“تركيا” وطن الحريات المسلوبة | مركز سمت للدراسات

“تركيا” وطن الحريات المسلوبة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 12 مارس 2019

“أردوغان” راعي الإرهاب.. اعتقل القضاة والصحفيين وسجن النساء

 

محمد عيسى

 

1- أنشأ محاكم خاصة لتكون أداة قنص لكل من يراه خطرًا على سياسته

2- الصحفيون المعتقلون في تركيا يمثلون نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم

3- مجمع حقوقيي إنجلترا وويلز وإسكتلندا وشمال إيرلندا تُعرب عن قلقها من الفصل التعسفي للقضاة ووكلاء النيابة

4- رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية يطالب أردوغان بإخلاء سبيل المحامين وتمكينهم من ممارسة عملهم

عندما تتراجع الحريات، ويصبح السجن مصير كل معارض، أو صاحب رأي، فأنت إذًا في قبضة الخوف. وعندما تنتهك الحقوق، ويتم تغييب القانون وتتحكم الاعتبارات الشخصية في إصدار الأحكام، فأنت أمام نظام حكم غير مسؤول لا محالة. وعندما تتعرض النساء لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد، خصوصًا نساء الأقليات الاثنية، فأنت في دولة تحولت إلى سجن كبير للحريات.. هذه هي الحال التي وصلت إليها تركيا في السنوات الأخيرة، وتلك هي الحقيقة الموثقة بالأرقام وتستند مصادرها، إلى تقارير منظمات دولية وتركية أيضًا، فضحت كل ما يجري هناك.

في تقرير بعنوان “انهيار دولة القانون”، صدر في مايو 2018، عن مركز “نسمات” للدراسات الاجتماعية والحضارية التركي، جاء في مقدمته أن هناك في تركيا، ما يشبه الإجماع لدى الحقوقيين والمحللين على تراجع الديمقراطية بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، في ظل رئيس – على حد وصف التقرير – لا يتوانى عن تهديد منظومة القضاء الجنائي، إذا ترددت في إصدار قرارات، وأحكام تقضي باعتقال معارضيه، حتى أصبح يوجد في سجونه نحو 50 ألف معتقل، منهم قضاة، ونواب عموميون، ومدرسون، وأطباء، وعمال نقابات.. كلُّ هؤلاء تمَّ اعتقالهم خلال عام 2017، إضافة إلى ما يقرب من 150 ألف موظف، تمَّ فصلهم من وظائفهم دون إجراء أي تحقيق إداري أو سبب قضائي.

 وفي تقرير أعدته اللجنة البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE) بعنوان (ضمان تأمين اتصال المحتجزين بالمحامين)، أعربت فيه عن قلقها إزاء الوضع الحالي في تركيا، وجاء في التقرير على لسان الصحفية “مارياتا كارامانلي” من فرنسا: “بغض النظر عن الضغوط التي يتعرض لها المحتجزون، وسوء معاملتهم، فإن أكثر ما يقلق هو عدم قدرتهم على إيجاد محامي دفاع يمثلهم أمام المحكمة”.

وسجلت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حالات التعذيب في السجون التركية، وتقول المحامية: “كان العنف والتعذيب في كل مكان، ولم يكن ضباط الشرطة سعيدين لرؤيتي على الإطلاق، وكانوا يقولون: لِمَ يحتاج هؤلاء إلى محامٍ؟”. كذلك صارت مداهمة مكاتب المحامين، والقبض عليهم أمرًا سهلاً، بعد أن كانت الحصانة القانونية تمنع ذلك.

القبض على المحامين

 وأرسل رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية “ميتشل بينتشو”، خطابًا للرئيس رجب طيب أردوغان، طالب فيه الحكومة التركية باتخاذ الخطوات اللازمة، لإخلاء سبيل المحامين المحتجزين، وتمكينهم من ممارسة عملهم، وتمثيلهم لموكليهم أمام القضاء.

وفي السياق ذاته، وجهت النقابة الفيدرالية الألمانية للمحامين، انتقادات لاذعة لاحتجاز العاملين في مجال القانون، وأرسل رئيس النقابة “أكهارت سكافر”، خطابًا لوزير العدل التركي “بكير بوزداغ”، أعلن فيه عن قلقه الشديد تجاه إغلاق مؤسسات المجتمع المدني واعتقال المحامين. وكذلك توجَّه “أندريه ماتشرين”، رئيس النقابة الوطنية الإيطالية، بخطاب رسمي إلى وزير العدل التركي، انتقد فيه الأعمال غير القانونية التي تمارسها الحكومة ضد المحامين.

وأعرب كل من مجمع حقوقيي إنجلترا وويلز ونقابة المحامين، ومجمع حقوقيي إسكتلندا واللجنة العامة لنقابة المحامين، ومجمع حقوقيي شمال إيرلندا ونقابة محامي إيرلندا، عن قلقهم الشديد إزاء تردِّي الأوضاع في تركيا، لا سيَّما الفصل التعسفي لنحو 4.4 ألف قاضٍ ووكيل نيابة. وأكد المحامون البريطانيون المبدأ الذي قررته الأمم المتحدة المتعلق بـ”استقلالية القضاء”، ومبدأ الأمم المتحدة الذي ينص على “أهمية دور المحامين”، وطالبوا بإعادة القضاة الذين تمَّ فصلهم تعسفيًا إلى عملهم، وكذلك وكلاء النيابة، وإخلاء سبيل المحامين المحتجزين.

 فصل واعتقال القضاة

 وتعددت أشكال الضغوط على الجهاز القضائي برُمَّته، حسب تقرير مركز “نسمات”، ما أفقده استقلاله ونزاهته، وحولته إلى جهاز خاضع للسلطة التنفيذية عبر وسائل وآليات متعددة وممنهجة، بدءًا من عام 2013، بعد الكشف عن فضائح الفساد المالي الضخم الذي طال عددًا من الوزراء وأبنائهم في النظام الحاكم، حتى بلغ ذروته عام 2016، التي مكنت النظام التركي الحاكم من تنفيذ كل أجندته، وقد تمَّ له كل ما أراد من خلال  ممارسات الفصل التعسفي للقضاة ووكلاء النيابة واعتقالهم، فأكثر من 4.4 ألف قاضٍ ووكيل نيابة تمَّ فصلهم تعسفيًّا من وظائفهم، وما يقارب الثلثين منهم شطبت عضويتهم من النقابة في 16 يوليو 2016، وهو اليوم التالي لأحداث يوليو 2016، وجمدت الدولة حساباتهم البنكية قبل أن توجه إليهم أي اتهامات، وقامت الحكومة التركية بفصل أزواجهم أو زوجاتهم من العاملين والعاملات في القطاع الحكومي، واستولت على مدخراتهم وممتلكاتهم، ورفعت الحصانة عن القضاة.

لقد أدت هذه الممارسات القمعية إلى احتجاج دولي كبير، فخبيرة الأمم المتحدة “مونيكا بينتو”، ومفوض الأمم المتحدة لاستقلال القضاء “كريستوف هاينس”، ومفوض الأمم المتحدة عن التعذيب وسوء معاملة المسجونين “دافيد كاي”، ومفوض الأمم المتحدة عن حرية التعبير “ستوندجي رونالد”، و”جين بابتيست ادجوفي”، طالبوًا جميعًا تركيا باحترام حرية القضاء ومبادئ القانون، لا سيَّما وقت الأزمات.

هناك شبه إجماع من المتابعين لما يحدث في تركيا، حسب تقرير “نسمات”، بأن القضاة يقبعون تحت ضغط عام وضغط خاص من أردوغان، وأن القاضي الذي يعارض القرار الموجه إليه من أردوغان يصبح مستهدفًا، وعرضة للاعتقال والحبس، وأن من يخضع لما تمليه عليه الحكومة من أوامر – وإن كانت مخالفة للإجراءات القانونية المتبعة – يتم مكافأته وترقيته.

كذلك تمَّ اعتقال القاضي “سليمان كراجول”، الذي شارك في تحقيقات الفساد المالي الشهيرة في 25-17 ديسمبر 2013، بذريعة عضويته في جماعة إرهابية وسعيه إلى قلب نظام الحكم.

وقد وجهت مفوضية “فينسيا” انتقاداتها لتركيا لاعتقالها قضاة شاركوا في واحدة من أهم قضايا الفساد المالي، وقالت المفوضية: “إن الحكومة لم تفشل فقط في تطبيق القرارات القضائية النافذة والصحيحة قانونًا التي صدرت من قضاة ووكلاء نيابة، بل تمادت في فشلها كذلك عندما اعتقلتهم مما يعد إجراء غير طبيعي وغير مفهوم”.

المحاكم التركية

لم تسلم المحاكم التركية، وقوانينها التي تنظمها، من انتهاكات السلطة الحاكمة، سواء قبل أحداث يوليو 2016، أم بعدها؛ فحسب تقرير مركز “نسمات”، فقد تمَّ استحداث محاكم خاصة عينت السلطة الحاكمة أعضاءها من موالين لها، ووظفت حالة الطوارئ التي فرضت على البلاد في إصدار حزمة من القرارات والمراسيم التي حدت من صلاحيات السلطة القضائية، وزادت من خضوعها للسلطة التنفيذية.

وبالفعل تمَّ تأسيس هذه المحاكم، وبدأت عملها في 28 يونيو 2014. ثم صرح أردوغان بعدها قائلاً: “والآن تبدأ الإجراءات القضائية، هذه الإجراءات ستقوم بها محكمة الصلح الجزائية”. وبالفعل أصبحت تلك المحكمة أداة لقنص كل من يراه أردوغان خطرًا على سياسته، أو من تسول له نفسه بانتقاده. وتخضع قرارات هذه المحكمة لهيمنة السلطة التنفيذية مباشرة.

وجاء في تقرير أعدته مفوضية “فينسيا”، أن الحكومة التركية قامت بتوسيع سلطاتها التنفيذية وبسط سلطتها على المنظومة القضائية، بما يتعارض مع الدستور التركي والقانون الدولي، وأشارت إلى أنه حتى في أثناء حالة الطوارئ هناك حقوق لا يمكن انتهاكها.

أكبر سجن للصحفيين

ولم تكن حرية التعبير في تركيا أفضل حالاً مما تعرض له المحامون والقضاة، منذ محاولة أحداث يوليو 2016، فطبقًا لتقرير مركز “نسمات”، الذي يحمل عنوان (تركيا أكبر سجن للصحفيين)، يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة، إحالات إلى التحقيق الجنائي، وملاحقات قضائية، وألوانًا شتى من الترهيب والمضايقة والرقابة المستمرة، وتمَّ إغلاق 189 وسيلة إعلامية على الأقل، بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة على البلاد. فالرسالة التي أرادت السلطات إيصالها، وما ترتب عليها من تأثير على وسائل الإعلام واضحة ومقلقة؛ إذ إن شدة القمع الذي تمارسه الحكومة في حق وسائل الإعلام، جعلت البعض يصفون ما يحدث بأنه “موت الصحافة”.

وبهذا أصبحت تركيا من أسوأ دول العالم من حيث التعامل مع الصحفيين، إذ صنفها الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم للعام الثاني على التوالي، فالصحفيون المعتقلون في تركيا يمثلون نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم. وقد جاءت طبقًا لمؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” أبريل 2018 في الترتيب 157 من بين 180 دولة.

ويسلط تقرير “نسمات” الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الأتراك من اعتقالات ومحاكمات وتهديد ونفي وتشريد إجباري من البلاد ومصادرة ممتلكات وأوضاع معيشية صعبة، وما يواجهونه من مضايقات عديدة، بدرجة جعلت من تركيا دولة لا تحترم حرية مواطنيها، وخصوصًا حرية الإعلام.

منذ صبيحة 15 يوليو 2016 حتى الآن، وحسب تقرير “نسمات”، يقبع في السجون 319 صحفيًّا معتقلاً، وصدرت مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين في خارج البلاد. وخلال عام 2017 المنصرم تمت محاكمة 839 صحفيًا، على خلفية تقارير صحفية أصدروها، أو شاركوا في إعدادها، طبقًا لما أوردته مؤسسة الصحفيين الأتراك.

ويأتي الصحفيون المحتجزون في السجون من خلفيات ثقافية مختلفة، ولكن الصفة المشتركة بينهم جميعًا أنهم معارضون للحكومة، وقد تمَّ اتهامهم بانتمائهم لمنظمة إرهابية أو أكثر.

أمَّا عن وسائل الإعلام التي أُغلقت، فمجموعها حتى الآن 189 وسيلة إعلامية مختلفة، فضلاً عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والعلوية المستقلة، هذا بخلاف حجب 127 ألف موقع إلكتروني، و94 ألف مدونة على شبكة الإنترنت.

الخوف سيد المشهد

 إن 85% من الصحفيين والإعلاميين القابعين الآن في السجون التركية، تمَّ اعتقالهم في يوليو 2016، بتهم لا أساس لها. وفي تعبيره عن مناخ الرعب والخوف الذي يسيطر على البلاد قال “تشاغداش كابلان”، رئيس تحرير البوابة الإخبارية الإلكترونية “جازيته كارينجه”: “العمل تحت التهديد المستمر بالاعتقال والإدانة يجعل الحياة في منتهى الصعوبة”.

وتقول “جاوري فان غوليك”، نائب مدير برنامج أوروبا في منظمة العفو الدولية: “مع اقتراب موعد الانتخابات، تحتاج تركيا إلى وسائل الإعلام الحرة اليوم أكثر من أي وقت مضى”. وصرحت محامية حقوق الإنسان، “إرين كسكين”، لمنظمة العفو الدولية، قائلة: “لقد خيم جو من الخوف على المشهد الإعلامي، وأحاول التعبير عن آرائي بحرية، لكنني أدرك تمامًا أن عليَّ التفكير مرتين قبل التحدث أو الكتابة”. وبرغم ذلك تواجه “كسكين” حاليًا ما يزيد على 140 دعوى قضائية بسبب مقالات نشرتها.

معاناة داخل السجون

ويعاني المعتقلون بصورة عامة، أوضاعًا مزرية داخل السجون التركية، إذ تفرض السلطات قيودًا صارمة على اتصال السجناء مع محاميهم؛ وفي أحسن الأحوال، يُسمح للسجناء بلقاء محاميهم تحت المراقبة، هذا بالإضافة إلى الشكاوى من طول فترة الحبس الاحتياطي، والحبس الانفرادي، والتعذيب النفسي والجسدي، وعدم المراعاة الطبية لذوي الاحتياج من المرضى، وتكديس المحتجزين في عنابر لا تسعهم.

ويتعرض المعتقلون من الصحفيين في هذه السجون، إلى أنواع متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي، وقد تمَّ الكشف عن بعض حالاته، وهناك حالات كثيرة لم يكشف عنها بعد، ومن هذه الحالات التي تم الكشف عنها “عائشة نور باريلداك”، وهي صحفية شابة، ونسب إليها تهمة العمل في جريدة “زمان” – الأكثر توزيعًا في تركيا قبل أن يتم إغلاقها من قبل الحكومة في يوليو 2016 – إذ أرسلت رسالة من السجن لجريدة “الجمهورية” تشتكي فيها من معاناتها داخل السجن؛ فقد تعرضت للضرب والتعذيب، بالإضافة إلى تعرضها للتحرش الجنسي، حيث قالت: “لقد تم التحقيق معي لمدة ثمانية أيام، وكان التحقيق مستمرًا على مدار الساعة، المحققون كانوا سكارى، أخاف أن يتم نسياني داخل الحبس”.

وكذلك تعرَّض “عدنان كوماك”، المحقق الصحفي بوكالة “أزاديا والت الإخبارية”، الذي اعتقل في 27 سبتمبر 2016، للتعذيب من قبل الشرطة في مكان مهجور لمدة يومين، وصرح بأن ضباط الشرطة الذين اعتقلوه أشعلوا النار في بطاقته الصحفية، وصبوا البلاستيك المذاب منها على رجليه.

صحفيون في المنفى

وخلال عام 2017 وصل عدد الصحفيين الذين يواجهون خطر القبض عليهم واحتجازهم، حسب تقرير مركز “نسمات”، إلى 142 صحفيًّا وإعلاميًا، وبعضهم كان خارج البلاد بصورة طبيعية قبل 15 يوليو 2016، بينما اختبأ آخرون عند ذويهم، وقام البعض الآخر بالهرب من تركيا بطرق غير شرعية، معرضين حياتهم للخطر في سبيل حريتهم. ويوجد عدد غير قليل من هؤلاء الصحفيين ما زالوا مفقودين.

أمَّا الذين استطاعوا الهروب خارج تركيا من الصحفيين، فيؤكدون أن الدولة التركية تجمع عنهم معلومات، وتجهز بحقهم ملفات، وتحرض عليهم مجموعات من الموالين لها في الخارج. وفي مشهد آخر من المعاناة يتم حرمان هؤلاء من حقوقهم كمواطنين أتراك، إذ تقوم القنصليات والسفارات التركية العاملة في تلك البلاد التي فروا إليها بإلغاء جوازاتهم أو مصادرتها، وتحرمهم – أيضًا – من حق تجديد جوازات سفرهم المنتهية، ولا تسجل مواليدهم الجديدة، ولا تجرى معهم أية معاملة.

مأساة المرأة في تركيا

يتعرض عدد من النساء التركيات لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد داخل تركيا وخارجها، خصوصًا نساء الأقليات الاثنية، والنساء الناشطات في مجال المجتمع المدني وحقوق الإنسان؛ إذ تتخذ منهن السلطات التركية، غرضًا لكل الإجراءات التعسفية التي تمارسها فيما بعد مسرحية أحداث يوليو 2016، وذلك طبقًا لتقرير صدر في فبراير 2019، عن مركز “نسمات” بعنوان (مأساة المرأة في تركيا.. بين السجن والتشريد).

يقول التقرير إن حكومة “العدالة والتنمية” التركية قامت في أعقاب أحداث يوليو 2016، باعتقال عشرات الآلاف من النساء، (بلغ 18 ألف امرأة)، شملت كل فئات المجتمع من ربات بيوت إلى صحفيات ومعلمات وأكاديميات وطبيبات ومهنيات وسيدات أعمال، بلا أي سندٍ قانوني. وتشير أدلة موثوقة إلى أن العديد من النساء المحتجزات في أعقاب أحداث يوليو 2016، يتعرضن بصورة روتينية للتعذيب وسوء المعاملة، ويصل الأمر إلى حد الاعتداء الجنسي. وأكثر ما يدعو إلى القلق – وفقًا لـ”نسمات”- هو تعرض 1.200 مواطن من سكان شرق تركيا من النساء والشيوخ والأطفال للقتل في عمليات قامت بها قوات الأمن، في الفترة ما بين يوليو 2015 إلى ديسمبر 2016.

وتعدُّ النساء الكرديات والنساء المدافعات عن حقوق الإنسان منهن، أكثر النساء تعرضًا للقمع الحكومي، من خلال سلسلة من قرارات الطوارئ التي أصدرتها الحكومة عقب أحداث يوليو 2016، وتمَّ بصورة غير قانونية إغلاق 1.125 منظمة غير حكومية، و560 مؤسسة خيرية، و19 اتحادًا تجاريًّا نسائيًّا لسيدات الأعمال. ثم إنه خلال شهر فبراير 2018، قتلت 48 امرأة على يد رجال. وحسب تقرير آخر، قتل في خلال السنوات الثماني الماضية قرابة 2000 امرأة تركية. هذه الأرقام بحسب “نسمات” تمثل فقط الحالات التي تمَّ رصدها والتبليغ عنها، ولكن المتوقع أن يكون العدد الفعلي أكثر من ذلك، فقد أظهرت الأرقام أن نسبة ضحايا القتل من النساء خلال عام 2017 قد زادت 25% على عام 2016، ووصل عدد الضحايا من النساء المقتولات إلى 409 نسوة. وصدر تقرير في ديسمبر 2017 عن حركة النسوة الأحرار (TJA) تحت عنوان (انتهاكات حقوق المرأة داخل السجون في ظل حالة الطوارئ)، وقد ذكر التقرير أن السجون التركية المخصصة للنساء قد اكتظت بالسجينات، وفقدت قدرتها على الاستيعاب، وقامت الحكومة التركية في سابقة خطيرة بسجن النساء في السجون المخصصة للرجال، لا سيَّما بعد أن وصل عدد السجينات إلى 18ألف امرأة.

وطبقًا لدراسة إحصائية أجرتها جامعة (Kadir Has) بإسطنبول، تبيَّن أن عدد النساء اللاتي يتعرضن للعنف بصورة مستمرة ارتفع من 53% عام 2016 ليصل إلى 57% عام 2017. ويواجه الباحثون عديدًا من العقبات في رصد ما تعانيه المرأة التركية من أوضاع غير إنسانية، ويأتي على رأس هذه العقبات، إصرار الرئيس التركي “أردوغان” الدائم في خطاباته الموجهة للإعلام، على وجوب عدم ذكر أو إصدار أخبار متعلقة بما يتعرض له النساء والأطفال من عنف وتحرش.

تشريد العائلات بالقانون

ويسلط تقرير مركز “نسمات” الضوء على بعض الحالات التي وثقتها الصحافة والتقارير الإعلامية، ومنها حالة “س” الذي كان مدرسًا للتاريخ في إحدى المدارس، بعدما تمَّ فصله من وظيفته الحكومية، إذ تحكي زوجته أنه عقب حدوث مسرحية 2016 اقتحمت الشرطة البيت، وقيّدوا يديه وطرحوه أرضًا، وانهالوا عليه بالضرب في محاولة لإجباره على الاعتراف على زملاء له بأنهم إرهابيون، ثم اقتادوه بعد ذلك إلى مكان غير معلوم، وقد جعل هذا المشهد الزوجة تتساءل في حيرة وأسى عن سر هذه المعاملة السيئة من نظام كانوا يدلون بأصواتهم لصالحه في الانتخابات، ثم صار يعاملهم على أنهم إرهابيون بدون أي أدلة، وبعد خمسة أيام من البحث والتحري عن مكان زوجها توفي الزوج في محبسه.

ذوو الاحتياجات ليسوا استثناء

امرأة أخرى تمَّ توثيق معاناتها وهي “فاطمة كويون”، تبلغ نسبة إعاقتها الجسدية 80%، ويعاني زوجها – أيضًا – إعاقة بنسبة 45%، وبرغم ذلك فقد كان هذا الزوج المعاق هو السند والمتكأ الذي تعتمد عليه فاطمة في أغلب شؤون حياتها. زوج فاطمة اعتقلته السلطة التركية، ورغم الحالة الصحية التي يعانيها هو وزوجته لم ترحمه السلطات، وزجَّت به وبأخيه الأصغر في المعتقلات. وتعيش فاطمة الآن بعد اعتقال زوجها في ظروف معيشية غاية في الصعوبة، وتسكن هي وأطفالها في بيت مستأجر مع أبيها الذي يبلغ من العمر 65 عامًا، يعتمد عليهم في شؤون حياته، وليس لهم من عائل سوى ما يعطيه لهم أحد أشقاء زوجها الذي يعمل عامل إنشاءات باليومية بعد أن فقد هو الآخر وظيفته بالتُّهَم عينها.

وتمَّ القبض في نهاية مارس من عام 2018 على 70 امرأة لأنهن يُقدِّمن مساعدات مالية لعائلات المقبوض عليهم، وتمَّ توصيف التهمة بأنها تقديم مساعدات مالية لأفراد ينتمون لمنظمة إرهابية. وطبقًا للتقرير الذي أعدته “جمعية العدالة من أجل الضحايا” تحت عنوان (الخسائر الفردية والاجتماعية التي تسببت فيها حالة الطوارئ في عامها الثاني)، أظهرت نتائج استطلاع تمَّ إجراؤه على عينة من المشاركين أنه في خلال حالة الطوارئ كان يشعر 81% من المشاركين في هذه العينة بالخوف والرعب، وهم في منازلهم إذا طرق الباب أي طارق، كذلك بين التقرير أن 98% فقدوا الثقة مطلقًا بالقضاء.

وأمام الضغط النفسي والاجتماعي يحاول كثير من الرجال والنساء المضطهدين في تركيا الهرب من حالة الرعب الدائم التي يعيشونها داخل تركيا، وذلك عن طريق الهجرة غير الشرعية.

وبشكل عام، فإن النساء هن أكثر من يعانين في كل الأحوال، فهن يعانين سواء تمَّ اعتقال أزواجهن، أم هربن مع عائلاتهن، أم تعرضن للتهديد والإبعاد والاضطهاد، أو هربن ووجدن أنفسهن في بلد مختلف يتحدث لغة لا يفهمنها فيصبحن غريبات داخل أوطانهن وخارجها. وهناك قرابة 710 أطفال، 64% منهم لم تتجاوز أعمارهم 3 سنوات في السجون مع أمهاتهم، كذلك الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عامًا، أعدادهم تصل إلى الآلاف داخل السجون التركية.

أدنى مرتبة

وعمومًا، فإن تركيا التي كانت تنتظر لأكثر من عقد من الزمن أن تنتمي إلى الأسرة الأوروبية، ويمارس فيها المواطنون حقوقهم الديمقراطية والسياسية والإعلامية بكل حرية، باتت اليوم أكبر سجن للحريات وبات علماؤها ومثقفوها ونخبها وإعلاميوها، يظهرون في وسائل الإعلام مقيدي اليدين كالقتلة والمجرمين يستوي في ذلك الرجال والنساء.

وهذا التردِّي في الحقوق والحريات وضع تركيا في أدنى مرتبة بالنسبة لحقوق المرأة. فوفقًا لإحصائيات تقرير معهد (GIWPS)، فإن “تركيا قد احتلت المرتبة 105 في مجال حقوق المرأة، إذ لا تنال المرأة حقوقها وتتعرض للتمييز كثيرًا”.

وأشار التقرير – أيضًا – إلى مقولة لرئيس الدولة التركية، رجب طيب أردوغان، جاء فيها: “لا يمكنكم المساواة بين الرجل والمرأة، هذا مخالف للفطرة البشرية”. وهذا يدل على عقلية السياسة الحاكمة لتركيا تجاه المرأة.

المصدر: الأهرام العربي

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر