ملامح المشهد الأفغاني بعد الانسحاب الأميركي | مركز سمت للدراسات

ملامح المشهد الأفغاني بعد الانسحاب الأميركي

التاريخ والوقت : الإثنين, 26 يوليو 2021

عمر الرداد

 

تشهد أوساط حلف الناتو حوارات وجدالات مكثفة على خلفية الانسحاب الأميركي وقوات الناتو من أفغانستان بعد احتلالها عام 2001، بالتزامن مع سيطرة واسعة وإعادة نفوذ قوات طالبان التي يتردد أنها بسطت نفوذها على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية، وقد جاء هذا الانسحاب بعد مؤتمرات عقدت بين الأميركان وحركة طالبان بوساطة من الدوحة، في أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق ترامب، وتم استكمالها من قبل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة بايدن، التي أجلت موعد إنهاء انسحاب قوات الناتو إلى 11 أيلول (سبتمبر) 2021.

الانسحاب الأميركي المتزامن مع إعادة سيطرة حركة طالبان، دون حدوث صدامات تذكر بين طالبان وقوات الناتو، يشير إلى مضامين الاتفاقات التي أنجزت مع طالبان في الدوحة، والتي بقيت حبيسة اللغة الدبلوماسية، إلا أنها تؤكد على جملة من الحقائق؛ في مقدمتها أنّ هذا الانسحاب منسجم مع ترجمات تنفيذ الاستراتيجية الأميركية الجديدة، وعنوانها الانسحاب عسكرياً من الشرق الأوسط، والتفرغ لمواجهة الصين وروسيا اقتصادياً وسياسياً، مع الإبقاء على قواعد التأثير الأميركي في الشرق الأوسط، وبالنسبة إلى أفغانستان فإنّ الانسحاب منها يتم في ظل إدراك أميركي، وربما “اتفاق” مع حركة طالبان، على إعادة إنتاجها بصورة جديدة، لتكون فاعلة في الخارطة الجديدة لأفغانستان والقوى المؤثرة فيها.

ورغم إعلان الرئيس “بايدن” أنّ الانسحاب الأميركي من أفغانستان ليس مرتبطاً بأيّ شروط، إلا أنّ قراءة في المشهد الأفغاني ما بعد انسحاب قوات الناتو يشير إلى أنّ هناك خطة أميركية يجري تنفيذها، وستجد ترجماتها بعد الانسحاب بدءاً من أواخر العام الجاري، وفقاً لأدوار الأطراف الفاعلة في الملف الأفغاني.

وتدل مؤشرات عديدة على أنّ طالبان ستكون الحاكم الفعلي لأفغانستان، وأنّ الحكومة الأفغانية بجيشها وأجهزتها وبمساندة القواعد الأميركية لم تستطع كبح جماح تقدّم طالبان خلال الـ20 عاماً الماضية، بقدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية نوعية أظهرت دوماً ضعف السلطة الأفغانية المدعومة أميركياً، وقضم أراضٍ جديدة ومساحات واسعة، لكن من المؤكد أنّ طالبان 2021 ليست طالبان 2001، فقد شهدت علاقاتها مع الداخل الأفغاني ومحيطها “باكستان وإيران” تحولات عميقة، ربما ستبدو معها مواقفها أكثر اعتدالاً تجاه الغرب وأمريكا.

إنّ فرضية أن تتولى طالبان التعامل مع “القاعدة وداعش” بصورة جديدة تبدو واقعية، ستتضمن ملاحقة التنظيمين وضبط تحركاتهما في أفغانستان، لا سيّما أنّ هذا الملف شهد تحولات تدل مخرجاتها على أنّ وجود داعش في أفغانستان محدود جداً في المناطق الشمالية، وقد تراجعت القاعدة “وجوداً وتأثيراً” بشكل حاد بعد هروب قيادتها إلى إيران وباكستان وتصفية الكثير منهم، لا سيّما بعد الاختراقات الإيرانية للقاعدة، وهو ما تبدو معه طالبان أكثر حساسية، ومدعاة لإعادة رسم حدود علاقاتها مع القاعدة فيما يتعلق بتقديم خدمات لوجستية، “إيواء ومراكز تدريب وتسليح …إلخ”.

ربما يكون السؤال الأهم في المشهد الأفغاني الجديد هو مواقع الأطراف الإقليمية والدولية في خارطة أفغانستان الجديدة، خاصة مع ظهور لاعب جديد على الأرض الأفغانية، وهو الجيش التركي الذي سيتولى وفقاً لترتيبات الناتو مهمة حماية السفارات الأجنبية في كابول، وهو ما يعني أنّ تركيا ستكون مجبرة على بناء تفاهمات مع طالبان لتنفيذ مهمتها، والتي ربما تتجاوز المسائل الأمنية بتأمين حماية سفارات دول الناتو، وهو ما يدعو للتساؤل فيما إذا كانت تركيا ستكون بديلاً لباكستان التي شكلت غطاءً تاريخياً لطالبان.

إنّ سيطرة طالبان “السنيّة” على أفغانستان يشكّل رسالة لإيران التي كانت الأكثر استفادة من الإطاحة بطالبان بالتزامن مع الإطاحة بحكم البعث في العراق، وإذا كانت إيران قد تمكنت من السيطرة على العراق، فإنّ المؤكد أنها ستكون على موعد مع فتح الجبهة الشرقية لها مع طالبان، رغم نجاحها في بناء علاقة مع بعض أجنحة طالبان خلال الـ20 عاماً الماضية، والتي لم تعد طالبان بعد استعادتها الحكم بحاجة إليها.

من جانبها، تبدو القيادة الباكستانية في مأزق، في ظل رهانات على قدرتها على الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية مع أميركا، والاستجابة لمطالبها باستخدام أراضيها، واتخاذ إجراءات ضد القاعدة وداعش، في ظل شكوك أميركية عميقة بالقيادة الباكستانية، بالتزامن مع انفتاح وعلاقات واسعة مع الصين، وهو ما يتعارض مع الاستراتيجية الأميركية.

وفي الخلاصة، فإنّ الأوضاع في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي تبدو ضبابية، إلا أنّ المؤكد هو سيطرة طالبان على الحكم في كابول، وستعتمد السيناريوهات القادمة على مدى قدرة حركة طالبان على تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه في مؤتمرات الدوحة مع واشنطن، وقدرة الفاعلين الآخرين على الحيلولة دون تنفيذ الاتفاق.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر