المضادات الحيوية ومضادات الميكروبات | مركز سمت للدراسات

المقاومة المضادة للميكروبات: مكافحة أكبر تهديد للأمن الصحي في هذا العصر

التاريخ والوقت : الأحد, 15 أغسطس 2021

دانيال كيلوج

 

تُعدُّ المضادات الحيوية ومضادات الميكروبات الأخرى جوانب مهمة في الطب الحديث، التي جعلت العديد من الإصابات الشائعة ذات معدلات الوفيات المرتفعة سابقًا أكثر إزعاجًا من كونها مميتة. ومع ذلك، فإن مع انتشار مقاومة مضادات الميكروبات في جميع أنحاء العالم يتزايد أيضًا خطر فقدان بعض أو كل هذه العلاجات. تعتبر مضادات الميكروبات ضرورية لعلاج الأمراض الشائعة، ومنع العدوى لدى الشعوب مثل: مرضى السرطان، والجراحة، والاستجابة لهجمات الإرهاب البيولوجي، أو الحرب البيولوجية، اعتمادًا على العامل المسؤول. على هذا النحو، تُشكل مقاومة مضادات الميكروبات تهديدات كبيرة للصحة العالمية والتنمية الدولية والأمن القومي. ولمكافحة هذا التهديد، ينبغي للولايات المتحدة إصدار تشريعات تتطلب مراقبة الوصفات الطبية المضادة للميكروبات وتحفيز البحث وتطوير عقاقير جديدة.

مضادات الميكروبات هي الفئة التي تشمل المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات ومضادات الفطريات ومضادات الطفيليات، بينما تُشير مقاومة الميكروبات إلى القدرة المتطورة للميكروبات المسببة للأمراض على البقاء على قيد الحياة من التعرض للأدوية الفعالة سابقًا. في حين أن تطوير المقاومة هي عملية بيولوجية طبيعية، فقد تسارعت بسبب عوامل مثل الاستخدام المُفرط للمضادات الميكروبية العالمية وسوء استخدامها، وخاصةً المضادات الحيوية، ولا يقتصر هذا الاستخدام المفرط على البشر فقط، حيث أدى استخدام المضادات الحيوية لتعزيز نمو الثروة الحيوانية إلى تسريع تطوير المقاومة.

أحدث اكتشاف البنسلين في عام 1928م، وهو أول مضاد حيوي واسع النطاق للسير “ألكسندر فليمنج”، ثورة في الطب، ففي محاضرة نوبل عام 1945م حذر “فليمنج” وزملاؤه من السرعة التي يمكن أن تطور بها البكتيريا مقاومة للبنسلين، خاصةً إذا تُنولت بجرعة منخفضة أو وصفت بوصفة زائدة. وقد حدث هذا بالفعل في عام 1940م، عندما أبلغ “أبراهام وتشاين” عن وجود سلالة من الإشريكية القولونية المقاومة للبنسلين. إِضافةً إلى ذلك، حدد العلماء ما لا يقل عن أربع سلالات من العنقوديات المقاومة بحلول عام 1942م. واستمر هذا الاتجاه على مدى عدة عقود ماضية، وهناك الآن العديد من الميكروبات المقاومة للأدوية التي تؤثر في البشر، بما في ذلك سلالات الملاريا والسل وحتى مرض السيلان، وهو ثاني أكثر أنواع العدوى شيوعًا في الولايات المتحدة.

وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن ما لا يقل عن 2.8 مليون شخص في الولايات المتحدة يصابون بعدوى مقاومة للمضادات الحيوية كل عام، مع وفاة ما يصل إلى 35.000 نتيجة لذلك. أما بحسب الأمم المتحدة، فيموت ما يقدر بنحو 700.000 شخص سنويًا من هذه العدوى على مستوى العالم، لكن هذا الرقم قد يرتفع إلى 10 ملايين. كما تتسبب مقاومة مضادات الميكروبات أيضًا في ضرر لا حصر له للاقتصادات الوطنية وأنظمة الرعاية الصحية من خلال التسبب في فترات إقامة أطول وأكثر كثافة في المستشفى، فضلاً عن الانخفاض المقابل في إنتاجية العاملين في مجال الرعاية الصحية. وتقدر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن التكلفة الوطنية لعلاج الالتهابات التي تسببها ستة من أخطر الجراثيم المقاومة للأدوية المتعددة وحدها في الولايات المتحدة تزيد على 4.6 مليار دولار، وذلك لا يشمل الأرواح المفقودة نتيجة لهذه المشكلة. كان بإمكان كل هذا أن يكون كارثيًا عند إضافته إلى الضغط على نظام رعاية صحية غير فعال بالفعل.

على الرغم من هذه المشكلات، فقد توقف إنتاج المضادات الحيوية الجديدة فعليًا، فابتداءً من الثمانينيات لم تكن المضادات الحيوية المكتشفة حديثًا واسعة النطاق عمومًا، ويمكنها فقط علاج أنواع محددة جدًا من العدوى، مما يجعل شركات الأدوية أقل ربحية ويعوق أبحاث القطاع الخاص. في الولايات المتحدة اليوم، هناك أربع شركات أدوية كبرى فقط لديها أقسام مخصصة للمضادات الحيوية. وقد أدى ذلك إلى النقص الحاد، مثل النقص الوطني لشركة فايزر لعقار “بنسيلين جي بروكائين” (علاج شائع لمرض الزهري الخلقي) في أواخر عام 2010م. وأسوأ من ذلك، أدت هذه المشكلة إلى ظهور بكتيريا مقاومة للأدوية المتعددة، أو ما يسمى بـ”البكتريا الخارقة”، التي بإمكانها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية الحالية، مثل جائحة “كوفيد-19” وتعريض التقدم في مكافحة الأوبئة المستمرة للخطر.

هناك ثلاث طرق رئيسية للولايات المتحدة لبدء معالجة التحديات التي تفرضها مقاومة مضادات الميكروبات والأبحاث المتوقفة عن مضادات الميكروبات. الأول هو النظر في إنشاء نظام وطني لتتبع الوصفات الطبية لمضادات الميكروبات، على غرار تلك المستخدمة لتتبع الوصفات الطبية للمواد الخاضعة للرقابة. مع أن الولايات المتحدة لديها النظام الوطني لرصد مقاومة مضادات الميكروبات للبكتيريا المعوية، إلا أن هذا النظام لا يتتبع سوى حساسية مضادات الميكروبات للبكتيريا المعوية في المرضى المصابين واللحوم بالتجزئة والماشية، ولا يتتبع الوصفات الطبية. يقوم مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أيضًا بتحليل بيانات الوصفات الطبية المضادة للميكروبات بانتظام لتحديد ما إذا كانت التدخلات مطلوبة، ولكنها ليست صارمة مثل أنظمة وصفات المواد الخاضعة للرقابة، على الرغم من حقيقة أن مقاومة مضادات الميكروبات تشكل خطرًا مساويًا إن لم يكن أكبر على الأمن الصحي. مثل هذا النظام سيكون مهمة ضخمة، لكن خطورة هذا التهديد قد تستدعي مثل هذه الإجراءات.

الثاني، هو ضرورة تمرير اشتراكات مضادات الميكروبات الرائدة لإنهاء قانون المقاومة أو قانون “باستير” من أجل ضمان مزيد من الاهتمام الحكومي الشامل بهذه المشكلة وتعزيز الحلول طويلة الأجل لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات. من شأن قانون “باستير” المشترك بين الحزبين إنشاء لجنة فيدرالية معنية بمضادات الميكروبات ذات الاحتياجات الحرجة، وتحفيز تطوير مضادات الميكروبات الجديدة التي تستهدف الميكروبات الحالية المقاومة للأدوية المتعددة من خلال نظام غير مرتبط يوفر حوافز مسبقة للمصنعين، وتحسين الشبكة الوطنية لسلامة الرعاية الصحية بمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها لجمع بيانات مقاومة مضادات الميكروبات على نحو أفضل.

أمَّا أخيرًا، فيجب على المؤسسات التعليمية تنفيذ مناهج الإشراف على مضادات الميكروبات، حيث سيساعد وضع أفضل الممارسات والتأكيد على الحاجة الماسة لوصف مضادات الميكروبات كما ينبغي مبكرًا في التثقيف الصحي الطبي والمتحالف على تقليل إساءة الاستخدام والإفراط في الوصفات الطبية، وأُوكِد ذلك من جامعة بنسلفانيا ودعمه خبراء في المجالات الصحية المتحالفة مثل الطب والصيدلة والتمريض.

في حين أن الطرق الثلاث لن تقضي تمامًا على خطر مقاومة مضادات الميكروبات، إلا أنها ستوفر مراقبة طويلة المدى وازدياد الوعي مما يقلل من احتمالية فقدان الفوائد الحيوية المنقذة للحياة من مضادات الميكروبات بفاعلية، وستتفاقم الأزمات الصحية الوشيكة الأخرى مثل تهديد الأوبئة في المستقبل إذا لم تعد مضادات الميكروبات الفعالة متاحة. إذ تعدُّ العودة إلى عالم لا توجد فيه علاجات موثوقة للمستشفيات وحالات العدوى الشائعة خطرًا كبيرًا لا يمكن تصوره؛ لذا لا بدَّ من اتخاذ الإجراءات الفورية لتجنب وقوع أي كارثة محتملة.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: geopoliticalmonitor

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر