سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ثيودور كاراسيك
عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس الماضي، سلسلةً من الاجتماعات المثمرة جدًا في روما، والتي أشارت إلى رغبات وتطلعات موسكو الراهنة. وقد تخطت رمزية الزيارة العديد من الزوايا الجيوسياسية المختلفة التي توضح العلاقة بين روسيا وإيطاليا، وأهم من ذلك، مركزية إيطاليا في استراتيجية موسكو بمنطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط.
أولاً، فإن العلاقة بين موسكو وروما متقاربة من حيث الكنائس لدى الدولتين. فقد ركز الاجتماع بين بوتين والبابا فرانسيس، وهي المرة الثالثة التي التقيا فيها، على سوريا وأوكرانيا وفنزويلا، وقال بوتين إن اللقاء كان “مهمًا ومثيرًا للاهتمام جدًا”. كما أعرب بوتين والبابا “عن رضاهما” حول كيفية تطور العلاقات. وكان البابا فرانسيس التقى البطريرك الأرثوذكسي الروسي “كيريل” قبل ثلاثة أعوام في كوبا، حيث كانت المرة الأولى التي التقى فيها زعماء الكنيسة الرومانية وبطريركية موسكو منذ الانشقاق الكبير عام 1054. وخلال لقائه ببوتين قال إن روسيا تعتبر هي حامية للمسيحيين الرومان في الشرق الأوسط، وكانت الرسالة واضحة حول كيفية الجمع بين فكرة حماية الأقليات. وتكتسب هذه الساحة أهمية كبيرة وبخاصة في المستقبل القريب نتيجة لوجود تقاطع المصالح.
ثانيًا، كيف يريد بوتين من إيطاليا أن تقود جهودًا لإزالة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا والتي فُرِضَت في أعقاب سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم في عام 2014؟ فقد أثنى بوتين، برفقة رئيس الوزراء الإيطالي “جوزيبي كونتي” في روما، على جهود إيطاليا لتحسين العلاقات بين موسكو والاتحاد الأوروبي. وقد أدركت إيطاليا جيدًا أن مساحة المناورة تعتبر محدودة نتيجة لعدد من العوامل. فقد قال الرئيس الروسي خلال لقائه برئيس الوزراء الإيطالي “نأمل أن تتحدث إيطاليا باستمرار وبوضوح عن موقفها بشأن تحسين العلاقات، وذلك من أجل العودة الكاملة للعلاقات الطبيعية بين روسيا وأوروبا، وهو ما يعدُّ بمثابة مسرحية بارعة على “كونتي” والأحزاب السياسية الإيطالية، مثل: حركة النجوم الخمسة، والرابطة اليمينية وزعيمها “ماتيو سالفيني”، الذي يدعم علاقات أقوى مع روسيا.
وفي ختام زيارته لروما التي استغرقت يومًا واحدًا، التقى بوتين رئيس الوزراء الإيطالي السابق “سيلفيو برلسكوني”، وهما صديقان حميمان، كما أن علاقتهما تعدُّ بمثابة جزء من خلفية الشراكة بين روسيا وإيطاليا، التي يعتبرها البعض مسألة مهمة جدًا بالنسبة للاقتصاد الإيطالي.
ويدرك بوتين هذه الحقيقة، حيث يسعى لاستخدام الإيطاليين للتخلص من عقوبات الاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية التي نشرت عشية زيارته، وصف بوتين “برلسكوني” بأنه “سياسي على مستوى عالمي”. وقال: “نحن نرتبط مع برلسكوني بصداقة طويلة. فـ(سيلفيو) سياسي من طراز عالمي المستوى، كما أنه زعيم حقيقي يحمي مصالح بلاده على الساحة الدولية. وأن رغبته الصادقة في الحفاظ على قدرات بلداننا وتعزيزها تستحق الاحترام. ولا يمكننا رؤية بعضنا البعض كثيرًا، ولكن عندما تسمح الظروف نلتقي، وهو لا يسمح لنفسه مطلقًا بالتحدث عن السياسة الداخلية”. هذه العلاقة الشخصية تلعب دورًا جيدًا مع دوائر معينة من المشهد الأوروبي المنقسم بالأساس ما بين محافظين، وتيار يسعى لإصلاح المنظومة الأوروبية، وبالتالي، فإن بوتين يتحدث إلى من يبذلون قصارى جهدهم لإزالة العقوبات مع بروكسل.
ثالثًا، كيف يقود الاقتصاد والطاقة العلاقة الروسية الإيطالية؟ فقد وقع صندوق الاستثمار المباشر الروسي (RDIF)، وهو صندوق الثروة السيادي الروسي، صفقةً بقيمة 300 مليون يورو (أي ما يعادل 336 مليون دولار) مع مجموعة إيطالية لتأسيس عدد من المشروعات في روسيا قبل يوم واحد من زيارة بوتين لروما. والأهم أن “كيريل ديميترييف”، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الروسي المباشر، يقود جهود بوتين بإعلانه من إيطاليا أن بروكسل يجب أن ترفع العقوبات الروسية. وبطبيعة الحال، فإن الصورة الأكبر لشركة “إيني” الإيطالية للطاقة في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط تهتم بها موسكو بشدة، وكذلك العمل على تطوير خط أنابيب “إيست ميد” وخط أنابيب “عبر الأدرياتيكي”، اللذين يرتبطان أيضًا بالسياسة الإيطالية المحلية وهما جزء ضروري بالنسبة لسياسات الغاز الروسي في مواجهة أوروبا.
وأخيرًا، فمن المؤكد أن تعليقات بوتين حول ليبيا تثير الاهتمام بسبب مركزية روما في مستقبل الدولة الواقعة شمال إفريقيا. وقال بوتين إن لديه قلقًا من أن يتدفق المتطرفون إلى ليبيا من محافظة إدلب السورية وحذَّر من أن تتدهور الأوضاع. وتشير تصريحات الرئيس الروسي من “إدلب إلى ليبيا” إلى ظاهرة وجود مئات من المتطرفين، الذين تعاظم خطرهم في ساحة المعركة السورية، كما أنهم يقاتلون نيابة عن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وكذلك ظهور “داعش” في ليبيا؛ حيث يمثل هؤلاء المقاتلون مجموعات، مثل: جماعة مجاهدي درنة، وأنصار الشريعة السابقين، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة. وبحسب ما ورد فقد تمَّ جلب المقاتلين السوريين من قِبَل شركة الخطوط الليبية، وهي شركة طيران مملوكة لعبدالحكيم بلحاج، حيث تعمل عبر المطارات في جنوب شرق تركيا. وفي الماضي، استخدم تنظيم “داعش” ميلان كنقطة عبور إلى ليبيا.
ويعدُّ استخدام بوتين لهذه القضية جزءًا من حساب أوسع لرؤية روسيا فيما يتصل بما سيحدث لاحقًا في ليبيا، حيث إن كل ذلك إنما يرجع إلى الغارات الجوية للناتو في 2011، إذ تعدُّ بمثابة رسالة للعديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك روما، وكذلك المصالح الروسية المتعددة، التي تسببت في إغلاق جلسات الأمم المتحدة المتعلقة بليبيا أمام الجمهور.
وبوجه عام، فإن إيطاليا تبدو مهمة بالنسبة لروسيا. وبما أن الكرملين يريد التركيز على لعبة الأصول المتوسطية، فإن بوتين يستخدم إيطاليا لمحاولة التخلص من عقوبات الاتحاد الأوروبي حتى تتمكن موسكو من الدخول إلى هذه الساحة بسهولة ويسر. لكن: هل روما في وضع يمكنها من مساعدة روسيا على الجبهة الأوروبية؟ يبدو أن هذه المسألة لا تزال في حاجة للمزيد من النظر.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر