مرحلة جديدة من القمع في تركيا: تعذيب الدبلوماسيين | مركز سمت للدراسات

مرحلة جديدة من القمع في تركيا: تعذيب الدبلوماسيين

التاريخ والوقت : الأحد, 9 يونيو 2019

بادير جول

 

اشتهرت وزارة الخارجية التركية، التي كنت أعمل بها، بوجود تسلسلٍ هرميٍ صارمٍ. فقد كانت الوزارة تفتخر بتقاليدها العريقة منذ قرنين من الزمان، وبسمعتها التي لا تشوبها شائبةً. لكن بعد محاولة الانقلاب التي شهدها عام 2016، جرت عمليات تطهير واسعة النطاق، ما أحدث نقصًا لا يمكن تعويضه في الكوادر المؤهلة بجميع مؤسسات الدولة تقريبًا، بما في ذلك وزارة الخارجية. فقد تمَّ تصنيف أكثر من ثلث الدبلوماسيين المحترفين على أنهم إرهابيون وتمَّ طردهم.

وكما قالت “حنا أرندت” قبل سبعة عقود، فإن أسوأ نوع من الدولة هي تلك التي ليس لديها سوى حزبٍ واحدٍ ذلك أنه “يحل دائمًا محل جميع المواهب من الدرجة الأولى، وذلك بغض النظر عن تعاطفهم، مع هؤلاء المشاغبين والخداع الذين لا يزال افتقارهم إلى الذكاء والإبداع الذي هو أفضل ضمان لولائهم”؛ فقد تمَّ استبدال الدبلوماسيين الأتراك الأكثر قدرة بعدد من الانتهازيين وغيرهم من الراغبين في انتهاك قوانين البلدان المضيفة لهم. حيث أصبح من الطبيعي أن نرى أشخاصًا يتعرضون للضرب في القنصليات التركية، وعلى ذلك فقد انهارت تقاليد تركيا الدبلوماسية ذات السمعة الطيبة.

أمَّا الدبلوماسيون الذين تمَّ تطهيرهم، فقد كانوا يخدمون في الخارج عندما جرت تلك العمليات، وكان لديهم جوازات سفر دبلوماسية ويمكنهم الذهاب إلى أي مكان يريدون. وبدلاً من ذلك، فعندما طُلِبُوا في أعقاب محاولة الانقلاب، عادوا إلى تركيا، ثم تمَّ طردهم بعد ذلك، وأُلغيت جوازات سفرهم وجوازات سفر أزواجهن حتى لا يشرعوا في البحث عن حياة كريمة في الخارج.

وعلى مدار السنوات الثلاث، أخفقت السلطات في تقديم دليل على أن هؤلاء الدبلوماسيين كانوا على علاقة بالانقلاب، كما لم يخبرهم أحد بسبب طردهم.

وأخيرًا، فقد قامت السلطات التركية باعتقال 249 من الدبلوماسيين الذين تمَّ تطهيرهم. وقد تمَّ اعتقال أكثر من 100 منهم في مقر شرطة محافظة أنقرة، حيث ذهب بعض المحللين أن في ذلك رسالة إلى رئيس الوزراء السابق “أحمد داود أوغلو”، الذي شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 2009 و2014، حيث كان معظم الدبلوماسيين الذين تمَّ تطهيرهم قد دخلوا الوزارة خلال فترة وجوده.

وقد تساءل “أوغلو” أخيراً: لماذا حدث هذا؟ منتقدًا رجب طيب أردوغان بعد هزيمته الانتخابية في إسطنبول. كما أشار “أوغلو” إلى أنه بصدد تشكيل حزبٍ جديدٍ لمعارضة أردوغان. ونتيجة لذلك، وصف أردوغان هؤلاء الدبلوماسيين الذين دخلوا الخدمة في عهد داود أوغلو بـ”أنصار غولن”، مما يعني أنهم خونة ضد تركيا.

وفي هذا الإطار يتصرف المدعون العامون بطريقة عشوائية ومخلة حتى بالمعايير القانونية لتركيا، حيث يقول الادعاء إن هؤلاء الدبلوماسيين اجتازوا امتحانات القبول في الخارجية بطريقة مزيفة وخادعة، وبالتالي يتم استبعادهم لأن لغتهم الإنجليزية لا تصل إلى نقطة الصفر.

لكن فكرة الغش في الامتحانات الضخمة مع “داود أوغلو” نفسه تعدُّ فكرةً سخيفةً تمامًا. فالعمل بوزارة الخارجية التركية له مسار اختبار ينطوي على 4 خطوات، وبالتالي فإن الغش في تلك الاختبارات يُعَدُّ أمرًا مستحيلاً. وعلى ذلك، فمن المُتَعَيَّن على المدعين العامين إظهار قدرًا أكبر من الاجتهاد في تفسير كيف لمثل هذا الغش أن يحدث، وفي المرحلة الأخيرة من الامتحانات، يتم إجراء مقابلات مع المرشحين من قبل لجنة تتكون من 10 سفراء باللغة الإنجليزية لمدة ساعة كاملة. وإذا كان هذا الادعاء صادقًا على الإطلاق، فسيتم استجواب هؤلاء السفراء الممتحنين أولاً، وبالتالي سيكونون في مقدمة المحقق معهم. لكن السفراء ما زالوا يشغلون مناصب مهمة، ويقومون بدور في هذا المخطط المزعوم.

وأكثر من ذلك، فقد كان نائب وزير أردوغان يتباهى في ذلك الوقت في مدونته حول الخلفيات والخبرات التعليمية لهؤلاء الدبلوماسيين الذين يُتهمون حاليًا بالغش. فقد تخرج الكثيرون منهم من كبرى الجامعات في تركيا، بعد أن درسوا معظم مقرراتهم باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى دراسة عدد منهم في كبرى الجامعات الأميركية. كما أن المدونة التي تشيد بهؤلاء الدبلوماسيين لا تزال موجودة على الإنترنت.

لقد ازدادت الأمور أكثر سوءًا حينما قام أحد أعضاء المعارضة في البرلمان، وهو “عمر فاروق جيرغيرلي أوغلو”، بنشر تغريدة، يوم الأحد الماضي، مفادها بأن أكثر من 100 دبلوماسي قد تعرضوا للتعذيب والاعتداء الجنسي بشكل منهجي، بما في ذلك الاغتصاب بهراوة أثناء وجوده في حجز الشرطة. وبعد تغريدة ” جيرغيرلي أوغلو”  قامت نقابة المحامين في أنقرة في 27 مايو بتعيين فريقٍ من المحامين للنظر في هذه المزاعم، وقد كشفت النتائج التي توصلوا إليها عن تعذيب فظيع تحت حراسة الشرطة. وقد تعرض الدبلوماسيون للاستجواب وهم عرايا وتحت الضرب والزحف والتهديد بالاغتصاب. كما لم يُسمح لمحاميهم برؤيتهم. وعندما توفي أحد الدبلوماسيين، نُقل إلى المستشفى، لكن الأطباء رفضوا إصدار تقرير يوثق تعرضه للتعذيب. وفي وقت لاحق، وأثناء المحاكمة أخبر الدبلوماسيون القاضي أنهم تعرضوا للتعذيب، لكن القاضي رفض وضع أقواله في أوراق القضية.

بجانب ذلك فقد كان هناك خمسة دبلوماسيين في وزارة الخارجية، ومنهم أنا، تخرجوا في جامعة هارفارد. وقد وصلت أحوالهم إلى السجن أو الفرار من البلاد.

فقد داهمت الشرطة منزل عائلتي في مسقط رأسي يوم الاثنين الماضي أيضًا. ذلك أني لو كنت موجودًا في تركيا، لكنت ضمن من يتعرضون للتعذيب حاليًا حتى يجبروني على الاعتراف بأني لا أستطيع التحدث باللغة الإنجليزية وأنا خريج جامعة هارفارد، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لأصدقائي الذين تخرجوا في جامعات “كولومبيا” و”جون هوبكنز” و”جورج تاون” و”تافتس” وغيرها من الجامعات الأميركية الكبيرة الأخرى.

وفي عام 2014، احتجز تنظيم “داعش” عددًا من الدبلوماسيين الأتراك في الموصل كرهائن عندما استولى على القنصلية التركية، ثم تمَّ إطلاق سراحهم بعد ثلاثة أشهر من الأسر، لكن “داعش” لم يعذبهم. في حين لم تتردد السلطات التركية في الدفع بأفضل دبلوماسييها تعليمًا والأكثر وعدًا، مقابل بعض المكاسب السياسية الضيقة، وهو ما لم يقم به “داعش”.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: واشنطن إكسامنير

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر