كان القلم يريد طرح اللغة كعلم، فنهرته: ويحك، فمثل هذا التناول سيجعل النّحاة يمشون في الأرض مرحاً، متوهّمين أن الحديث يُساق إليهم، لكن لا بأس إذا قلتَ لهم إن العلم الذي نعنيه إنّما هو من قبيل الفيزياء، الكيمياء والأحياء. اللغة من صميم النظام الكوني وإليه. مثلاً: لماذا نجد في كل ألسنة العالم منطق الفعل والفاعل والمفعول؟ أليست هذه علاقات في معادلات رياضية فيزيائية كيمياوية؟ قد لا تجد أفعالاً في لغة كالصينية، ولكنك تجد البديل، المصدر الذي يلعب دور الفعل في تصريفه. هم لا يقولون: أنا ذهبت، نحن ذهبنا، يقولون أنا ذهاب، نحن ذهاب. السياق يشرح الماضي والحال والمستقبل.

تلك هي العتبة. قدمك لا تزال على رمال الشاطئ، فالبحر العميق بعيد. الخطوة الأولى على طريق الألف ميل من الإحساس بجمال اللغة، كعلم في نظام كوني، كتقانة صوتية تشبه مسرح الدمى، إنما هي تسبق بمراحل النحو والصرف والبلاغة. ثمة مستوى تأسيسي تنطبق عليه مقولة أينشتاين: «ثمة علم واحد هو الفيزياء، الباقي كله تفاصيل». صاح القلم: قف، ما قصّة مسرح الدمى؟ قلت لغات البشر جميعاً يحرّكها نظام واحد: اختر ما شئت من مخارج الأصوات للسانك، ضع توابل جغرافيا تأثيراتك، لكن ضمن معادلات قوانين نحوية وصرفية تجعل البشر جميعاً يفهمونك بوساطة الترجمة.

تريد الفيزياء والكيمياء والأحياء؟ تأمّل الذرة، الجزيء، الخلية، النسيج، العضو، الجسم. تأمّل الذرة، المادة، الكوكب، المنظومة الشمسية، المجرة، الكون. تأمّل الحرف، الكلمة، الجملة، الفقرة، الفصل، الباب، الكتاب، المكتبة. هذا قانون كونيّ أم لا؟ اللغة تتبع القوانين والنظم الكونية أم لا؟ أليس من هنا يجب أن يبدأ المربّون تنمية أداء الدماغ المتوافق المتناغم مع النظام الكوني؟ يجب أن نغبط اللغة اليونانية على أنها اختارت للكون «كوسموس» معنى النظام، الجمال، وهو الجذر نفسه الذي نراه لمستحضرات التجميل في اللغات الأوروبية. لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفيّة: غير لائق أن ينتهي بنا الأمر بعد هذه الرحلات العرفانية إلى صالونات التجميل.