قمة “آبي وترمب”.. خيوط المعضلة الدبلوماسية | مركز سمت للدراسات

قمة “آبي وترمب”.. خيوط المعضلة الدبلوماسية

التاريخ والوقت : الإثنين, 29 أبريل 2019

ستيفن ر. ناجي

 

إن جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” لواشنطن واللقاء مع الرئيس ترمب، سيكون – بلا شك – خطة كاملة. وسيُرَكِز لقاء الزعيمين الياباني والأميركي على مناقشة مجموعة من الموضوعات، مثل: مشكلة نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، والتجارة الثنائية، والتعاون الأمني​​، والزيارة المرتقبة للرئيس ترمب لليابان للقاء الإمبراطور الجديد في مايو المقبل، والمشاركة في قمة “مجموعة العشرين” في يونيو. ومن المحتمل أيضًا التطرق للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك المخاوف المُثارة حول جهود الصين في نشر تكنولوجيا “الجيل الخامس” التي تُؤثِّر سلبًا على النمو الاقتصادي والاستقرار في اليابان.

وسيكون رئيس الوزراء “آبي” في مهمةٍ دبلوماسيةٍ صعبةٍ. إذ تقع عليه مهمة توصيل مخاوف اليابان بشأن بعض سياسات الإدارة الأميركية دون إثارة رد فعل سلبي من جانب الإدارة الأميركية. فهناك انطباعات ذات تأثيراتٍ سلبيةٍ يمكن أن تلعب دورًا كما رأينا خلال قمة “مجموعة السبع” في كندا في عام 2017، التي وقَعَ فيها رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو” ضحيةً لهجوم تغريدة للرئيس ترمب وما تلاه من توتر العلاقات الثنائية. وبالتالي يمكن القول بأن الخلاف بين الجانبين ساهم في دعم التكتيكات المستخدمة لدفع كندا إلى توقيع اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية “نافتا”  NAFTA.

أمَّا على الجبهة الأمنية اليابانية، فإنها باتت في وضع جيد؛ فقد رحبت واشنطن بزيادة التعاون داخل التحالف الياباني الأميركي في دفع رؤية “الهند الحرة”؛ وهو ما من شأنه تقليل احتمالات مواجهة رئيس الوزراء الياباني بغضبٍ من الرئيس ترمب خلال المناقشات المتعلقة بالأمن.

فالدوريات المكثفة بمحيط بحر اليابان الجانبي، بما في ذلك التدريب المشترك مع الولايات المتحدة، وتعميق التنسيق مع أستراليا، والضغط الناجح الذي تقوده اليابان على القوى الواقعة خارج المنطقة، مثل: فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، لزيادة وجودها في الهند والمحيط الهادئ؛ كل ذلك كان بمثابة مهمةٍ راميةٍ لمواجهة بعض الانتقادات التي يواجهها “آبي” من خلال تقاسم الأعباء التي تلقيها عليه إدارة ترمب.

لقد خلقت مراجعة الإرشادات الخاصة ببرنامج “الدفاع الوطني الياباني” (NDPG) أيضًا علاقة تحالفٍ أكثر توازنًا من خلال زيادة قابلية التشغيل بين القوات اليابانية والأميركية، والاستثمار في التكنولوجيا بهدف تعزيز المرونة في العديد من المجالات، إذ يعزز ذلك قدرتهما على الدفاع عن مصالحهما في المحيط الإقليمي.

لقد كانت الحركة الدبلوماسية تجاه كوريا الشمالية متماسكة بشكل عزز العلاقات بين “طوكيو” و”بيونج يانج”. لكن على النقيض، برز تأثير بعض أصحاب المصالح، فظلت اليابان داعمة بشكل علني وصريح للنهج غير التقليدي الذي تتبعه الإدارة الأميركية لإجبار كوريا الشمالية على نزع السلاح النووي. ذلك أن واشنطن تحتاج إلى المزيد من الشركاء مثل اليابان إذا كانت تأمل في التوصل إلى حل حقيقي للتحدي الكوري الشمالي.

وفي حين أن التعاون الأمني ​​كان في أغلب الأحيان بدون احتكاك، فإن شعار “أميركا أولاً” الذي تبناه الرئيس ترمب، يعني أنه سيواصل الدفع باتجاه اتفاقية تجارة حرة ثنائية مع اليابان. وهنا، ربَّما تستفيد “طوكيو” من استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إذ قد يركز الممثل التجاري الأميركي وفريقه على تحقيق نتيجة إيجابية في المفاوضات الأميركية – الصينية من أجل الدخول في مفاوضات جادة مع اليابان.

والواضح أن اليابان تُفَضِّل عقدَ اتفاقية تجارية بشأن السلع فقط، لكن الولايات المتحدة أكثر ميلاً لتوسيع نطاق تلك الاتفاقية لتشمل الخدمات، وهو ما عالجته الاتفاقية الحالية بين “طوكيو” و”واشنطن”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القواعد الصارمة حول دور الشركات المملوكة للدولة، وحقوق الملكية الفكرية، وقوانين العمل والبيئة، لها دور قوي جدًا في تعزيز مكانة الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ والهندي، وكذلك معالجة العديد من القضايا الرئيسة لمخاوف الولايات المتحدة من الصين.

وفي المقابل، تسعى إدارة ترمب لإبرام اتفاقية شاملة تغطي مجموعة من المجالات، مثل: السلع والخدمات والاستثمار والعملات، وكذلك الزراعة والسيارات. وبالإصرار على هذا النهج ، فإن إدارة ترمب ستفتح أبوابها أمام مفاوضات مطولة من شأنها أن تكسر الثقة في العلاقة الثنائية، لكن الواضح أن ذلك يبدو مستبعدًا على المدى القصير.

لقد أظهرت اليابان باستمرار ميلها للاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، مثل اتفاقية “الشراكة عبر الأطلنطي والهادئ” TPP 11؛ وهو ما يعدُّ دليلاً آخر على الجهود المستمرة التي تبذلها اليابان لتحقيق “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” (RCEP) التي تضم الصين والهند.

وخلال اجتماعاته مع الرئيس ترمب بشأن التجارة، يتعين على رئيس الوزراء “آبي” تقديم خيارات للبيت الأبيض تُثبِت التزام اليابان بالتعامل مع العجز التجاري والحد منه من خلال شراء الأسلحة أو الطاقة.

لقد أضرَّ قرار الرئيس ترمب الانسحاب من اتفاقية “الشراكة عبر الأطلنطي والهادئ” بالمزارعين الأميركيين، إذ تمكَّن الأستراليون والكنديون، وكذلك المزارعون النيوزيلنديون، من الاندماج بسرعة في السوق اليابانية. وباستثناء انتهاك قواعد منظمة التجارة العالمية، يتعين على اليابان إيجاد وسيلة لتخفيف بعض الضغوط الواقعة على المزارعين الأميركيين أيضًا.

وينبغي أن يشمل أي تنازل من جانب اليابان إلغاء التعريفات الجمركية العقابية على الصُلبِ.

ثم إن آثار الارتداد على الاقتصاد الياباني في أعقاب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتحديات التي ستواجهها اليابان إذا ما قامت الصين والولايات المتحدة بتطوير شبكات منفصلة تنتمي إلى “الجيل الخامس” بشكل متميز، في حاجة أيضًا إلى إبرازها في المناقشات بين “طوكيو” و”واشنطن”.

إن إطالة أمد الحرب التجارية أو تكثيفها يمكن أن يعرقل النمو الاقتصادي الذي تتمتع به اليابان على مدى السنوات القليلة الماضية، كما أن ذلك من شأنه إضعاف قدرتها على إيجاد الشريك الذي اعتادت الولايات المتحدة عليه. وبالتالي ينبغي أن تُنقَل هذه الرسالة بوضوح إلى الرئيس ترمب. فاليابان والولايات المتحدة يحتاج بعضهما إلى بعض.

أخيرًا، فمن المتوقع أن تكون زيارة رئيس الوزراء الياباني لواشنطن بمثابة فرصة لليابان للتواصل مع البيت الأبيض والولايات المتحدة عمومًا، وذلك بالنظر إلى عمق علاقاتهما الثنائية؛ فالرئيس ترمب سيكون أول زعيم أجنبي يلتقي الإمبراطور الجديد في وقت ما أواخر مايو؛ وهو ما يكتسب قدرًا من الأهمية، لأنه يحاول تدعيم العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان في فترة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، وذلك على مستوى الكيفية التي تدير بها الولايات المتحدة بشكل تقليدي السياسة الخارجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كما أن ترمب سيعود إلى اليابان في يونيو لحضور قمة مجموعة العشرين لأوساكا التي تحظر المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة أو أي خطأ في الاجتماع الأخير لرئيس الوزراء “آبي” مع الرئيس ترمب منذ فترة حكم الإمبراطور “هيسي”.

فمحادثات “آبي – ترمب” لن تكون سهلة. رغم ذلك، فإنه من خلال التركيز على المصالح المشتركة والتعاون والإنجازات التي حققتها الولايات المتحدة واليابان خلال إدارة ترمب، قد تتمكن “طوكيو” من تجنب تجارب القادة الدوليين الآخرين في لقاءاتهم مع الرئيس ترمب.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر