سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
شهدت تركيا، أخيرًا، اثنين من التطورات التي تشير إلى أزمة سياسية في طريقها إلى مزيد من التعمق.
تمثل أول تلك التطورات في الخطاب الذي أدلى به “دولت بهجلي”، زعيم الحركة القومية اليمينية المتطرفة، والمتحالف مع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ قال “بهجلي” إن إعادة انتخاب رئيس بلدية إسطنبول، التي فاز بها مرشح المعارضة الرئيسية، والمنتمي إلى تيار يسار الوسط، “أكرم إمام أوغلو”، كانت بمثابة مسألة بقاء وطني. فقد كان خطابه مكتوبًا بأسلوب عنصري ومعادٍ للديمقراطية؛ إذ قال فيه إنه ينبغي ألا يتخلى عن أعدائه حتى لو فازوا في الانتخابات وانتقدوا “إمام أوغلو” بسبب تحيته للأرمن واليونانيين. وقد أراد “بهجلي” من ذلك بوضوح أن تتبنى الدولة موقفًا قوميًا وسلطانيًا.
أمَّا التطور الثاني، فقد تمثل في محاولة اغتيال زعيم حزب الشعب الجمهوري، “كمال كليجدار أوغلو“، أثناء تشييع أحد الجنود الذي قُتل في أثناء المعارك ضد المسلحين الأكراد.
وبالنظر إلى هذين التطورين، يمكننا تحليل الوضع الحالي للسياسة التركية. فالنظام السياسي التركي يعاني من خلل وظيفي بدرجة كبيرة؛ إذ فشل النظام الرئاسي الذي تمَّ تبنيه بعد الانتخابات العامة التي أجريت في يونيو الماضي، في توفير نموذج فعَّال للحكم. وقد شهدت البلاد فوضى على كل مستوى حكومي، وهو ما يعود إلى غياب الحكومة الفعالة، بل إن الوزراء أنفسهم فقدوا أهميتهم إلى درجة كبيرة.
وبجانب الأزمة الإدارية، تواجه تركيا مشكلةً أخرى بالغة الخطورة، تتمثل في الأزمة الاقتصادية التي أصابت الرئيس بالشلل تقريبًا. ذلك أنه من غير المرجح أن يكون “أردوغان” قادرًا على تحقيق انتعاش اقتصادي في المدى المنظور.
وكان “أحمد داود أوغلو”، رئيس الوزراء السابق، ورئيس حزب العدالة والتنمية، قد نشر بيانًا انتقد فيه أردوغان بشدة. وقبل بضعة أيامٍ واجه حزب العدالة والتنمية تحذيرات شديدة من جانب “عبدالله جول” الرئيس السابق ومؤسس الحزب الحاكم. كما أنه من المحتمل أن يتجه “أوغلو” و”غول” لتأسيس حزبٍ بديل بقيادة شخصيات قيادة سابقة في حزب العدالة والتنمية، وهو ما يمثل ضربة قوية لـ”رجب طيب أردوغان”.
بالإضافة إلى الهزيمة التي مُنِي بها أردوغان في الانتخابات المحلية والسياسة الخارجية والاقتصاد، يواجه مشاكل في قيادة دائرته الانتخابية.
وبالنظر إلى هذه المشاكل العميقة والمتجذرة، فإن الرئيس التركي يقف بصدد عدد محدود من الخيارات.
ربَّما يجادل البعض بأن الرئيس سيقود طريقًا نحو التطبيع السياسي. إلا أن مثل هؤلاء يجادلون بأن أردوغان قد يستقيل من قيادة حزب العدالة والتنمية لاستعادة الدعم الشعبي كرئيس غير حزبي.
وهي التطورات التي لا تبدو سعيدة بالنسبة لقطاع كبير من المجتمع التركي.
لكن اتجاهات أردوغان نحو التطبيع، واستقالته من الحزب ربَّما لا تساعده، طالما استمرت الأزمة الاقتصادية، بما يترتب عليها من ضعف في الدعم الشعبي الذي يتلقاه أردوغان.
وتمثل المشاكل الاقتصادية أكبر التحديات التي تهدد مستقبل أردوغان السياسي؛ فإذا فقد الأمل في تعافي الاقتصاد سريعًا، فإن توجهاته نحو التطبيع لن تواجه بالقبول من أحد، إذ إن ذلك لن يساعد استراتيجية البقاء في المشهد السياسي التي يسعى إليها أردوغان.
ولعل ذلك ما يقودنا إلى الخيار الثاني، الذي يتمثل في المزيد من السياسات الاستبدادية. وهو ما يردده “دولت بهجلي”، حليف أردوغان، حينما يشير إلى السيطرة على البلاد ويقول بأن تركيا في حالة أزمة عميقة لا ينبغي الاعتراف بها حتى على مستوى نتائج الانتخابات.
ولا يعد “بهجلي” وحده ممن يدعون إلى تبني سياسات استبدادية أكثر راديكالية. فهناك أيضًا تيار راديكالي بداخل حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه. حتى إن بعض الشخصيات البارزة في حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية لم يخجلوا من تأييد الغوغائيين الذين هاجموا “كمال كليجدار أوغلو” زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض.
ويبدو أن الخطاب القومي الاستبدادي قد أصبح مهيمنًا على حزب العدالة والتنمية. ويمكن اعتبار بيان “بهجلي” بمثابة توجه عام للقومية المتطرفة لتصبح الأيديولوجية السائدة في تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية. وهو التوجه الذي يستخدمه أردوغان وغيره من الشخصيات البارزة بحزب العدالة والتنمية.
وبينما أصبحت تركيا بالفعل دولة استبدادية، فإن المزيد من الخطوات في هذا الاتجاه ستعني أنها تفقد عناصر الديمقراطية تمامًا. كما لا يوجد مجال لمزيد من الاستبداد في تركيا. ومن ثّمَّ، فهناك خطوات قليلة أخرى في هذا الاتجاه تتمثل في إعلانه نظامًا لا مكان فيه لشيء حتى للانتخابات.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أحوال تركية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر