الترمبية | مركز سمت للدراسات

هل سترتعش يد الكاوبوي؟ قراءة سريعة في العقبات “الترمبية” في طريق “بايدن” الشرق أوسطي

التاريخ والوقت : السبت, 19 ديسمبر 2020

تركي صالح

 

صورة الراعي

في الغرب الأميركي برزت ظاهرة الكاوبوي، راعي البقر الضخم، الرجل الشجاع حاد الطباع الذي لا يفارقه مسدسه كما في أفلام الغرب التي أمطرت بها “هوليوود” شاشات العالم لفترة ليست بالقصيرة.
هذه الصورة صبغت السياسة الأميركية حتى يومنا هذا، ولنقل إنها خلقت صورة نمطية للأميركي في العالم. تلك الصورة التي يرسخها “ترمب” (مثلاً) بغطرسته وغروره وحدية مواقفه في الداخل والخارج.

لا يمر النهر بنفس المكان مرتين

مع الاعتذار لهرقليطس، نعم لا يمر النهر مرتين، وكذاك السياسة، وهذه عقدة لا يمكن الفكاك منها، فالعيب الكبير في عالم صناعة القرار أنه متغير ومتقلب ومتأثر بكل مظاهر الحياة ومتطلباتها، والسياسة الأميركية ليست بمعزل عن التأثر بأحداث المنطقة والعالم، ولا يختلف ديمقراطيها عن جمهوريها، لذلك فإن شكل السياسة الديمقراطية في عهد “أوباما” لم تكن وصلاً لما كانت عليه في زمن “كلينتون”، ولن تكون سياسة “بايدن” استمرارًا لنهج “أوباما”؛ لأن الظروف تغيرت والأحداث في زمن “ترمب” لم تهدأ ارتداداتها.

لذا، فإن “بايدن” عندما يدخل مكتبه البيضاوي ويسدد قدميه فوق الطاولة، كما يفعل أسلافه، سيجد أمامه ملفًا ساخنًا مكتوبًا على غلافه (الشرق الأوسط)، ثلاث عقبات يجب عليه معالجتها إن حاول فعل تغيير ما أو ارتداد عن سياسة “ترمب”، أولها اتفاقية نووية تمَّ تمزيقها، وثانيها علاقات إسرائيلية مع دول مهمة في المنطقة تمَّ إبرامها، وثالثها وهو الأصعب استعادة ثقة صناع القرار في المنطقة برئيس ديمقراطي بعد انكشاف وتسريب معلومات عن ممارسات السياسة الأميركية في عهد “أوباما” والتي كان هو فيها نائبًا للرئيس.

نووي (نامه)

لم يكن في حسبان إدارة “أوباما” ولا أي من أصدقائها في الشرق ولا في الغرب، أن يخرج “ترمب” في مدة وجيزة من رئاسته فيمزق الاتفاقية النووية ويعود عن مشوار عسير من المفاوضات المضنية في الغرف المظلمة وفي الحديقة الخلفية من الجزيرة العربية التي أنتجت اتفاقية ملغومة أطلقت يد الملالي في المنطقة، ولا تصور أكثر المتشائمين من أعوان إيران أن يصفر الرئيس الأميركي عداد واردات نفط طهران، ولا أن يذلها علنًا ويقتل رأس حربة التوسع لديها وقائد عملياتها الخارجية والرجل الأول في نشر الإرهاب لديها قاسم سليماني. وهي كلها طعنات لم تلملم جراحاتها حتى يومنا هذا. وعلى رئيس أميركي قادم، لديه خطة للتراجع أن يبدأ بكل حدث منها على حدة، وأن يتعامل مع وحش جريح مدمى.

اتفاقيات إبراهيم

وهو الخليل عندنا والخلة والصحبة أبعد ما تكون عن عالم السياسة المتغير المتقلب، لكنه الفهم الفطري الذي دعا الصحابي الجليل إلى أن يسأل نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام (أهو منزل أنزلك الله أم هي الحرب؟)، فهي عالم المفاجآت واليمين واليسار، لا صداقة تدوم ولا عداء يبقى.

ولعل “ترمب”، وهو الرئيس الأكثر جدلاً على الأقل في ربع قرن مضى، لم يضع في طريق الديمقراطيين عقبة أصعب ولا أعلى مما فجره من اتفاقيات (إبراهيمية) في آخر أيامه، لذلك، فإن أي انحرافات من إدارة “بايدن” عن سياسة “ترمب” ستواجه بتعقيدات لا حصر لها في واشنطن ربَّما تجعلها تنحني أو تتراجع عنها.

بناء الثقة

يتحدث السياسيون كثيرًا في منتدياتهم عن مصطلح بناء الثقة، وهي مرحلة مهمة في ولوج أي دور سياسي، وهي إحدى العقبات الكأداء التي سيواجهها “بايدن” في ملف الشرق الأوسط، حيث لا يخفى على الكثير الانطباع السيئ عن إدارة “أوباما” في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي، هذا مع تجاوز ما قيل عن أنها هي من دبرته أساسًا، ولا يمكن غض الطرف على ممارسات “أوباما” في العراق وسوريا وإيران ومصر وما نتج عن قراراته من نتائج كارثية على المنطقة، ثم ثالثة الأثافي، كما تقول العرب، وهي تسريبات بريد “هيلاري كلينتون” وما ظهر فيها من تجاوزات على سياسات دول المنطقة لا يمكن حصرها كان يمكن لبعضها لو تمَّ أن يخلف دمارًا لا يمكن إصلاحه.

لذلك، فإن جولات وجولات ستكلف طائرات الرئاسة الكثير من الوقود ستشهدها المنطقة أملاً في رسم خط واضح ومسيرة يمكن البناء عليها بعد نسيان مراحل من التحريض والتشويه وعدم الثقة، وهي مهمة صعبة على “بايدن” إنجازها.

كل هذه العقبات وغيرها من التحديات ستواجه “بايدن” في أولى خطواته في منطقة لا تشبه العالم ولا يشبهها.

كاتب سعودي*

@turkysaleh

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر