سقوط العاصمة كابول بيد طالبان | مركز سمت للدراسات

إمارة أفغانستان الإسلامية.. المأساة تبدأ من جديد

التاريخ والوقت : الخميس, 19 أغسطس 2021

عادل مرزوق

 

من وجهة نظر أميركية، لم يكن في أفغانستان ما يستحق البقاء. ترى واشنطن في مقارعة الصين وروسيا عبر ترشيد موارد البلاد وتوجيهها في هذه المواجهة، خياراً لا بد منه.

على الأرض، وبعد سيطرة “طالبان”؛ التنظيم الإسلامي المتشدد، على أغلب الأراضي الأفغانية، وسقوط العاصمة كابول بيد مقاتليه، لا يبدو أن الأميركيين قد خلفوا وراءهم ما هو ثمين. سلة المكاسب المحتملة للصين تساوي سلة الخسائر والتحديات الماثلة أمامها، كذلك هو الحال أمام روسيا التي سيكون عليها مراقبة الوضع، والتأكد من أن “طالبان” لن تفتح نافذة التطرف للجماعات الجهادية المتطرفة على حدود أفغانستان الشمالية؛ حيث تقع مناطق نفوذ موسكو. إيران أيضاً، تنبهت مبكراً لتعقيدات الملف الأفغاني، وصعود التنظيم المتشدد، وبادرت لتشبيك علاقاتها مع “طالبان”، وحدها تركيا من تدخل المستنقع الأفغاني على غير هدى.

ملهاةُ النفوذ والسيطرة

سواءً دخلت أفغانستان حرباً أهلية أو تجاوزت تعقيدات المشهد بحكومةٍ توافقية تضم مختلف الأطراف بولاءاتهم العابرة للحدود، ما ستترشح عنه الأيام والأشهر المقبلة، هو أن دول الجوار -ما خلا باكستان الخبيرة بالملف الأفغاني، والتي لم تغب عنه يوماً- ستكون داخل ملهاة يومية من الأحداث المتسارعة والدراماتيكية في لعبة النفوذ وبسط السيطرة.

هذا الواقع الجديد مُربك ومُكلف للجميع، ما خلا واشنطن التي تحاول منذ البدء -ولا تزال- تخفيف وطأة الرأي العام الأميركي الذي يرى في انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة “طالبان” إلى السلطة هزيمة ساحقة.

لا يمكن فهم الاستراتيجية الأميركية في هذا الانسحاب دون النظر إلى ما تذهب إليه تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين الذين أكدوا أن الانسحاب لم يكن نتيجة لوطأة الخسائر بقدر ما هو معالجة استباقية، وإعادة تموضع لما استجد ويستجد على معادلات الصراع العالمي؛ وهو ما أكده الرئيس جو بايدن، عبر تأكيد أولوية الإنفاق على تطوير البنية العسكرية وتقنيات الأسلحة من جهة، وعلى تعزيز السياسة الخارجية الأميركية في المنافسة الشديدة والمفتوحة مع الصين وروسيا، من جهةٍ أخرى.

ما يترشح عن عواصم دول الحدود، وبالخصوص الصين وروسيا وإيران، هو تصريحات دبلوماسية تستبق المواجهة ولحظات الارتباك، متسلحةً بالرهان على التفاهمات التي عقدتها تلك العواصم مع “طالبان”. رغم ذلك، فلا شك أن “طالبان” (القوية الآن) ستعيد النظر خلال الأشهر المقبلة في هذه التفاهمات الهشة؛ بما يضمن مصالحها وتوطيد حكمها في البلاد، وهو ما قد ينتهي إلى دورات جديدة من التوتر والاحتقان، وصولاً إلى مواجهات محدودة أو واسعة.

“طالبان” في السلطة.. أيام الفزع

لا يحتاج الأفغان إلى أن يشربوا كُلَّ ماء البحر ليتأكدوا من ملوحته. وعليه، ما بثته وكالات الأنباء الدولية من فيديوهات وصور لاكتظاظ آلاف الأفغان على المعابر الحدودية للبلاد ومطار كابول، هو أمر طبيعي ومتوقع؛ خصوصاً أن ذاكرة الأفغان لا تزال نشطة وقادرة على استعادة يوميات عهد “طالبان” والجحيم الذي كانوا يعيشون فيه؛ خصوصاً النساء والأطفال، الفئات الأكثر تعرضاً إلى الانتهاكات والجرائم التي تترشح عن مجموعات الفتوى المنفلتة والعصيَّة على الضبط.

ولئن كان ثمة مَن يراهن على أن “طالبان” اليوم مختلفة عن “طالبان” عام 1996م، وأن القادة الجدد للتنظيم أكثر وعياً وفهماً للعبة الأمم واشتراطات العيش في المجتمع الدولي، فإن الخطاب السياسي والأدبيات الصادرة عن التنظيم، ورغم التأكيد أن الحركة لن تذهب في خيار تطبيق عقوبات جماعية، وأن النساء سيسمح لهن بالعمل والخروج من منازلهن بشرط ارتداء الحجاب، لا تُبشر بأن ما ينتظر الأفغان مغايرٌ عما يتوقعونه من عودة تدريجية لمظاهر التشدد الديني، وتطبيق الأحكام الإسلامية المتشددة.

سياسياً، قد تُقدِم الحركة على تقديم بعض التنازلات للفرقاء القبليين؛ لمساعدة “طالبان” في تثبيت سلطتها على جميع الأراضي الأفغانية بأقل خسائر ممكنة. ولأنها منفعة متبادلة، ستكون سوق المبادرات مفتوحة في هذا السياق؛ ومنها ما أعلنه السبت الماضي الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، (2001-2014)، من تشكيل لجنة للإشراف على انتقال السلطة؛ تتكون منه ومن رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبدالله عبدالله، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار. كذلك هو الحال مع اللاعبين الإقليميين الذين يمتلكون ممثلين من الأقليات المسلحة؛ مثل إيران.

رغم ذلك؛ سيكون للمؤسسة الدينية، ممثلة في قيادة الحركة الملا هبة الله أخوند زادة، ومجلس شورى التنظيم، الحاكمية المُطلقة على جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها التي لن يكون في مقدورها (أو حتى مسموحاً لها) إعادة تنظيم أو احتواء الميليشيات العسكرية والمقاتلين التابعين للحركة.

خاتمة

ليس ثمة ما يشير إلى أن المشهد الأفغاني سيتجاوز تعقيدات الانسحاب الأميركي مبكراً. صحيح أن سيطرة “طالبان” الخاطفة على البلاد بعد أشهر من جلسات التفاوض والحوار بين الولايات المتحدة و”طالبان” التي مثلها رئيس المكتب السياسي الملا عبدالغني برادر، (أفرج عنه من سجون باكستان عام 2018 بعد ضغوط من الولايات المتحدة)، كُلها تشي بأن ما حدث يتم وَفق سيناريو مرسوم ومعد مسبقاً، إلا أن هذا السيناريو (أياً كان) لن يصمد أمام مصالح القوى الإقليمية ودول الجوار المتضاربة. غنيٌ عن القول أن أي تفاهم ثنائي بين “طالبان” وأية عاصمة من العواصم هو على الأغلب -إن لم يكن بالضرورة- مشروع إضرار بمصالح عاصمة أخرى.

داخلياً، وعلى مدى عقود جديدة سيكون على الأفغان مجدداً تذوق مرارة الحروب الداخلية، وسطوة الدولة الدينية المتوحشة، ما مضى من السنوات والأوجاع والقهر قد مضى، سيبدأ الأفغان فصول المأساة من جديد.

 

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر