سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمود شعبان
لم تهدأ المناوشات الكلامية بين الجارتين الشقيقتين القاهرة والخرطوم منذ وصول عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم ، في ظل تشابكات السياسة الخارجية المصرية مع دول الجوار واعتبار السودان أن القاهرة مازالت مصرة على اللعب استخباراتيا في دارفور وجنوب السودان فضلا عن ليبيا وما تشكله الأزمة الليبية من مأزق للواقع السوداني.
السودان من جانبها مازالت متمسكة بحقها الأصيل في حلايب وشلاتين، في الوقت الذي يصمم الجيش المصري على تبعيتهم للقاهرة ، ومع اشتداد التصريحات بين الطرفين أن المخابرات العامة المصرية تلعب دورا كبيرا في الداخل السوداني تحت عين وبصر الحكومة السودانية.
ازمة حلايب وشلاتين ليست الأولى بطبيعة الحال بين مصر والسودان ولكنها الأعمق حيث تعود جذور النزاع حول مثلث حلايب إلى أكثر من قرن. ففي سنة 1899، قررت الإمبراطورية البريطانية رسم الحدود بين مصر والسودان، عندما كانت كلتا الدولتين تخضعان لحمايتها. كما اختارت دائرة عرض 22 شمالا للفصل بين الوحدتين الإداريتين، حيث تم ضمّ منطقة حلايب للجانب المصري. ومع ذلك، خلال سنة 1902، قرّر وزير الداخلية المسؤول عن المنطقتين منح مثلث حلايب لإدارة الخرطوم وذلك لأسباب تتعلق بثقافات قبائل تلك المنطقة. وفي الحقيقة، يعد هذا القرار أساس مطالبة السودان بأحقيته في هذا الإقليم. لكن تمسّكت مصر، في الوقت نفسه، باتفاقية سنة 1899، ورفضت قرار 1902، باعتباره قرارًا إداريا، لا ينقض الاتفاقية الأصلية.
ولم يتفاقم التوتر حول مثلث حلايب حتى سنة 1958، عندما قرر الرئيس المصري “جمال عبد الناصر” إجراء استفتاءٍ على تعيينه رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة، وهو اتحادٌ سياسيٌ نشأ بين مصر وسوريا. وقد فوجئت اللجنة الانتخابية التي أُرسلت لإجراء الاستفتاء في منطقة حلايب بوجود لجنة أخرى من السودان هناك. ومن قبيل المصادفة، كانت الانتخابات البرلمانية السودانية تُجرى في الوقت ذاته. لذلك، نشر عبد الناصر الجيش المصري بهدف منع إجراء الانتخابات السودانية في الإقليم. ومن جهته، ردّ السودان برفع شكوى ضد مصر إلى مجلس الأمن الدولي.
هناك ملفات أخرى جوهرية في العلاقة بين مصر والسودان هي التي تقف عائق أمام ذوبان المشاكل الحالية منها على سبيل المثال:
دعم المعارضة: تتهم مصر جارتها السودان باحتضان المعارضة المصرية الإخوانية التي هربت بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من سدة الحكم وفي المقابل تتهم الخرطوم جارتها القاهرة بإيواء المعارضة السودانية في مصر ودعمها بكل السبل السياسية ودعم الجماعات المسلحة هناك، وكذلك دعمها لجنوب السودان ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير.
ملف التشابكات الإقليمية: في الوقت الذي تحاول القاهرة لعب دور إقليمي في المنطقة، ترى السودان أن القاهرة تحاول أن تلعب دور الوصي والأب الروحي لها وهو ما يجعل البلدين في حالة من التصادم المستمر حول السياسات الخاصة بكل منهم في المنطقة.
ملف المياه: انحياز السودان الأخير لحق أثيوبيا في بناء سد النهضة ، وتبادل أثيوبيا التصريحات الإيجابية بحق السودان ، كل ذلك إمعانا في إبراز تحالف الدولتين على حساب طموحات مصر في المياه في ظل فشل القاهرة في إجراء أي مفاوضات ناجحة بخصوص سد النهضة وحصتها من المياه.
ملف العقوبات الدولية: وجهت السودان، للسلطات المصرية، اتهاما بتأييد قرار تمديد العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن، وهي العقوبات التي أقرتها الأمم المتحدة على الخرطوم عام 2005، تمدد دوريا وهي تتعلق بشكل أساسي بحظر بيع الأسلحة للسودان وهو ما خرجت القاهرة كالعادة ونفته من جانبها. خاصة وأن وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، طالب مصر رسميا بتفسير الأمر الذي شذّ عن كل مواقف مصر السابقة طوال السنوات الماضية، حيث كان موقفها دائماً الأكثر دعماً للسودان في مجلس الأمن”.
وهو ما دفع المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد إلى القول بإن “اجتماعات لجان العقوبات الخاصة بالأوضاع في دارفور تقتصر على أعضاء مجلس الأمن فقط، ولم تناقش من قريب أو بعيد في اجتماعاتها الأخيرة مسألة تمديد العقوبات على السودان”.
المناوشات الكلامية بين الدولتين ذهبت إلى بعض الأفعال التي ذكرها وزير الدفاع السوداني الفريق أول عوض بن عوف في تصريحات سابقة له بالقول أن هناك “استفزازات ومضايقات” يتعرض لها الجيش السوداني في منطقة حلايب المتنازع عليها مع مصر وهو ما دفع السودان إلى تجديد شكوى تبعية مثلث حلايب للسودان لدى مجلس الأمن الدولي.
الملف الليبي: لا شك أن الملف الليبي من الملفات العالقة بين القاهرة والسودان في ظل التلاحم السياسي والعسكري بين السيسي وخليفة حفتر في الوقت الذي تتهم السودان خليفة حفتر بالاعتماد على جنود من دارفور لدعمه في ليبيا فضلا عن تجارة السلاح الرائجة في المنطقة وأصابع الاتهام الموجهة من جانب السودان لمصر بالضلوع فيها بدور واضح.
بقي أن الأزمة الحالية لن تتوقف خاصة مع التغيرات التي تشهدها المنطقة ومن المرتقب أن تتصاعد في الفترة القليلة المقبلة وربما ذهبت الخرطوم إلى مجلس الأمن بلا رجعة متمسكة بحقها في حلايب وشلاتين.
باحث سياسي مصري*
@mahmoud1472583
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر