سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
وسط دهشة عالمية، فاز “بوريس جونسون” وزير الخارجية البريطاني السابق، بزعامة حزب المحافظين ليتسلم منصب رئيس الوزراء، فأصول “جونسون” المحافظة تثير توقعات عدة حول موقفه من الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة والشرق الأوسط، فإن كان “جونسون”، رئيس بلدية لندن السابق، يحظى بشعبية واسعة بين ناشطي حزب المحافظين، فإنه بعيد عن حصد تأييد كبير لدى الرأي العام، حيث تشير بعض الاستطلاعات إلى أن شعبيته بين البريطانيين لا تتخطى 31%.
الحكومة التي أعلنها “جونسون” ضمت عددًا من المشككين في المشروع الأوروبي وسط تهديداته بتنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد في نهاية أكتوبر القادم وهو الموعد المحدد لذلك، فيما اتصف اليوم الأول له في رئاسة الوزراء ببعض التشنجات، إذ قام عدد من الناشطين ضد التغير المناخي بعرقلة موكبه لأقل من دقيقة أثناء توجهه إلى قصر “باكنغهام” لمقابلة الملكة.
فوز جونسون بذلك المنصب لم يدع مجالاً لإغفال التوقعات بسيره على خطى الرئيس الأميركي دونالد ترمب فيما يخص عدة قضايا هامة، فـ”جونسون” يشار له في بريطانيا أنه الأقرب لترمب حيث وصفه كصديق ودعم ترشحه لرئاسة وزراء بريطانيا، وهو ما سنتناوله وما ستكشفه الأيام القليلة القادمة .
نكبة أولى
بمجرد تسمية “جونسون” كرئيس لوزراء بريطانيا، يبدو أنه يواجه نكبة أولى وهي “نكبة مالية” تكبدها بانتقاله من البرلمان لرئاسة الوزراء، إذ كانت عائداته المالية تبلغ 829 ألفًا و255 جنيهًا إسترلينيًا، أي ما يعادل مليونًا و36 ألف دولار، إلا أنها ستصبح 180 ألفًا فقط بعد انتقاله لرئاسة الوزراء.
فبعد تولي “جونسون” رئاسة الوزراء، فإن راتبه سيصبح نظير وظيفته فقط، لأنه ممنوع عليه ممارسة أي عمل آخر بعد الآن، فلا مقالات سيكتبها ويتقاضى عليها أجرًا، ولا محاضرات سيلقيها، فعائدات “جونسون” ستصبح 150.402 جنيه إسترليني في العام فقط، أي 180 ألف دولار، (ما يعادل 15 ألفًا و600 بالشهر)، وهو ما جعل المؤشرات تقول إن خسارته المالية هي أكبر ما تعرض له رئيس وزراء بريطاني.(1)
خلفيات عديدة
خلفيات عديدة يبدو أنها أثرت في تشكيل شخصية “جونسون” (المولود لعائلة سياسية)، فوالده سياسي محافظ وكاتب واكتسب شهرة واسعة عبر مشاركته في عدة برامج تلفزيونية، وهو حفيد علي كمال بك الشاعر والصحفي والسياسي الليبرالي التركي الذي تولى منصب وزير الداخلية، وهو ما يبرز أن “جونسون” ذو أصول تركية..وعلى الرغم من أصوله التركية، أثار “جونسون” جدلاً واسعًا قبل ثلاث سنوات عندما حقق فوزًا في مسابقة لأكثر قصيدة سخرية مثيرة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتضم قصيدته عبارات مهينة(1).
وتجدر الإشارة إلى كون “جونسون” من مواليد نيويورك ودرس بكلية إيتون وتخرج في جامعة أوكسفورد، كما أمضى بعضًا من طفولته في بروكسل، وفي بداياته المبكرة عمل كصحفي وانتقد في تلك الفترة قواعد الاتحاد الأوروبي. (2)
ويبدو أن المسيرة السياسية لـ”جونسون” مليئة بالمحطات، حيث كان عضوًا في البرلمان البريطاني، وأصبح رئيس بلدية لندن في 2008، وكانت رئيسة الحكومة السابقة، “تيريزا ماي”، قد عينته وزيرًا للخارجية في عام 2016، غير أنه استقال في 2018 احتجاجًا على سياستها فيما يتعلق بتدبير ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أنه كان مرشحًا لرئاسة الوزراء بعد “ديفيد كاميرون” عام 2016، إلا أنه انسحب في آخر لحظة، بعدما تخلى عنه زميله، وزير العدل، “مايكل غوف”، ورشح نفسه لكنه خسر في نهاية المطاف(3).
مواقف وآراء
تكهنات عدة تلتف حول آراء ومواقف “بوريس جونسون” المنحدر من حزب المحافظين، إذ يعكف زعماء العالم على دراسة آرائه التي عبر عنها والمواقف التي اتخذها قبل توليه السلطة في محاولة للتكهن بالمسار الذي سيتخذه أثناء رئاسة الحكومة البريطانية .
ومما يسهل المهمة، أن للرجل سجلاً سياسيًا كبيرًا، إذ تولى حقيبة الخارجية لعامين، علاوة على مقالات كتبها في عدد من الصحف والمجلات، فضلاً عن اللقاءات الصحفية .. فآراء “جونسون” تجاه عدة قضايا(4)باتت واضحة وسنتطرق إلى أبرزها :
الاتحاد الأوروبي وخروج محتمل
بات واضحًا أن آراء وخلفيات “جونسون” المنحدرة من حزب المحافظين ستنعكس بالطبع على مواقفه السياسية..
* لعل الموضوع الأبرز الذي سيواجهه “جونسون” فور توليه رئاسة الوزراء هو موقفه من الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا منه الـ”بريكست”.. ففور تسميته كرئيس للوزراء جاءت تهديداته بالخروج من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد، 31 أكتوبر، بدون اتفاق، فضلاً عن تهديده للاتحاد الأوروبي بالخروج منه بقرار أحادي الجانب في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
*ليس هذا وحسب، فتصريحات “جونسون” أوضحت أن حكومته ستولي “أولوية قصوى” للتحضيرات للخروج من الاتحاد في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع بروكسل، بالإضافة إلى تهديده بعدم دفع فاتورة الخروج وقدرها 39 مليار جنيه إسترليني (49 مليار يورو)، التي قالت بريطانيا سابقًا إنها تدين بها للاتحاد الأوروبي(5).
*أحاديث “جونسون” إن صحت، فمن المرجح أن عدم التوصل لاتفاقية بشأن وضع بريطانيا بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيؤثر بصورة سلبية قوية على الاقتصاد البريطاني. (6)
ترمب الصديق.. والولايات المتحدة الحليف
بمجرد إعلان اسم “جونسون” كرئيس لوزراء بريطانيا، زادت الأحاديث حول كونه شبيهًا لترمب وأنه على وفاق مع الرئيس الأميركي الذي يصفه كصديق ودعم ترشحه لرئاسة الوزراء. ومن المرجح أن العلاقة المميزة بين “بوريس جونسون” والرئيس الأميركي سوف تزداد تميزًا بعد تولي الأول رئاسة مجلس الوزراء في بريطانيا. فإذا لم يكن هو وترمب صديقين مقربين، فمن الواضح أن كليهما معجب بالآخر.
* لغات الرجلين متقاربة ومواقفهما المعادية للهجرة واحدة، ومواقفهما واحدة أيضًا تجاه الاتحاد الأوروبي، إذ إن الطرفين دعما خروج بريطانيا .
* ليس هذا وحسب.. فـ”جونسون” أكد أنه “صهيوني حتى النخاع”، واصفًا إسرائيل بأنها “دولة عظيمة”، وبالنسبة لترمب فالأمر واضح، منذ اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها.(7)
* تصريحات “بوريس” وترمب تصب في نفس الاتجاه أيضًا، وهو ما يستدل عليه من حديث الأول أن بريطانيا يمكنها أن تتعلم الكثير من الرئيس الأميركي، والذي يأتي في نفس طريقة حديث ترمب عندما قال إن جونسون سوف يقوم “بعمل رائع” كرئيس لوزراء بريطانيا.
إيران.. وسلاح دبلوماسي
*مع ظهور توترات بشأن الاتفاق النووي بين قوى الغرب وإيران للحد من الأنشطة النووية وأخذه في التداعي بعد إعادة واشنطن فرض العقوبات على إيران، عطفًا على إرسال بريطانيا المزيد من السفن الحربية إلى منطقة الخليج، وسط احتجاز إيران لناقلات نفط أجنبية.. فإن التوترات في العلاقات مع إيران، بالطبع ستكون إحدى القضايا الهامة على طاولة “جونسون” وستكون المشكلة الدبلوماسية الأكثر إلحاحًا في أجندته السياسية .
*يبدو أن رئيس الوزراء الجديد لا يدعم مواجهة عنيفة مع إيران، ويرى أن الدبلوماسية لا بدَّ أن تكون أفضل طريقة لإحراز تقدم، وهو ما نستدل عليه من حديثه أثناء مناظرة سياسة في إطار انتخابات رئاسة حزب المحافظين الحاكم قال فيه إن سُئل عن دعمه إجراء عسكريًا ضد إيران، فسوف تكون الإجابة بلا.
*فيما يتعلق بالعقوبات على إيران، “جونسون” أشار إلى استعداده لإعادة فرض العقوبات على إيران إذا استمرت في تخصيب اليورانيوم بمعدل يخالف الاتفاق النووي.
الإسلام.. موقف عدائي
*آراء “جونسون” عن الإسلام جاءت سلبية، وهو ما نستدل عليه من أحاديث له في عدة لقاءات، إذ نشرت صحيفة “الغارديان”، موضوعًا بعنوان (جونسون يزعم أن الإسلام السبب في تخلف العالم الإسلامي عن الغرب بقرون”.
*بيد أن جونسون قد تعرض لانتقادات شديدة لقوله إن الإسلام تسبب في تخلف العالم الإسلامي عن الغرب بقرون.
“*دليل مضاف آخر على عدائيته للإسلام، أتى في ملحق لكتابه )حلم روما)، إذ زعم “جونسون” أن ثمة أمورًا تتعلق بالإسلام أعاقت التطور في بعض مناطق الكرة الأرضية، بيد أنه تذرع بأن “كل بؤرة متوترة في العالم تقريبًا لها علاقة بالإسلام، من البوسنة إلى فلسطين والعراق فكشمير”.
* لعل اتهامات عديدة بالتحريض على كراهية المسلمين ألحقت به بعدما شبه النساء المسلمات المنقّبات في عموده في صحيفة “ديلي تلغراف” بـ”صناديق البريد” وبـ”لصوص المصارف”.(8)
روسيا.. الدولة المارقة
*يبدو أن موقف رئيس الوزراء الجديد من روسيا سلبي أيضًا، وهو ما نستدل عليه من حديثه المليء بالتحذيرات لموسكو من أنها تخاطر بالتحول إلى دولة مارقة إذا واصلت قصف أهداف مدنية في سوريا.
*من الواضح أن “جونسون” يرى أنه إذا استمرت روسيا على نهجها الحالي فإنها معرضة لأن تصبح دولة مارقة، وهو ما اتضح من دعواته للغرب أن يكثف الضغوط على روسيا التي ساعدت في ترجيح كفة النظام السوري (إبان فترة توليه وزارة الخارجية). (9)
تركيا.. وقصيدة هجاء
*لعل كتابة رئيس وزراء بريطانيا الجديد “بوريس جونسون” قصيدة هجاء في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دليل واضح على موقفه من تركيا، فالقصيدة التي كتبها تضمنت كلمات عدائية.
*لعل المخاوف التي أعرب عنها “جونسون” حيال تطلعات تركيا ذات الثمانين مليون نسمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، دليل واضح أيضًا على موقفه العدائي تجاه أنقرة. (10)
توقعات مستقبلية
*إذا ما تمَّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بشكل رسمي في نهاية أكتوبر القادم وهو الموعد المحدد له، كما أشار “جونسون”، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك سلبًا على اقتصاد الاتحاد واقتصاد بريطانيا ذاتها وبذلك سيتعين على بريطانيا إجراء مفاوضات جديدة واتفاقيات تجارية أحادية الجانب مع شركائها التجاريين حول العالم.
* الاتجاهات المحافظة لـ”جونسون” ستنعكس على مواقفه تجاه الهجرة، فمن المحتمل أن يتم فرض مزيد من القيوم على مسألة الهجرة وقضية اللاجئين أيضًا، إذ تعهّد “جونسون” بتقديم نظام جديد قائم على النقاط؛ للسيطرة على حركة الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي،بالإضافة إلى أنه يرى أنه يجب أن يضمن السيطرة على عدد المهاجرين من غير أصحاب المهارات القادمين إلى البلاد، وأنه من اللازم أن تكون بريطانيا أكثر صرامة مع أولئك الذين يسيئون استخدام ضيافتها .
* مزيد من العلاقات الدافئة من المرجح أن تكون بين بريطانيا والولايات المتحدة فور تولي “جونسون” مهام عمله، وهو ما نستدل عليه من تصريحاته تجاه الرئيس ترمب وتصريحات الأخير تجاهه والتي تصفه بالصديق، وأنه دعم ترشحه لرئاسة الوزراء .
* العلاقات البريطانية الإيرانية من المحتمل أن تشهد أحداثًا قريبة فور تولي جونسون، وخاصة في ظل التوترات الناتجة عن احتجاز إيران لناقلتي النفط البريطانيتين، فـ”جونسون” يرى الخيار الدبلوماسي حلاً مطروحًا. وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.
* رؤية “جونسون” للإسلام وأنه قد تسبب في تخلف العالم الإسلامي عن الغرب بقرون، بالطبع ستلقي بظلالها على تعامله مع الدول العربية، لكن يجب أن يدرك جيدًا أن لبريطانيا حلفاء في المنطقة العربية، وأن تلك المنطقة مليئة بحلفاء استراتيجيين لهم دور محوري كالسعودية ومصر والإمارات، فيجب وضع ذلك في الحسبان .
* العلاقات الاقتصادية البريطانية مع دول آسيا ستكون من أولويات بريطانيا (بحسب ما قاله جونسون)، وهو ما نستدل عليه من حديثه أن تعزيز العلاقات التجارية مع الهند سوف يكون من أولوياته. وقال جونسون: “شهد التبادل التجاري مع الصين زيادة بواقع 45 في المئة في العشر السنوات الأخيرة، لكن الأرقام التجارية مع الهند لا تزال ثابتة، بالإضافة إلى إشارته إلى أنه يريد تفعيل المزيد من أجل زيادتها. فالهند سوق طبيعي ضخم بالنسبة لبريطانيا”.
وحدة الرصد والمتابعة*
المراجع
4.من هو بوريس جونسون “الذي ينحدر من أصول تركية”؟ بي بي سي عربي.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر