هي الإحصائية الأكثر إثارة للذهول خلال عدة أسابيع، مفادها إرسال 21 مليون جرعة لقاح من الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة، بينما تلقى الاتحاد الأوروبي في المقابل صفراً كبيراً.
نعم، هذا صحيح، فالكتلة التي هوجمت بسبب رغبتها في فرض “حظر على التصدير” سمحت بتسليم لقاحات كما لو كانت حلويات، في حين لم تسمح حكومتنا – التي قيل إنها تعارض “الحصارات” – للقاح واحد أن يغادر شواطئنا.
لكن ما الذي قد يفسر هذا التفاوت الهائل، الذي يحظى بقبول رئاسة الوزراء، وكم يزعزع الرواية القائلة إن الاتحاد الأوروبي هو الطرف السيئ في “حروب اللقاحات” هذه؟
لا يعني طرح هذا السؤال التشكيك في بعض الأخطاء المروعة التي ارتكبها زعماء في الاتحاد الأوروبي – الخطأ الأكثر وضوحاً هو تقويض الثقة في لقاح “أسترازينيكا” – لكنه لا يفسر لماذا تمارس المملكة المتحدة في واقع الأمر الاكتناز. لقد دفنت الحقيقة في صفقات تجارية إلى أن باح (وزير الصحة) مات هانكوك بها عندما سئل عن غضب الاتحاد الأوروبي إزاء عدم تلقيه لجرعات “أسترازينيكا” التي كان من المؤكد أنه وعد بها.
وقال وزير الصحة لـ”الفاينانشيال تايمز”: “لديهم عقد ينص على (أفضل الجهود)، ولدينا اتفاق حصري”.
والآن، ربما كان هذا التحرك ذكياً للغاية، قد يصفق له الناخبون ويبدون الامتنان له، لكنه يضع الحجة في ضوء جديد بالكامل.
ولعل الأمر لم يكن ليشكل أهمية أيضاً، لأن الشركة البريطانية السويدية تصنع في كل من المملكة المتحدة وبلجيكا – إلى أن عانت المحطة البلجيكية من تباطؤ كبير في الإنتاج.
وفي مواجهة خسارة 150 مليون جرعة، تحول الاتحاد الأوروبي إلى عقد كان مقتنعاً بأنه يعني مشاركة الجرعات مع الجانب البريطاني، ليبلغ فقط أن المملكة المتحدة تحتفظ بالجرعات.
وهذا من شأنه أن يثير تساؤلات حول سلوك “أسترازينيكا”، بل وأيضاً حول سلوك المملكة المتحدة – التي فرضت ما يمكن أن تسموه “حصاراً”، في مقابل كلامها الفارغ كله حول رغبتها في “تدفق [اللقاحات] بحرية في مختلف أنحاء العالم”.
وهي لا تكتنز اللقاحات بعيداً عن الاتحاد الأوروبي فحسب، بل هناك انتقادات متزايدة ضد بريطانيا لرفضها تقاسم اللقاحات مع البلدان النامية التي تعاني “تجويعاً” في هذا الإطار.
والاتحاد الأوروبي أبعد ما يكون من “أصحاب النزعة القومية في شأن اللقاحات”، ويتلخص خطؤه في أنه كان منفتحاً أكثر مما ينبغي – أو ساذجاً أكثر مما ينبغي إذا كنتم تفضلون هذه الصفة.
ففي حين راكم البريطانيون لقاحات “أسترازينيكا” المحلية الصنع – ومنعوا في ما يبدو جامعة أكسفورد من التعاون مع شركة “ميرك” Merck الأميركية بغرض الحفاظ على قبضة حديدية – سمحت بروكسل بتقاسم اللقاح على نطاق واسع.
و”بيو إن تك” شركة ألمانية، لكن سمح لها بالاشتراك مع شركة “فايزر” العملاقة في الولايات المتحدة، من دون فرض لسياسة “الاتحاد الأوروبي أولاً” – ونتيجة لذلك ذهبت الـ21 مليون لقاحا إلى المملكة المتحدة.
ومن غير المستغرب أن ضجة حدثت عندما كشف هذا الأمر للأوروبيين غير الملقحين، ونتيجة لذلك بدأ الاتحاد الأوروبي في وضع الخطط اللازمة للحد من الصادرات. ربما كان التحرك سيئاً – لكن هل كانت حكومتنا عاجزة حقاً عن التوصل إلى حل وسط هنا؟
لن تتمكن المملكة المتحدة أبداً من فرض حظر على التصدير؛ هي فقط لن تسمح لأي لقاحات بمغادرة البلاد، في حين تتلقى 21 مليون جرعة لقاح من الاتحاد الأوروبي. هل نندهش إزاء استشاطة بروكسل غضباً لهذا السبب؟