سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تحليل/ قدري غورسيل
لعب “حزب الشعوب الديمقراطي” (HDP)، الذي يتمتع بأغلبية كردية، وتعرَّض لقمع حكومي شديد منذ عام 2015، دورًا حاسمًا في خسارة حزب العدالة والتنمية للمدن الكبرى، ومنها إسطنبول التي لها أهمية كبيرة بالانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس الماضي. وكجزء من استراتيجيته السياسية غربي البلاد، أحجم “حزب الشعوب الديمقراطي” عن المشاركة في الانتخابات البلدية بالمدن الكبرى، مثل: إسطنبول وإزمير وأضنة والعاصمة أنقرة. ومن المفارقات، أن غياب “حزب الشعوب الديمقراطي” عن صناديق الاقتراع مثَّل طريقة متبعة لديه لإثبات وجوده السياسي ووزنه.
وقد كان الهدف من عدم مشاركة “حزب الشعوب الديمقراطي” في المدن الكبرى، التعجيل بهزيمة حزب الرئيس رجب طيب أردوغان. ولكن لتحقيق ذلك الهدف، كان على الحزب أن يفعل شيئًا آخر، وهو حشد مؤيديه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لصالح “تحالف الأمة”، الذي يقوده “حزب الشعب الجمهوري” المعارض الرئيسي (CHP).
ووفقًا لعدد الأصوات التي أظهرتها النتائج في إسطنبول في صباح الأول من أبريل، حصل مرشح “حزب الشعب الجمهوري” “أكرم إمام أوغلو”،Ekrem Imamoglu، لمنصب رئيس البلدية على المرتبة الأولى بنسبة 48.8٪ من الأصوات، أو حوالي 4.174,000صوت صوت من إجمالي 8.860.000 صوت صحيح. وقد تفوَّق على مرشح حزب العدالة والتنمية “بن علي يلدريم” بنحو 21 ألف صوت، وقد حصل “يلدريم” على 4,149,000 صوت بما يعادل 48,55٪ من الأصوات.
وقد توافق عدد وحصة أصوات “إمام أوغلو” مع الكتل المتحالفة (حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الخير) في إسطنبول بالانتخابات البرلمانية منذ تسعة أشهر.
وكان إجمالي ما حصل عليها الأحزاب الثلاثة وقتها 46٪ من الأصوات، أو حوالي 9,340,000 صوت من إجمالي 9,438,000 صوت صحيح في استطلاعات الرأي التي أجريت في 24 يونيو. ومن حيث مساهمة، كل حزب فقد كان لـ”حزب الشعب الجمهوري” 26٪، وكانت حصة “حزب الخير” 7%، أمَّا “حزب الشعوب الديمقراطي” فقد حصل على 12%، أي ما يعادل حوالي 1,146,000صوت.
وعلى غرار انتخابات العام الماضي، فقد خاض “حزب الخير” الانتخابات المحلية تحت مظلة “تحالف الأمة”. وقدم دعمه لمرشح “حزب الشعب الجمهوري”، الشريك الرئيس في التحالف، الذي بمنصب رئيس بلدية. لذلك، يمكن ملاحظة العامل الوحيد الذي غيّر الأوضاع بالنسبة للأحزاب الثلاثة في هذه المرة، وعزز فرص فوز “إمام أوغلو”، هو “الحزب الديمقراطي الاشتراكي” الذي كان مشاركًا في التنافس، وتمكّن من حشد ناخبيه لدعم مرشح “حزب الشعب الجمهوري”.
لقد كان الرئيس السابق لـ”حزب الشعوب الديمقراطي”، “صلاح الدين دميرطاش”، أحد القوى الدافعة للإقبال الكردي الذي ساعد على قلب التوازن ضد حزب العدالة والتنمية، والذي ظل مؤثرًا جدًا رغم أنه بقي خلف القضبان مدة عامين ونصف. ففي رسالة بثها عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في 29 مارس الماضي، ناشد “دميرطاش” أنصار “حزب الشعوب الديمقراطي” بالتصويت بشكل استراتيجي، إذ قال في هذه الرسالة “أنتم الملوك المباشرين لهذه الانتخابات”، وأضاف: “لدينا فرصة تاريخية في متناول اليد لإظهار نفوذنا الحاسم، ليس فقط في المدن الواقعة جنوب شرق البلاد التي سنستعيدها من الأمناء، لكن في كافة أنحاء البلاد. إن الأصوات الاستراتيجية التي أدلينا بها في المدن التي لم يكن لدينا فيها مرشحون ستثبت قوتنا”.
لقد كان الأمناء الذين أشار إليهم “دميرطاش” عاملاً رئيسًا آخر دفع الناخبين من “حزب الشعوب الديمقراطي” إلى صناديق الاقتراع لمعاقبة الحكومة.
فخلال حالة الطوارئ التي أعقبت محاولة الانقلاب عام 2016، عينت أنقرة أمناء لـ 94 إدارة محلية في شرق وجنوب شرق البلاد، ما أدى إلى عزل رؤساء البلديات الأكراد الذين شاركوا في الانتخابات تحت مظلة حزب “السلام والديمقراطية”، بسبب صلات مزعومة مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي تعتبره السلطة منظمة إرهابية. وقد كان من بين تلك الإدارات 10 عواصم إقليمية، وثلاث عواصم حضرية.
إلى أن انتهى الأمر بسجن 99 من رؤساء البلديات المعزولين، وكان جميعهم قد ترأسوا إدارات محلية في عواصم الولايات، والمناطق والولايات الصغيرة، بتهم تتعلق بالإرهاب. وقد ظل 50 منهم في السجن حتى شهر ديسمبر. وبموجب قانون الطوارئ اُعتقل الآلاف من أعضاء “حزب الشعوب الديمقراطي”، فضلاً عن 16 برلمانيًا من الحزب نفسه، لا يزال 9 منهم خلف القضبان.
وباختصار، فقد أدى الشعور العميق بالإيذاء إلى تحفيز الناخبين من “حزب الشعوب الديمقراطي”؛ للإقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية. وفاز “حزب الشعوب الديمقراطي” بـ 50 من أصل 73 من مقاعد بلديات المدن والمحافظات التي تم تسليمها إلى الأمناء. أمَّا المقاعد الأخرى فقد فاز بها حزب العدالة والتنمية، باستثناء “تونشيلي”، حيث فاز فيها مرشح الحزب الشيوعي “فاتح محمد ماوغلو”.
لقد كان الاستفتاء الذي أُجري في 31 مارس خسارة كبيرة لسلطة أردوغان في المدن الكبرى وذلك نتيجة للتوافق بين ناخبي المعارضة، إذ كانت المبادرة السياسية لـ”حزب الشعوب الديمقراطي” مؤثرة جدًا. وقد فشلت الحكومة في التغلب على هذه الضربة القاسية، رغم خطابها في الحملة الانتخابية المتكررة الذي تواصل يومًا بعد آخر من قِبَل أعضائها عبر وسائل الإعلام الذين اتهموا “تحالف الأمة” بأنه على صلة مع “حزب العمال الكردستاني”؛ ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين:
أولاً، تراجعت قضية الإرهاب في جدول أعمال تركيا عام 2018 نتيجة للتراجع في أنشطة “حزب العمال الكردستاني” منذ عام 2017. وكذلك تراجع أهمية قضية “حزب العمال الكردستاني” والإرهاب لدى الشعب بسبب المشاكل العديدة، مثل: البطالة المتزايدة، وارتفاع الأسعار، والأزمة الاقتصادية، التي باتت في مقدمة المخاوف بشكل تجاوز غيرها من القضايا إلى حد بعيد.
ومع تغيير الأوضاع رأسًا على عقب، فإن الدعاية التي تبنتها الحكومة والرؤية التي كان مفادها أن المعارضة كانت تتعاون مع الإرهابيين لم يكن لها أي تأثير يذكر.
ونتيجة لعدم قدرتها على خلق تصور معين للتهديد، فشلت الحكومة في إقناع ناخبيها الساخطين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع وإثناء ناخبي المعارضة اليمينية عن دعم مرشحي “حزب الشعب الجمهوري”، وقد ثبت أن الرواية التي قدمتها الحكومة بشأن الانتخابات كانت على درجة من التخبط.
ثانيًا،ارتبط الأمر بوجود اعتراضات أميركية حالت دون أي عملية عسكرية تركية ضد “وحدات حماية الشعب” المرتبطة بـ”حزب العمال الكردستاني” في الشرق من نهر الفرات في سوريا قبل الانتخابات، إذ إن لهذه العملية دورًا في إثارة المشاعر القومية التي ألقت بظلالها على المشاكل الاقتصادية مع إعطاء مصداقية للتهديدات المزعومة “للبقاء” على المستوى الوطني، وربَّما تعويض فقدان الحكومة للدعم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المونيتور
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر