سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
د. خالد أحمد الصالح
في القرون الوسطى بأوروبا بدأ الصراع بين المسيحية والعلم، ظهر الصراع جليّاً بعد أن فشل كبار رجال الدين في السيطرة على العلماء وإخضاعهم لنفوذهم المُطلق، ذلك النفوذ الذي مكّن رجال الدين من السيطرة على المجتمع لصالحهم ولصالح من يقف معهم من الطبقات الغنية، لكن العلماء كان لهم رأي آخر، من هنا ظهر الصراع بين رجال العلم وبين رجال الدين ومن أشهر من عانى من ذلك الخلاف من العلماء هم (جاليليو، اسحاق نيوتن، جيردانوا برونو…)، ورغم أن بعض الكنائس المسيحية كان لها مساهمات في حقل العلم إلا أن الصراع انتهى لديهم بفصل الدين عن الدولة.
إذاً، عبر التاريخ كان العلم يجد من يقف أمامه ويحاول أن يجعل هذا العلم مجرد أداة لمزيد من القوة والثراء، ورغم انتصار العلم وتفوّق العقل البشري وسيطرته على زوايا الحياة المُعاصرة إلا أن حرب استغلال العلم والسيطرة عليه لم تتوقف قط، وقد نُشرت أخيراً مقالات علمية تُشير إلى تطور الصراع القديم وارتدائه ثوباً آخر. لم يعد الصراع اليوم بين الدين والعلم، بل أصبح صراعاً بين العلم والمال، أستاذ في جامعة جنوب فلوريدا نشر بحثاً يدّعي فيه أن التلفونات الخلوية قد تحمي من مرض الزهايمر المعروف، أما خبراء جامعة لوند في مالمو بالسويد فقد نشروا دراسة كشفوا من خلالها إلى احتمال خطورة التلفونات المحمولة وأنها قد تسبب الزهايمر، ورغم أن كلتا الدراستين لم تصلا إلى استنتاج علمي يُعوّل عليه وباعتراف الباحثيْن أنفسهم، إلا أن هذا التناقض بين النتائج هو الذي يعطي الدليل على قوة الصراع بين العلم والمال في القرن الحالي.
شركات دواء عالمية تُخصص جزءاً من أرباحها مكافأة للأطباء من أجل أن يجمعوا المعلومات التي تدعم أدويتهم، ودراسات تغيّر أرقام التحاليل الطبيعية من أجل زيادة مبيعات الدواء. قضايا كثيرة حول العالم تشير إلى تطوّر الصراع بين العلم وبين رؤوس الأموال. اليوم،هناك كثير من الشركات الضخمة تخصص جزءاً من أرباحها من أجل البحث العلمي، ذلك البحث الذي تتداخل فيه المصالح، وطبعاً يتشكك كثير من العلماء والباحثين في مصداقية تلك البحوث التي يدعمها صاحب المصلحة. قبل فترة قصيرة، اعترف ممثل أحد أكبر شركات الأدوية بخطئهم في لقاحات كورونا ورمى الكُرة في ملعب القادة السياسيين، إن تعقيد البحوث العلمية وارتفاع تكاليفها المالية على ميزانية الدول حمل التخوّف من نجاح رأس المال الخاص في السيطرة على نتائج الدراسات وتطويعها لصالحه.
هل ينتهي الصراع القادم بفوز رأس المال وتصبح المعلومات العلمية والطبية منحازة لصالح أصحاب رؤوس الأموال؟ إذا حدث ذلك، وهناك مؤشرات قوية اليوم على حدوثه، فإن البشرية الضعيفة ستصبح حقل تجارب؛ وسوف تنتهي صحة البشر لتصبح لعبة في أيادي أصحاب النفوذ؛ وستعود الرأسمالية البغيضة لتتحكم بحياة مليارات البشر. لا حل أمام إنسان المستقبل إلا الفصل هذه المرة بين العلم وبين المال، دون ذلك سيغدو العلمُ جهلاً.
المصدر: الراي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر