سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بعد سنواتٍ من الاستبداد المتزايد في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان فوز المعارضة في الانتخابات البلدية في إسطنبول بمثابة بصيصٍ من الأمل في أن الديمقراطية في تركيا لم تَمُت. لكن قرار لجنة الانتخابات بإلغاء النتيجة يطفئ هذا النور. ذلك أن إعادة الانتخابات قد تمنح أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” فرصةً لاستعادة السلطةِ في أكبر مدينةٍ بالبلاد. لكنها ستكون ضربة قوية للمشهد السياسي والاقتصادي لتركيا، بغض النظر عن نتيجة تلك الانتخابات؛ لأن هزيمة حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، تُعدُّ هزيمة كبرى؛ حيث شهدت بداية المسيرة السياسية لأردوغان. لقد مثَّلَت تلك الانتخابات مؤشرًا على أن تركيا – رغم ميل أردوغان إلى الخطاب الاستقطابي والتآمري – ظلَّت تمارس ديمقراطيةً “معيبةً”، فقرار لجنة الانتخابات، التي يسيطر عليها أعضاء الحزب الحاكم، ينطوي على ثمنٍ باهظٍ سوف تدفعه تركيا؛ إذ دعت اللجنة العليا للانتخابات إلى إعادة التصويت في 23 يونيو.
إن تآكل المؤسسات في ظل حكم أردوغان يتناقض مع صورته المبكرة كزعيم مدني مستقر وحديث. فقد شكَّلت محاولة الانقلاب في يوليو 2016 نقطةَ تحولٍ في مسيرة ابتعاد تركيا عن التقاليد الليبرالية. ففي أعقاب ذلك، تمَّ القبض على 77 ألف شخص، وتشريد حوالي 130 ألف من وظائفهم. ويعدُّ قرار لجنة الانتخابات بإلغاء النتائج، بمثابةِ ضربةٍ أخرى للحرية السياسية. إذ ينطوي ذلك القرار على الكثير من المخاطر؛ فمن ناحية نجد أن الشعب التركي ربَّما يفقد إيمانه بالسياسة الديمقراطية السِّلمية، وهو السيناريو المرجَّح بشكلٍ خاصٍ في حالة فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الثانية؛ فقد شهدت البلاد اضطرابات مدنية تحولت إلى عنف في الماضي.
وقد كان هناك العديد من الوفيات خلال احتجاجات عام 2013، وكان بعضها بسبب عنف الشرطة. وقد يظهر الجيش، الذي عانى من عملية تطهير ضخمة في أعقاب محاولة الانقلاب في عام 2016، نفاد صبر متزايدًا مع حزب العدالة والتنمية. كما يمكن أن تتفاقم حالة الضعف التي يعاني منها الاقتصاد التركي أيضًا. وقد دفعت التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد إلى الركود الذي شهدته العام الماضي والذي لم تنتهِ منه بعد.
فالتضخم بات قريبًا من 20%، وأدت أخبار إعادة التصويت في إسطنبول بالليرة إلى أدنى مستوى لها منذ أكتوبر. كما أن هناك تساؤلات حول قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها خلال أزمة الليرة الجديدة بعد الكشف عن أن البنك المركزي قد عزز احتياطياته من العملات الأجنبية بمليارات الدولارات من خلال القروض قصيرة الأجل.
فالمستثمرون الأجانب يشعرون فعلاً بالقلق من وجود رجل متقلّب قام بتعيين صهره وزيرًا للمالية متجاوزًا كافة الخبراء الاقتصاديين الأكثر خبرة. وبالتالي فإن شهرين آخرين من عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي لرأس المال التجاري لتركيا سيزيدان من ذلك الوضع المتأزم. وينبغي أن تركز حكومة أردوغان على تعزيز الاقتصاد، وليس على التلاعب السياسي.
كذلك من شأن القرار أن يضع حلفاء تركيا الغربيين في مأزق. إذ لا يمكن معاملة عضو قديم في الناتو كدولة مارقة؛وهو لا يزال لاعبًا رئيسًا في تسويات الحرب الأهلية السورية وأزمة اللاجئين.
لقد أغضب أردوغان واشنطن – بالفعل – حينما مضى قدمًا في شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية، مما أدى إلى تعليق تسليم 100 طائرة مقاتلة من طراز إف 35 من الولايات المتحدة.وبجانب ذلك سوف يُنظَر إلى تركيا بشكل متزايد على أنها معضلة يجب إدارتها وليست شريكًا موثوقًا به إذا لم تتمكن من دعم الديمقراطية.فأردوغان خلال الأسابيع الأخيرة واجه العديد من الخيارات؛ وفي مقدمتها أنه كان بإمكانه أن يعترف بأن حزب العدالة والتنمية خسر إسطنبول بسبب الإخفاقات الاقتصادية والسياسية، وأن يتعهد بالإصلاح.
لكنه بدلاً من ذلك، تملكت شهوة السلطة منه، مما أضعف تركيا محليًا ودوليًا، فكانت الهزيمة في إسطنبول بمثابة ضربة مؤلمة للرئيس وحزبه، ما يعني أن يمضي في تقويض السياسة الانتخابية الأكثر إيلامًا لتركيا ومواطنيها.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: صحيفة الفاينانشيال تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر