كورونا خسائر بريطانيا والاتحاد الأوروبي | مركز سمت للدراسات

بريكست وكورونا يلحقان الخسائر ببريطانيا والاتحاد الأوروبي

التاريخ والوقت : الأربعاء, 7 أبريل 2021

سيشهد الوضع الجيوسياسي في مرحلة ما بعد “كوفيد” تحول الاتحاد الأوروبي كياناً أضعف بكثير مما بدا متوقعاً على الإطلاق، قبل تفشي الفيروس. إذ ألحق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الضرر بكل الجهات ذات العلاقة، بحسب ما أثبتته الأيام من دون شك. غير أن هذا الخروج يبدو حالياً كأنه مجرد عارض جاء كي يلهي الجميع عن الأثر الذي سيحدثه فيروس كورونا.

إذ باتت موضع حسد تلك الاستجابة حيال الوباء التي أبدتها دوائر الصحة العامة عبر إجراءات الاختبار والتعقب، والقدرة على إبقاء معدلات الوفيات منخفضة، في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وبشكل ملحوظ في ألمانيا خصوصاً. وكذلك حقق عدد من الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد نجاحات خاصة بها، لا سيما بلجيكا وهولندا اللتان هما من المراكز المهمة في إنتاج اللقاح.

ومع ذلك، فإن جهود الاتحاد الأوروبي الرامية لتنسيق الاستجابات الوطنية على امتداد السنة الماضية التي عصفت خلالها الجائحة بالعالم، جاءت إما عديمة الفائدة تماماً أو أنها فشلت فشلاً كارثياً في تحقيق النتائج المرجوة.

ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها صفارة الإنذار منبهة إلى بدء الأزمة، حين سارعت الدول منفردة إلى إغلاق حدودها وحظر تصدير معدات الحماية وأجهزة التنفس الاصطناعي والعلاجات، وقفت سلطات الاتحاد الأوروبي المختصة في بروكسل موقف المتفرج. واستطراداً، حينما سعت دول ترزح تحت وطأة الضغوط الشديدة الناجمة من الأزمة، إلى الحصول على مساعدات مالية، قوبلت طلباتها بردود تنم عن الاحتقار من قبل أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. وكذلك تجدر الإشارة إلى أنه يُشاع أن السيدة فون دير لاين قد اختيرت لهذا المنصب لأن باريس وبرلين فضلتا وجود قيادة ضعيفة على رأس الاتحاد الأوروبي في بروكسل. لقد توجب عليهما أن يكونا أشد حذراً في ما يتمنيان حصوله. إذ لن يشعر أصدقاء الاتحاد الأوروبي في بريطانيا  بالبهجة وهم يرونه يعاني ما يعانيه من المتاعب، لا سيما أن بلادهم ليست جزيرة حصينة لا تُقهر عندما يتعلق الأمر بالفيروس. وكذلك يتوجب على هؤلاء (أصدقاء الاتحاد الأوروبي) أيضاً أن ينبذوا أي أوهام لديهم حول أداء الاتحاد الأوروبي ووكالاته ومدى جودة هذا الأداء في الفترة الأخيرة. قد يكون الجواب الشافي عن كل هذه المخاوف متمثلاً في “مزيد من أوروبا” وفق ما اعتاد الرئيس ماكرون قوله، أو إنهاء الاندماج، غير أن المشكلة تكمن في أن كفاءة الاتحاد الأوروبي (في الحالتين) في ما يخص الصحة العامة، كفاءة واضحة.

واستطراداً، يجد الاتحاد الاوروبي نفسه في الوقت الحالي في موقف محرج. إذ يتوجب عليه مراقبة التقدم السريع إلى الأمام الذي أحرزه البريطانيون في سباق التلقيح (بوسائل كريهة أو منصفة)، وهو أيضاً في الموقف الأكثر إذلالاً المتمثل في الاضطرار للتوجه إلى روسيا من بين دول العالم كلها، من أجل الحصول على المساعدة. في ذلك المنحى، تعصف الموجة الثالثة من “كوفيد” بأجزاء من أوروبا بقوة. وتعد فرنسا آخر الدول التي عاودت تطبيق الإغلاق، ولو حاول ماكرون أن يسمي ذلك “طريقاً ثالثاً”. من هنا جاءت الحاجة إلى اللقاحات في سياق محاولة يصفها الرئيس الفرنسي بأنها “سباق مع الزمن بالنسبة إلى بلاده”.

وفي المقابل، يجري إيقاف استعمال لقاح “أكسفورد/ أسترا زينيكا” بصورة دورية حتى في مثل هذه الحالات الطارئة ولأسباب تتصل بحالة ذعر من نوع أو آخر، على الرغم من أن الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تنسق مع بعضها بعضاً بشأن ذلك الإيقاف. وكذلك من اللافت أن “لقاح أكسفورد” يجري حظره أحياناً بشكل كامل أو جزئي في دول الاتحاد الأوروبي، بيد أن تصدير هذه البضاعة غير المرغوب فيها ظاهرياً، تُفرض فرضاً على المملكة المتحدة بشكل غير منطقي. وتالياً، فإن حظر التصدير الذي كان من شأنه أن يحمل بريطانيا على الرد من خلال إيقاف سلاسل التوريد وخطوط الإنتاج كلها، قد تم تفاديه بصعوبة. إلا أن الذعر والتهديد باندلاع حرب اللقاحات بين طرفي القناة الإنجليزية (بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي) لم ينتهيا بعد، مع أن الوضع قد دفع بالاتحاد الأوروبي اليائس إلى الارتماء في أحضان روسيا طلباً للمساعدة.

ويلفت الانتباه في ذلك المنحى أن هذا الميل للاستعانة بالكرملين قد دُبّر مِنْ قِبَل إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل، وليس من جانب المفوضية الأوروبية التي تجد نفسها مرة أخرى غير ممسكة بعصا القيادة. هكذا يبدو المحرك الفرنسي- الألماني مسؤولاً من جديد عن تشغيل ماكينة الاتحاد الأوروبي، وليس هناك سوى قدر قليل من القلق بشأن اللجوء إلى فلاديمير بوتين ولقاح “سبوتنيك” الذي يصنعه. وقبل ذلك، أقبلت سلوفاكيا وهنغاريا على اعتماد اللقاح الروسي بحماسة. وكذلك أُخبِرت “وكالة الأدوية الأوروبية” أن تحرص على الشروع في إدراج اللقاح الروسي على القائمة المعتمدة (لديها بشأن اللقاحات المضادة لكورونا) وضمان بقائه عليها. وبالنظر إلى تورط روسيا في استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، فقد غرد فريق لقاح “سبوتنيك” الروسي بشكل عابث، قائلاً “معاً نحن أقوى”.

ليس هناك أدنى شك في ذلك. في المقابل، يرجح أن تسمّم بقايا الاستياء من بريطانيا، العلاقات بينها وبين الاتحاد الأوروبي على مدار سنوات عدة في المستقبل. وبصرف النظر عما إذا كان البريطانيون قد لجأوا إلى الخداع كي يحصلوا على “لقاح أكسفورد” قبل الأوروبيين، فإن ما يهم حقاً يتمثل في التصور بأنهم قد فعلوا ذلك. وفي إطار ثقافة اللوم السائدة، يجري توجيه أصابع الاتهام وإطلاق الرصاص أولاً. وقد أخذت أصابع الاتهام تُوجه إلى المفوضية الأوروبية وفون دير لاين، وكذلك إلى البريطانيين الغادرين، ورئيس وزرائهم غير الجدير بالثقة، ويُنظر إلى شركة “أسترا زينيكا” (وهي في الحقيقة بريطانية سويدية)، بإنصاف أو من دونه، على أنها ذراع خبيثة للدولة (البريطانية).

وعندما يحين الوقت كي تتعاون المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي في العثور على حلول بشأن مصائد الأسماك، ونقاط الفحص الحدودية، والحدود الاقتصادية في إيرلندا الشمالية، والدعوى المرفوعة بخصوص اتفاق الانسحاب وعدد من النقاط المتعلقة بالأعمال التي لم تنته بعد بشأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن تكون محادثاتهما (بريطانيا وأوروبا) أكثر حدة نتيجة التوترات الأخيرة.

إذ يشكل توفير اللقاحات في نهاية المطاف، مسألة حياة أو موت، ولا يتماثل مع حصيلة الصيد من سمك القد أو تداول الأسهم، وستبقى خصومة الطرفين حاضرة. وعلى غرار تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في وقت سابق، فقد جعل فيروس “كوفيد” من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، طرفين خاسرين معاً.

المصدر: The Independent Arabia

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر