جولة آسيوية لولي العهد السعودي.. مرحلة جديدة من التوازنات | مركز سمت للدراسات

جولة آسيوية لولي العهد السعودي.. مرحلة جديدة من التوازنات

التاريخ والوقت : السبت, 23 فبراير 2019

عقب جولة خارجية عربية زار خلالها الأمير محمد بن سلمان، عدة دول عربية شملت البحرين ومصر والإمارات والجزائر وتونس، واستكمالاً لنجاحاته الخارجية، وخاصة الجانب المتعلق بالزيارات وحضوره قمة العشرين بالعاصمة الأرجنتينية “بيونس آيرس”، جاءت الجولة الآسيوية لولي العهد السعودي، لتكتب فصلاً آخر من المكاسب الخارجية للسياسة السعودية، فضلاً عن تعزيز مكانة المملكة، وتدشين عهد “الدبلوماسية الاقتصادية” مع دول شرق آسيا، حيث شملت الزيارة باكستان والهند والصين، وسط نتائج ملحوظة ومكاسب عدة على جميع الصُعُد.

العلاقات السعودية الآسيوية

من المعروف أن آسيا تمثل امتدادًا طبيعيًا وعمقًا استراتيجيًا للسعودية، بيد أن العلاقات السعودية الآسيوية ضاربة في الجذور، فالرياض مدركة لأهمية التعاون مع دول القارة التي تؤمن هي الأخرى بالمكانة المحورية للمملكة في المنطقة.

وتعتبر السعودية أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط، وأكبر مزود لبكين بالنفط الخام، بالإضافة إلى أن القوة الكبيرة للشريكين العالميين جعلت حجم التبادل التجاري يتخطى الـ70 مليار دولار، بل إن الصين في 2011 استطاعت أن تحلّ محل الولايات المتحدة لتصبح أكبر شريك تجاري للمملكة.

ومن اللافت أن الرياض تعدُّ أكبر مصدر للنفط الخام لليابان، فالعلاقات بين المملكة واليابان عمرها قرابة 60 عامًا، وحجم التبادل التجاري بين الدولتين يقارب 56 مليار دولار، ثم إن هناك أكثر من 80 مشروعًا مشتركًا برؤوس أموال سعودية ويابانية.(1)

ومنذ تولي العاهل السعودي الملك سلمان الحكم في بداية عام 2015، شهدت العلاقات السعودية – الآسيوية تنسيقًا على أعلى المستويات وزيارات متبادلة؛ إذ زار الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في أغسطس الماضي عددًا من الدول الآسيوية، عندما ترأس وفد بلاده المشارك في قمة قادة دول مجموعة الـ20 في بكين، قبل التوجه لليابان.

باكستان.. بداية مبشرة

المحطة الأولى لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كانت باكستان، وهو ما يبرز حجم التعاون والعلاقات الطيبة بين البلدين، وهو ما نستدل عليه من حفاوة الاستقبال الذي ناله الأمير عند وصوله للعاصمة إسلام آباد، حيث كان في استقباله رئيس وزراء باكستان السيد عمران خان، وقائد الجيش الباكستاني الفريق أول قمر جاويد باجوا، وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى باكستان نواف المالكي، وسفير باكستان لدى المملكة رجا علي خان، وفور نزول سمو ولي العهد السعودي من الطائرة أطلقت المدفعية 21 طلقة.(2)

ولعل تصدر هاشتاق “ولي العهد في باكستان”، وكذلك هاشتاق “مرحبا الأمير محمد بن سلمان”، الأكثر تداولاً على “تويتر” باكستان، للترحيب بزيارة الأمير السعودي، هو دليل مضاف على حفاوة الترحيب الشعبي إلى جانب الرسمي بالزيارة.(3)

تاريخ من العلاقات

العلاقات السعودية الباكستانية تتميز بـ”التفاهم التام” وذلك تماشيًا مع حرص قيادتي البلدين على دعمها وتعزيزها. ومن الجدير بالذكر أن البلدين قد ترجما هذه العلاقة المتميزة بتبادل كبير في الزيارات، فضلاً عن التشاور والتنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي.(4)

مكاسب ونتائج هامة

نتائج هامة ومكاسب حصدها ولي العهد السعودي من زياراته لباكستان تمثلت في:

1- لعل أهم نتائج الزيارة هو قرار البلدين إنشاء مجلس تنسيق مشترك رفيع المستوى يرأسه الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وهو ما نراه هامًا جدًا لتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات والتنسيق بين الطرفين في القضايا الأمنية المشتركة.

2- المكاسب الاقتصادية كانت حاضرة في الزيارة، وهو ما نستدل عليه من توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، التي بلغ مجموع الفرص الاستثمارية الناتجة عنها ما يتجاوز 20 مليار دولار، وهو ما سيسهم في زيادة الاستثمارات البينية وحجم التبادل التجاري بين البلدين.

3- بجانب الملفات الهامة التي ناقشها ولي العهد السعودي، كانت قضية اللاجئين الأفغان حاضرة، وهو ما اتضح من اتفاق الجانبين على أهمية تعزيز السلام في أفغانستان حتى يتمكن اللاجئون الأفغان من العودة إلى بلادهم، والمساهمة في تنميتها وتحقيق السلام الدائم.(5)

4- الحرص على مصالح الباكستانيين الموجودين في السعودية، من الموضوعات التي لم يغفلها ولي العهد السعودي في زيارته، وهو ما يتضح مما قاله رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، على حسابه الرسمي في “تويتر” الذي جاء فيه “فاز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقلوب الشعب الباكستاني عندما قال (اعتبرني سفير باكستان لدى السعودية) ردًا على طلب مني بأن تعامل السعودية العمال الباكستانيين كما تعامل أبناءها والبالغ عددهم 2.5 مليون باكستاني في المملكة العربية السعودية”.(6)

5- المساجين الباكستانيون في السعودية جنوا ثمار الزيارة أيضًا، حيث أمر ولي العهد السعودي بالإفراج عن نحو 2100 سجين باكستاني من سجون المملكة خلال زيارته لإسلام آباد.(7)

الهند.. استقبال حافل وتعزيز العلاقات

المحطة الثانية للأمير محمد بن سلمان، كانت الهند، في زيارة يمكننا وصفها بالتاريخية، وهو ما نستدل عليه من حفاوة الاستقبال الذي وجده الأمير، ولعل نشر المواقع الهندية صورًا لجناح فاخر للأمير في أكبر السلاسل الفندقية في الهند يبرز ما ذكرناه، فضلاً عن أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندار مودي، كان في مقدمة مستقبلي ولي العهد السعودي في المطار.(8)

علاقات تاريخية

العلاقات بين السعودية والهند تمتد لأكثر من 70 عامًا، أي منذ تأسيس الدبلوماسية بين البلدين التي تقوم على “المصالح المشتركة” وتعزيز التعاون، إذ تستفيد المملكة من بناء شراكة قوية مع الهند لما عند الأخيرة من قوة علمية وقاعدة صناعية وقوة استهلاكية ضخمة. ليس هذا فحسب، فالمملكة تعدُّ رابع أكبر شريك تجاري للهند بعد “الصين والولايات المتحدة والإمارات”، وهي مصدر رئيسي للطاقة؛ حيث تستورد الهند نحو 19% من الزيت الخام من المملكة، التي تعتبر من بين الوجهات الأكثر تفضيلاً للخبرات الهندية الباحثة عن عمل في الخارج.(9)

 مكتسبات عدة  

مكتسبات عدة حصدتها زيارة ولي العهد السعودي للهند وكان من أبرزها:

1- لعل استجابة الأمير لطلب رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، بإطلاق السعودية سراح 850 هنديًا من سجونها من أهم المكاسب جراء الزيارة ( فمن الجدير بالذكر أن الوافدين الهنود يمثلون نحو 19.4% من اجمالي الوافدين من المملكة.

 2- زيارة الأمير للهند التي تعدُّ الأولى من نوعها بين البلدين، حملت رؤية استراتيجية وتوقعًا لفرص استثمارية عدة، وهو ما نستشفه من قول الأمير إنه يتوقع فرصًا استثمارية تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار في الهند على مدى العامين المقبلين.(10(

3- ترحيب رئيس الوزراء “مودي” بالتغييرات الأخيرة التي بدأها ولي العهد السعودي، لتحقيق الاعتدال والانفتاح في المملكة العربية السعودية، مكسب مضاف أيضًا على الناحية الثقافية، جراء الزيارة.

4- من الملاحظ أن الجانب الاقتصادي كان حاضرًا بالزيارة أيضًا، وهو ما يؤكده توقيع الجانبينمذكرات التفاهم بشأن الاستثمار في الصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية الهندية ومجال الإسكان.(11)

 5- الالتزام بتعزيز الشراكة الاستراتيجية المنبثقة من إعلان الرياض عام 2010 ومطالبة جميع الدول برفض الإرهاب، وتفكيك بنيته التحتية، وقطع الدعم عنه، كان من المكتسبات الهامة للزيارة، وهو ما يؤكد التفاهم والتنسيق بين البلدين.(12)

الصين.. محطة أخيرة ناجحة

تتويجًا لجولة ناجحة، جاءت المحطة الأخيرة للزيارة، وهي للصين، لتكلل الجولة بالنجاح. فـ”بكين” كنظيرتيها السابقتين قد استقبلت ولي العهد السعودي استقبالاً حافلاً؛ إذ كان في استقبالهنائب رئيس المجلس الاستشاري والسياسي في الصين، “هي لي فونغ”، والسفير السعودي في بكين، تركي الماضي، والسفير الصيني لدى السعودية، “لي هوا شين”، وعدد من المسؤولين.(13)

علاقات اقتصادية قوية

العلاقات السعودية الصينية قائمة على تبادل اقتصادي كبير، إذ تمثل المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا للعام 13على التوالي، والمملكة أكبر مزود للنفط الخام إلى الصين التي تعدُّ أكبر مستورد للنفط السعودي. والصين هي المقصد الأكبر للاستثمارات الخارجية المباشرة بالنسبة للسعوديين.(14)

مكتسبات

اتفاقيات عدة وقَّعها الأمير محمد بن سلمان، مع الجانب الصيني، يمكننا إضافتها إلى مكتسبات الزيارة، إذ شملت الناحية الاقتصادية والأمن الإلكتروني ومكافحة الإرهاب والاتفاق على إدراج اللغة الصينية بالمقررات السعودية.

1- الناحية الاقتصادية: جاء توقيع اتفاقية التعاون في النقل البحري بين الحكومتين الصينية والسعودية، ومذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، واللجنة الوطنية للتنمية، ليكتب مكاسب عدة على الجانب الاقتصادي من الزيارة.

2- الأمن الإلكتروني: لعل توقيع اتفاقية بين وزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية، ووزارة الأمن العام الصينية، بشأن التعاون في مكافحة الجرائم الإلكترونية، يبرز بوضوح أهمية التعاون بين الطرفين في مجال الأمن الإلكتروني وأمن المعلومات.

3- مكافحة الإرهاب: توقيع محضر الاجتماع بشأن التعاون بين رئاسة أمن الدولة بالمملكة العربية السعودية، ووزارة الأمن العام الصينية، الذي وقّعه عن الجانب السعودي، نائب مدير عام المباحث العامة الفريق عبدالله القرني، وعن الجانب الصيني نائب وزير الأمن العام، “لين روي”، يبرز التنسيق الواضح بين الطرفين في مجال مكافحة الإرهاب ودحره.(15)

4- تعليم اللغة الصينية: مكتسبات الزيارة لم تتوقف على الجانب الاقتصادي فقط، بل كان الجانب الثقافي حاضرًا أيضًا، وهو ما يتضح من الاتفاق على البدء في وضع خطة لإدراج اللغة الصينية كمقرر دراسي في جميع المراحل التعليمية في المدارس والجامعات السعودية.(16)وهذا ما يعمل على تعزيز أواصر التعاون والتواصل في كافة المجالات، بالإضافة إلى تعزيز التنوع الثقافي للطلاب في المملكة، والذي يسهم بدور هام في بلوغ المستهدفات الوطنية المستقبلية في مجال التعليم على صعيد “رؤية السعودية 2030″، وهو ما نال ترحيبًا كبيرًا، واعتبره وزير التعليم السعودي الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، أنه يجعل التعليم السعودي مواكبًا لتوجهات الدول المتقدمة التي تعتمد في تعليمها لغتين أو أكثر بالإضافة إلى لغتها الأم، كاشفًا عن الأهداف من خطة تعليم اللغة الصينية في مدارس التعليم العام والجامعات السعودية، وفي مقدمتها تحقيق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة والصين، واقتناص الفرص الواعدة بين الشعبين، وفتح آفاق جديدة أمام الطلاب في مدارس وجامعات المملكة.

5- زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لواحد من أشهر معالم الصين، وأحد عجائب الدنيا السبع، وهو سور الصين العظيم، كان من المحطات اللافتة في الزيارة أيضًا.

نتائج هامة  

نتائج هامة حصدتها المملكة من زيارة ولي العهد السعودي للدول الآسيوية الثلاث ومن أبرزها:

1- تعزيز المكانة الخارجية للمملكة من خلال الجولات التي يخوضها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

2- تعزيز الشراكة والتعاون والتنسيق مع الدول الآسيوية التي تعتبر امتدادًا وعمقًا استراتيجيًا وطبيعيًا للمملكة.

3- زيارة ولي العهد محمد بن سلمان، لهذه الدول تثبت أن السعودية يُنظر إليها في آسيا بأنها من أهم وأقوى الدول العربية في الشرق الأوسط وتعزز مكانتها المحورية.

4- أثمرت جولة الأمير محمد بن سلمان، عن مكاسب ثقافية وحضارية، تتجلى في التقارب مع الثقافات والحضارات الأخرى، وهو ما يبرزه الاتفاق على إدراج اللغة الصينية كمقرر دراسي في مراحل التعليم بالمملكة.

5- فتح آفاق جديدة لأسواق المملكة وتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول القارة.

6- الجولة تأتي تماشيًا مع “رؤية السعودية 2030” التي تسعى إلى إبرام شراكات تجارية جديدة، وتسهيل انسياب حركة البضائع وتنقل الأفراد وتدفق رؤوس الأموال.

7- تأتي الجولة أيضًا من أجل تمكين الشركات الوطنية الأخرى التي لديها فرص نمو واعدة بما يضمن خلق كيانات اقتصادية جديدة كبرى، بالإضافة إلى دعم الصناعات الوطنية لتمكينها من تسويق خدماتها في الخارج، وإبرام اتفاقيات لتصدير منتجاتها.

 

وحدة الرصد والمتابعة*

المراجع

1- السعودية تعزز شراكاتها في آسيا.. الصين واليابان: علاقات عريقة وفرص متجددة، جريدة سبق.

2- سمو ولي العهد يصل باكستان في زيارة رسمية، واس.

3- مرحبًا محمد بن سلمان.. احتفاء باكستاني بزيارة ولي العهد السعودي، اليوم السابع.

4- العلاقات السعودية الباكستانية.. تفاهم مشترك ونمو متواصل، سبق.

5- السعودية وباكستان تقرران إنشاء مجلس تنسيق مشترك لتطوير العلاقات، اليوم السابع.

6- كيف استقبلت باكستان محمد بن سلمان؟ بي بي سي عربي.

https://bbc.in/2SI75cF

7- محمد بن سلمان يعفو عن 2100 سجين باكستاني في السعودية، يورو نيوز.

8- “مذهل وفخم جدًا”… إعلام هندي ينشر صور مقر إقامة ابن سلمان وأسباب زيارته، سبوتنيك.

9- السعودية والهند.. 70 عامًا من العلاقات الاستراتيجية والمصالح المشتركة، العين الإخبارية.

10- ابن سلمان يقبل طلب الهند إطلاق سراح 850 سجينًا هنديًا في المملكة، يورو نيوز.

https://bit.ly/2GGYIaQ

11- سياسي/ صدور بيان مشترك بمناسبة زيارة سمو ولي العهد إلى جمهورية الهند إضافة أولى، واس.

https://bit.ly/2Vd649q

12- في ختام زيارة ولي العهد السعودي.. الرياض ونيودلهي تصدران بيانًا مشتركًا، روسيا اليوم.

https://bit.ly/2U0Kbdd

13- بعد زيارته لباكستان والهند.. محمد بن سلمان يصل إلى الصين، روسيا اليوم.

https://bit.ly/2EmXM9m

14- العلاقات السعودية – الصينية تتجه لمزيد من القوة والتعاون، موقع سفارة الصين لدى السعودية.

https://bit.ly/2E4R4Uc

15- بالصور.. ولي العهد يجتمع مع “هان تشنغ” ويستعرضان العلاقات السعودية الصينية وفرص تطويرها، سبق.

https://bit.ly/2GDLTOO

16- خلال زيارة سمو ولي العهد .. الاتفاق على البدء في وضع خطة لإدراج اللغة الصينية كمقرر دراسي في المراحل التعليمية بالمملكة، واس.

https://bit.ly/2GG6mm5

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر