سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كريس ميلر
بعد أن واجه حزبه هزائم فادحة في الانتخابات البلدية بأنقرة وإسطنبول الشهر الماضي، وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”برنامج اقتصادي قوي” لتغيير الاقتصاد في بلاده. والحقيقة أن أردوغان محق في ذلك، حيث تعاني تركيا من مشاكل اقتصادية خطيرة. فالبطالة تتزايد، والتضخم يقترب من 20%، وهو أعلى مستوى خلال العقد الأخيرة. كما يواجه أردوغان معضلة مؤلمة؛ فالخطوات التي قد تتخذها حكومته لتحسين الاقتصاد على المدى المتوسط من شأنها أن تسبب معاناة على المدى القصير. وهو الاحتمال الذي يعدُّ غير جاذب، وخاصة في ظل احتمالات دعوته لإعادة انتخابات بلدية إسطنبول وأنقرة، على أمل أن يفوز حزبه في تصويت جديد. كما أنه رغم زيادة النمو خلال الفترة الأخيرة، إلا أن الأساليب التي يستخدمها في سبيل ذلك، سيؤدي إلى تفاقم مشاكل البلد على المدى الطويل. وإن المشكلة الأساسية في تركيا هي أن الحكومة تسعى لتحفيز الاقتصاد، رغم أن تنامي معدل التضخم يشير إلى ضرورة القيام بعكس ذلك. فالواقع يشير إلى وجود دوافع سياسية واضحة وراء تلك الحوافز، إذ يواجه أردوغان مأزقًا كبيرًا بشأن الأصوات المعارضة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما تجلى خلال الاستفتاء على الدستور عام 2017، وكذلك الانتخابات الرئاسية عام 2018، وأخيرًا في انتخابات المحليات لهذا العام.
ومنذ أن تمكن حزب العدالة والتنمية من تأسيس شرعيته على أساس معدلات النمو التي تحققت في تركيا خلال السنوات السابقة، كان عليه أن يحتاط لمواجهة الانزلاق الاقتصادي من خلال كل الاستحقاقات اللاحقة. وقد نجحت الاستراتيجية التي اتبعها حزب العدالة والتنمية بالفعل، لكن تكلفة ذلك كانت باهظة. إذ اعتمد ذلك على برامج التحفيز التي دعمت فوز أردوغان في الانتخابات السابقة حينما قدم مساعدات كبيرة،لكنه في المقابل قام بقمع المعارضة والسيطرة الصارمة على وسائل الإعلام. ومع ذلك فإن كافة المحاولات المتعاقبة للتدخل في مسار الاقتصاد التركي دفعت به إلى رفع التضخم بما يتجاوز الهدف الذي حدده البنك المركزي التركي، أي في حدود 5%، لكنه وصل إلى نحو 10% عام 2017، بل وصل فيما بعد إلى 20%. ومع زيادة معدل التضخم، انخفضت قيمة الليرة. وكانت قيمة الدولار قبل عشر سنوات تعادل ليرتين، لكن مع الهبوط الحاد خلال فترة وجيزة وصل سعر صرف العملة الأميركية إلى 6 ليرات تركية.
وبنظرة مقارنة مع السنوات العشر الأخيرة، فإن الأمر بات يتطلب ما يقرب من 3 أضعاف العملات المحلية عند تحويلها إلى دولارات لشراء سلع من الخارج. ذلك أن اقتصاد تركيا يعتمد على التجارة نسبيًا، وبالتالي فإن الانخفاض في سعر الصرف يضر الاقتصاد.
لكن الحكومة التركية لا تفعل شيئًا يُذكر لوقف هذه الأزمة. فبالفعل تمَّ رفع سعر الفائدة الرئيسي من 8% قبل عام إلى 24% في الوقت الراهن. وربَّما يبدو ذلك مرتفعًا، إلا أنه بالكاد يتجاوز معدل التضخم، وهو أدنى بكثير مما يجب أن يكون وذلك لضمان استقرار الليرة.
وهو ما يعود إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة من شأنه أن يحد من التضخم عن طريق الحد من النمو الاقتصادي. فإذا زاد البنك المركزي من تكلفة الاقتراض بالليرات، فإن ذلك سيشكل ضغطًا كبيرًا على البنوك التركية؛ لأن تلك البنوك تمول نفسها جزئيًا عن طريق اقتراض مليارات الدولارات من البنك المركزي. وعلى ذلك يجب عليهم تحويل جزء كبير من هذا الدين على أساس أسبوعي أو شهري. (التفاصيل متاحة في تقرير الاستقرار المالي نصف السنوي للبنك المركزي التركي) وعندما ترتفع أسعار الفائدة، يصبح من الأفضل للبنوك تمويل نفسها.
وفي الوقت نفسه، فإن جميع القروض التي تقدمها البنوك التركية تقريبًا – والتي تقدم الأموال للأتراك لشراء المنازل أو السيارات، على سبيل المثال – تكون لفترة أطول وبأسعار فائدة ثابتة. وفي كل مرة يرفع فيها البنك المركزي أسعار الفائدة، فإنه بذلك يرفع تكاليف البنوك دون زيادة إيراداتها.
وفي تلك الحالة تتمثل النتيجة في أزمة ائتمان؛ ذلك أنه مع اتجاه البنوك لخفض معدلاتها في الإقراض، فإن المستهلكين يشترون أقل، كما أن الشركات تستثمر أقل، أمَّا الاقتصاد فيتباطأ – على عكس ما يرغب أردوغان من أجل الحفاظ على الدعم السياسي. وهكذا، فقد ضغطت الحكومة التركية على البنك المركزي للحفاظ على أسعار الفائدة بشكل أقل مما ينبغي، حتى لو كان ذلك على حساب ترك التضخم يبحر في حين أن الليرة تغرق أكثر.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مجلة السياسة الخارجية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر