سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. نجاة السعيد
التعديلات على نظامي الأحوال المدنية ووثائق السفر التي تعترف بأن المرأة يمكن أن تكون رب أسرة، وتسمح لها بالتقدم لطلب الحصول على جواز سفر والسفر إلى الخارج من دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من “ولي الأمر”، تشير إلى أن المرأة السعودية قد أصبحت كاملة المواطنة، والدولة بقيادة المجدد محمد بن سلمان، صاحب مشروع “رؤية السعودية 2030″، فعلاً دخلت مرحلة مهمة في التطوير والتنمية وبداية عهد نهضة جديد.
على المرأة أن تدرك أن هذه الحقوق “تكليف وليس تشريفًا”، وأنها الآن كاملة المواطنة، وبالتالي عليها أن تكون أكثر وعيًا ومسؤولية تجاه التحديات الكبيرة التي تمر بها السعودية، وتحديدًا الأمير محمد بن سلمان. من الطبيعي أن هذا الأمر سيحتاج إلى وقت، لأن وضع المرأة السعودية في السابق جعلها معزولة في عالمها الذي له تقاليده الخاصة يختلف عن عالم الرجال، أو بالأصح بعيد عن الجو العام لشؤون البلاد بكل تعاقيده. هذه العزلة كانت لها عواقب اجتماعية واقتصادية سلبية متعددة على النساء وعلى تنمية الدولة، لذلك هذا التحديث الاجتماعي والاقتصادي بما فيه تمكين المرأة، ستكون بداية علامة فارقة في البلاد لها تحدياتها.
إن ما قام به المجدد محمد بن سلمان، زلزل كثيرًا من المعتقدات والتقاليد القديمة، ليس فقط لوضع المرأة، بل أيضًا بخصوص إدارة الدولة الداخلية ومفهومها للدين، وحتى بالنسبة للسياسات الخارجية، وذلك بالعزم على تحويل السعودية من دولة استهلاكية معتمدة على النفط إلى بيئة استثمارية جديدة وتأسيس عهد ما بعد النفط، سيكون للمرأة دور فاعل به. فهذا التحديث للمفاهيم والأسس القديمة بالتأكيد لن تكون مرحبة من قبل الجميع، خاصة من كانوا مستفيدين من النهج القديم. لذلك لا تتعجب المرأة السعودية حتى بعد التعديلات الأخيرة بخصوص مساواة المرأة وإعطائها الأهلية الكاملة، سيواجه محمد بن سلمان بحملة هجمات شرسة من قبل الكثير داخل المنطقة وخارجها.
لقد وصف ولي العهد السعودي أن الفكر المتشدد الذي مورس ضد المرأة في عهد الصحوة الغابر بأنه حالة غير طبيعية طرأت على المجتمع السعودي بعد عام 1979. وبالتالي هنا أدخل فكر جديد على السعودية وهو أن الدين عبارة عن تأسيس حضارة وليس فقط تطبيق لطقوس بدون تفكير. فمن خلال العقل والمنطق يمكن للإسلام أن يكون مصدرًا للتطور وليس عقبة أمام التقدم، وخاصة للمرأة؛ لأنه عن طريق هذا الفكر التنويري سيجتمع العلم والإسلام، وهذا لا يمكن تحقيقه بدون مجتمع مستنير يدعم المرأة والرجل.
ومع أن هذا الفكر يدعمه الكثير في السعودية، ومؤكد المرأة، إلا أنه يغضب أتباع الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين والمتشددين. فهذه الفئة الإسلاموية المؤدلجة لا يهمها في الدين سوى عدم اختلاط المرأة بالرجل وإصدار الفتاوى والتصاريح السخيفة التي لا تمت للدين بصلة، مثل: قيادة السيارة تؤذي مبايض وحوض المرأة، وأنها ستفتح بابًا للفساد كأن تنزل المرأة في أي وقت لمقابلة عشيقها. هذا عدا الفتاوى عن زي النساء، وعن تحريم الرموش الصناعية، وإزالة الشعر، وعن عدم جواز افتتاح المراكز الرياضية للنساء، وغيرها من الفتاوى التي جعلت من الدين الإسلامي أضحوكة أمام العالم. أمَّا مناقشة القضايا التنموية مثل مكافحة الفقر والبطالة ودور المرأة في التنمية الاقتصادية، فهذه أمور لا تعنيهم؛ لأن همهم تجهيل وتسطيح المجتمع، خاصة المرأة، ليتمكنوا من السيطرة عليه وبالتالي هذا يفيدهم سياسيًا وماديًا.
فكما أتباع الإسلام السياسي أصبحوا أعداء لولي العهد السعودي، كون رؤيته التجديدية تصيب مشروعهم الإسلاموي الاستغلالي في مقتل، فالدول المهيمنة الغربية لن تكون أقل عداوة. تحويل دولة كبيرة مثل السعودية، لها ثقلها السياسي والديني المؤثر على المنطقة، من دولة استهلاكية معتمدة على النفط إلى دولة استثمارية منتجة، يرعب الكثير من السياسيين في الغرب، وخاصة من نهشهم الفساد. فهذه الدول سيطرت عليها نخب فاسدة استفادت كثيرًا من وضع الدول العربية، وخاصة المنتجة للبترول، وبالتالي لا تريد أن يتغير الوضع. هذه النخب هي سبب تدهور ثقة شعوبها في المؤسسة السياسية ولجوئهم لانتخاب مرشحين خارج هذه المؤسسة، وهذه كانت أحد أسباب انتخاب ترمب. فلو حللنا لوجدنا أن من يهاجم الأمير محمد بن سلمان في الغرب، هم أنفسهم تقريبًا من يهاجمون ترمب؛ لأن هدفهم الاستفادة من استمرار الأوضاع المؤسساتية الفاسدة على ما هي عليه. فكما ترمب يعدُّ شخصًا خارج هذه المؤسسة، كذلك ولي العهد السعودي يعتبر عضوًا غريبًا عن الصفقات التي اعتادوا عليها. فهذه المجموعة لا يهمها تنمية واستثمار وإيجاد فرص عمل حتى في أميركا، فكل همها ما يدخل جيوبها، وبالتأكيد لن تهمها حقوق مرأة سعودية. فالهجوم المستمر على السعودية، وعلى ولي العهد السعودي، تحديدًا، بحجة حقوق الإنسان والديموقراطية، ما هي إلا أكذوبة لتغطي على هدفهم الأساسي بالاستغلال المادي والهيمنة.
إن هذه النخب المهيمنة في الغرب تريد فرض نموذجها على دول المنطقة بدون مراعاة اختلاف الثقافات والظروف. فكثير من المفكرين العرب، وحتى السياسيين مثل ولي العهد السعودي، يؤمنون بأنه لن ينجح النموذج الغربي أو أي نموذج آخر مستورد دون إصلاح الوضع العربي الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة. إن الديموقراطية التي صرعنا الغرب بفرضها على العرب، لن تنجح بمجرد نسخ نموذجهم، وقد شاهدنا النتائج الكارثية في العراق وأفغانستان وبلاد الثورات العربية. فلا يمكن تجديد منزل فقط بطلاء الألوان الجديدة بدون تنظيف وإعادة بناء الخراب القديم. لكن للأسف تفكير الغرب المهيمن لا يعطي الفرصة للاستماع حتى إلى شعوب المنطقة إلا لمن يوافقه الرأي، إما بسبب الغطرسة والاعتقاد أن أنظمتهم هي الأفضل، أو بسبب المصلحة بنشر الفوضى باسم الديموقراطية.
لقد امتدح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، المواطنين السعوديين في سياق كلمته بمؤتمر مبادرة الاستثمار المواطنين السعوديين بتاريخ 25 أكتوبر 2018، وقال: “همة السعوديين مثل جبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض”، وقد ذكر هذا الجبل رمزًا على صمود وقوة الشعب السعودي. ستثبت الأيام القادمة أن الشعب السعودي، وفي مقدمته المرأة، سيكون فعلاً مثل جبل طويق في مواجهة التحديات التي تعصف بالمجدد محمد بن سلمان؛ لأنه صوت الشعب، والمرأة تحديدًا، في تحقيق تقدم بلاده.
باحثة سعودية في الإعلام السياسي*
@Najat_AlSaeed
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر