مع نشوب صراع شامل على هيمنة الذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا، وضعت وول ستريت رهانا مبكرا على من سيكون أكبر الرابحين: الشركات التي تصنع السلاح الذي تستخدمه جميع الأطراف.
يعني ذلك على وجه الخصوص الرقائق المتقدمة اللازمة لأنظمة “الذكاء الاصطناعي التوليدي” مثل برنامج الدردشة الآلية “تشات جي بي تي” وأنظمة توليد الصور مثل دول-إي.
ولا يراهن المستثمرون على أي مصنع فحسب. ارتفعت أسهم “إنفيديا”، التي تسيطر وحداتها للمعالجة الرسومية على سوق تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبرى، 55 في المائة هذا العام. كما تضاعفت منذ تشرين الأول (أكتوبر)، عندما كانت “إنفيديا” موضع شكوك بسبب مزيج من انهيار العملات المشفرة “كان معدنو العملات المشفرة يستخدمون رقائقها على نطاق واسع” وانهيار في مبيعات الحواسيب الشخصية والإدارة السيئة لعملية انتقال المنتج في رقائق مركز البيانات.
استراتيجية الاستثمار في “الأدوات المستخدمة لصناعة منتج” تبدو منطقية عندما يكون لا يزال من الصعب معرفة كيف ستتطور تكنولوجيا جديدة. يستعد عمالقة التكنولوجيا لاستخدام أنظمة ذكاء اصطناعي باهظة جديدة ضد بعضهم بعضا، مع عدم وجود إشارة واضحة على كيفية كسب ميزة دائمة.
الأمر المؤكد الوحيد هو أن كمية كبيرة من السيليكون المتقدم ستستخدم وطاقة ستستهلك. لكن أي نوع من السيليكون سيكون، ومن سيكون في وضع أفضل لإمداده؟
يمكن القول إن الطلب سيكون مرتفعا على وحدات المعالجة الرسومية – ما سيفيد “إنفيديا” وإلى حد أقل شركة إيه إم دي “التي ارتفعت أسهمها هذا العام 30 في المائة”. إلى جانب مهمة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الكبرى، من المحتمل أن تستخدم وحدات المعالجة الرسومية أكثر على نطاق واسع في الاستدلال – عملية مقارنة بيانات حقيقية بنموذج مدرب لتقديم جواب مفيد.
حتى الآن كان استدلال الذكاء الاصطناعي سوقا صحية للشركات مثل “إنتل” التي تصنع وحدات المعالجة المركزية “المعالجات التي تستطيع تحمل نطاق واسع من المهام لكنها أقل كفاءة في تشغيلها”. لكن من الأرجح أن تكون نماذج الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الأنظمة التوليدية كبيرة جدا بالنسبة إلى وحدات المعالجة المركزية، ما يتطلب مزيدا من وحدات المعالجة الرسومية القوية لتولي هذه المهمة، وفقا لكارل فرند من شركة كامبريان لأبحاث الذكاء الاصطناعي.
كان من غير المؤكد قبل خمسة أعوام أن تكون “إنفيديا” في هذا المكان. مع ارتفاع الطلبات الحاسوبية من تعلم الآلة بشكل كبير، ظهرت مجموعة من الشركات الناشئة لصنع “مسرعات” ذكاء اصطناعي مختصة. تشير ما تسمى بالدوائر المتكاملة محددة التطبيق، المصممة لتؤدي مهمة واحدة فقط لكن بأكثر الطرق فاعلية، إلى طريقة أفضل للتعامل مع عملية تحليل مكثفة للبيانات.
لكن التوقعات من أن وحدات المعالجة الرسومية ستفشل في مضاهاة الأجهزة المبنية لهذا الغرض أثبتت خطأها، وتبقى “إنفيديا” في المقدمة. يعود الفضل في ذلك إلى برنامجها كودا، الذي يستخدم لتشغيل التطبيقات على وحدات المعالجة الرسومية للشركة، ما يربط المطورين برقائق “إنفيديا” ويقلل حافز الشراء من “إيه إم دي”.
تمتلك “إنفيديا” أيضا منتجا جديدا يدخل السوق في الوقت المناسب، شريحتها إتش 100 الجديدة. تم تصميمه خصيصا للتعامل مع الشبكات العصبية غير الترتيبية، تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي كانت وراء التطورات الكبيرة الحديثة في نماذج اللغة والرؤية. بالنسبة إلى مصممي الدوائر المتكاملة محددة التطبيق، يصعب التعامل مع التغييرات في البنية الأساسية مثل تلك. تعد إعادة تصميم كل جيل جديد من الرقائق باهظة الثمن، وقد يكون من الصعب بيع ما يكفي لتعويض تكاليف التطوير.
لكن المنافسة على وشك أن تشتد. يعود نجاح “مايكروسوفت” في استغلال بحوث شركة أوبن إيه آي ليكون لها السبق في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الأجهزة المتخصصة التي بنتها لتشغيل نماذج “أوبن إيه آي” المبنية على وحدات المعالجة الرسومية. لكن صناعة الرقائق كانت مليئة بالتكهنات حول أن شركة البرمجيات العملاقة تصمم مسرعات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها الآن.
إذا فعلت ذلك فإنها لن تكون الوحيدة بالتأكيد. قررت “جوجل” قبل ثمانية أعوام أن تصمم رقائقها الخاصة، المعروفة بوحدات معالجة الموتر، للتعامل مع أعمالها المكثفة للذكاء الاصطناعي. تبعتها “أمازون” و”ميتا”. نشأت فكرة الشبكات العصبية غير الترتيبية في “جوجل”، ما يشير إلى أن شركة البحث العملاقة قد طورت رقائقها الأخيرة على الأقل لتعمل مع نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة.
قد يأتي تهديد آخر وشيك من “أوبن إيه آي” نفسها. طورت شركة الأبحاث التي كانت خلف “تشات جي بي تي” برنامجها الخاص، المسمى تريتون، لمساعدة المطورين على تشغيل شبكاتهم العصبية على وحدات المعالجة الرسومية. يمكن أن يقلل ذلك من الحاجة إلى كودا من “إنفيديا”، خطوة واحدة نحو تحويل رقائقها إلى سلعة ومنح المطورين مثل “أوبن إيه آي” الفرصة لاستخدام نماذجهم على أي جهاز.
إذا انتهى المطاف بسوق الذكاء الاصطناعي في أيدي عدد صغير من شركات التكنولوجيا العملاقة، لكل منها حافز اقتصادي كبير لتصميم رقائقها المتخصصة، فإن آفاق “إنفيديا” طويلة المدى ستتقلص. لكنها تحدت المشككين من قبل، وعلى الأقل في الوقت الحالي، فهي في وضع جيد لأحدث موجات هوس الذكاء الاصطناعي في عالم التكنولوجيا.