سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تركي صالح
جلس أحد الظرفاء إلى عازف وهو يستعد للعزف ويرتب أوتار عوده، فقال له: ماذا تفعل؟ قال أدوزن العود، قال: اعزف ثم دوزن.
إنها ذات النصيحة التي سمعها وطبقها الرئيس الأميركي عندما فتح ملف الشرق الأوسط، العزف قبل الدوزنة.
تلك ليست تخرصات، بل نتائج كارثية وضياع فرص خيمت على منطقة الشرق الأوسط منذ تربع “بايدن” على كرسي المكتب البيضاوي.
في مقال سابق في (سمت) إبان استلام “بايدن” للسلطة بعنوان “هل ترتعش يد الكاوبوي؟” توقعت أن تتعثر خطواته في عراقيل سلفه “ترمب”. وهي عراقيل مهولة لم يتجاوزها “بايدن” وصم أذنيه عن الناصحين حتى وقع في أوحال مزرية، فقدت على إثرها الولايات المتحدة زمام القيادة، وحتى الباقي من الثقة في منطقة مهمة في خريطة العالم.
إنعاش الحوثي
لم تمضِ أيام على تسلم “بايدن” مهامه حتى رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب التي دخلتها في عهد “ترمب”، هذه الخطوة (غير المبررة والمخالفة لكل مضامين قرار مجلس الأمن التي تصف الحوثي ككيان إرهابي) أهدرت كل فرص العمل الدبلوماسي التي كانت تضغط على الجماعة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وساهمت في إضعاف الشرعية اليمنية مقابل تقديم دفعة معنوية ودبلوماسية وحتى إضفاء شرعية ما على الوجود الحوثي.
هذا ما ضاعف العمل السعودي عسكريًا ودبلوماسيًا حتى تيقن أخيرًا الجانب الأميركي وانضم إلى مجموعة عمل بهدف فرض هدنة في اليمن دون شروط حوثية.
كارثة أوكرانيا
لا يخفى على أقل الناس متابعة لأحداث العالم الدور الكارثي الذي قامت به إدارة “بايدن” في تعاملها مع أزمة أوكرانيا منذ بداية الأزمة دبلوماسيًا حتى تطورها إلى اجتياح، ولا يمكن تبرير ضياع فرص السلام وعقد اتفاقيات مرحلية يمكن أن تمنع الحرب والدمار والتهجير؛ اتفاقيات يمكن أن تقبلها روسيا وتفاوض عليها ويمكن أن تخرج أوكرانيا من مرحلة دقيقة في تاريخها وتاريخ أوروبا دون بالغ أضرار كانت متوقعة وحدثت. لكن مستشاري العازف “بايدن” كانوا أقل دراية، وربَّما الاهتمام بمصير أوكرانيا وأوروبا، وربَّما العالم الذي خنقته أزمة غذاء وعصفت به أزمة وقود، لام “بايدن” أعضاء أوبك عليها ثم جاء يستنجد للخروج منها.
سلق الاتفاقية النووية
في سلة مهملات “ترمب” خلف المكتب البيضاوي وجد “بايدن” بقايا اتفاق أعرج وقعه عرابه “أوباما”، ذلك الاتفاق الذي أطلق يد إيران في الإقليم وراح نتيجة له الكثير من الأرواح، وسقطت بسببه دول، وأوشكت أخرى، ودفعت منطقتنا إثره فاتورة ليست بالقليلة.
لكن “بايدن” تحت ذريعة العمل الدبلوماسي أعاد العمل على العودة للاتفاق النووي مع إيران متغافلاً عن طلبات دول المنطقة مثل التفاوض على الصواريخ، والتزام إيران بكف يدها عن زعزعة أمن المنطقة، والامتناع عن دعم الميليشيات الإرهابية والتدخل في شؤون دول المنطقة ودعم المنشقين فيها.
ماذا لو عاد معتذرًا؟
بما أن عنوان مقالتنا عن الفن، نورد هنا قصة أم كلثوم مع الملحن الشهير سيد مكاوي عندما لحن لها لحنًا وقال لها: “هتديني كام يا ست؟ قالت له: يكفيك فخرًا أنك هتلحن لأم كلثوم، قال لها لا مش هيكفيني لأن البقال اللي تحت بيتنا مش هياخد مني فخرًا لما أشتري منه”.
لذلك، فإن المطلوب من “بايدن” عندما تطأ قدمه مدينة جدة لن تكون لغته المراوغة في مقاله الذي كتبه في “الواشنطن بوست” قبل أيام وهو يحزم حقائبه متجهًا للمنطقة؛ لأن رفع عتب لن يكون مطلوبًا في منطقة رتبت نفسها واستعدت جيدًا لكل تقلبات السياسة والمال والمصالح، بل عليه أن يعدل (بوصلة) سياسته ويلتفت للأصوات المعتدلة التي تعرف أن مصلحة الولايات المتحدة تأتي دائمًا في ظروف مستقرة في المنطقة دون تنازلات مهينة لدول مارقة ومزعزعة للاستقرار، وجماعات إرهابية تعمل كأذرع لقوى الشر، ووضع اشتراطات دول المنطقة على طاولة المفاوضات في أي اتفاقية نووية قادمة، والعمل على شراكة حقيقية وفاعلة مع دول المنطقة تأخذ في حسبانها دعم استقرار المنطقة وازدهارها.
كاتب سعودي*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر