ففيتنام بصفتها الرئيس القادم لرابطة أمم جنوب شرق آسيا تعدُّ هي أيضًا عضو في مجلس الأمن، ما دفع خطة عمل المرأة والسلام لتسليط الضوء على الاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لصدور قرار مجلس الأمن رقم 1325 في عام 2020.
لقد حان الوقت لتوسيع ودعم شبكات النساء العاملات في بناء السلام، وكذا العاملات في المجال الإنساني وقادة المجتمع الذين يعملون في ميدان مواجهة الكوارث الطبيعية في إطار الآسيان. وفي الوقت نفسه، لا يمكن تمكين المرأة دون دعم الرجال في هذه المجتمعات حتى يمكن فهم أهمية حماية حقوق النساء والفتيات وكرامتهن.
وأخيرًا، ينبغي الأخذ في الاعتبار بأن حماية هذه الحقوق في مصلحة المجتمع كله والنظر إليها على أنها أفضل ضمان للنهوض بالمجتمع بأسره.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر