سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد الدخاخني
في الأعوام القليلة الماضية، تغيرت إطلالة الطاقة العالمية.
أدّى الشّعور المتزايد بالإلحاح بشأن تغير المناخ إلى إثارة النّقاشات حول سياسة الطاقة في البلدان الغنية، مما أدى بدوره إلى توليد مزيج مذهل من السّياسات الصّناعيّة الجديدة. وجعلت جائحة «كوفيد-19» من الصّعب للغاية التّنبؤ بأسعار الوقود وأنماط الاستهلاك وأجبرت العديد من البلدان على مواجهة ارتباطاتها بسلاسل التّوريد الهشّة. وحطّم الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا في عام 2022 ما بقي من فانتازيّات الاعتماد على الذّات، ممّا دفع أوروبا إلى إعادة النظّر في اعتمادها على الموارد الرّوسيّة وأجبر الولايات المتّحدة على الاعتراف بالنّفوذ الخليجيّ المستمرّ في أسواق الطّاقة.
لكن خلال هذه الاضطّرابات، بدا أنّ دور دول الخليج الغنيّة بالنّفط والغاز لم يتغيّر كثيراً. افترض العديد من المحلّلين أنّ هذه الأنظمة ستشهد انخفاضاً بطيئاً لأنّ النّمو في الطّاقة المتجدّدة جعلها تعتمد على عائدات هيدروكربونيّة منخفضة. لكن هذا الموقف التّحليلي آخذ في الخفوت. تُقدّم دول الخليج نفسها الآن على أنّها محرّكات للتّحوّل العالميّ باتّجاه الطّاقة النّظيفة.
التّحوّل نحو الطاقة النّظيفة
في الدّاخل، تقوم هذه الدّول بوضع نموذج لإطار عمل جديد – يعتمد على تدخّل الدّولة – للتّحوّل نحو الطّاقة النّظيفة، ممّا يتحدّى خمسين عاماً من الرّأي التّقليديّ الرّائج القائل بأنّ التّدخّل الحكوميّ الجريء في قطاع الطّاقة لا ينجح. في الخارج، تسعى هذه الدّول إلى شراكات جديدة في مجال الطّاقة مع البلدان المتقدّمة التي تهتم بالبيئة، وإلى الاستثمار في الطّاقة النّظيفة في الاقتصادات النّاشئة في الشّرق الأوسط وخارجه.
فكرة قيادة دول خليجيّة للطّاقة النّظيفة جذّابة. فهي تُقلّل من حجم الضّغط الموضوع على كاهل الولايات المتّحدة وأوروبا للتّنسيق، بشكل غير مريح في كثير من الأحيان، مع الصّين بشأن أهداف الطّاقة النّظيفة، لا سيما في البلدان النّامية. لكنّ الجاذبيّة تتجاوز ذلك. إذا بدأت دول الخليج في السّعي وراء الطّاقة النّظيفة، فهذا يشير إلى أنّ مجموعة أكبر بكثير من الجهات الفاعلة – مثل الشّركات، والأسواق النّاشئة الهشّة، والدّول غير المنحازة – يمكن أن تسعى وراء الطّاقة النّظيفة، أيضاً.
برنامج الطّاقة النووية في السعودية
اليوم، يهدف برنامج الطّاقة النّوويّة في السّعوديّة، الذي تبلغ تكلفته 33 مليار دولار، إلى توفير جزء كبير من عملية توليد الطّاقة الجديدة المخطّط لها. ووضعت المملكة هدفاً أوسع لتوليد 50 في المائة من إمداداتها الوطنيّة من الطاقة من مصادر متجدّدة بحلول عام 2030، وبعض ذلك سوف يأتي من أكبر محطّة للطّاقة الشّمسيّة في موقع واحد في العالم – في مكة المكرمة – والتي تبلغ طاقتها التّوليديّة 2060 ميغاوات.
في 2022، أعلنت «مصدر»، وهي شركة طاقة مملوكة بالكامل لدولة الإمارات، أنّها ستقود مشاريع الطّاقة المتجدّدة في أنغولا، وأذربيجان، وقيرغيزستان، ورومانيا، وتنزانيا، وأوغندا
كما أنّ التّحوّل الأخضر في إنتاج الطّاقة يشجّع الاستثمارات الجديدة في الشّركات الصّناعيّة الخليجيّة وتصنيف منتجاتها على أنّها مستدامة وخالية من الكربون. هذا هدف من جزأين في دولة الإمارات: بناء قاعدة صناعيّة غنيّة بالطّاقة لإنتاج منتجات عالية الكثافة، مثل الألمنيوم، وإنشاء آلية لإصدار الدّيون والأدوات الماليّة التي تجذب المستثمرين المهتمّين بالبيئة. ويتمّ الآن تزويد المرافق البرّيّة لشركة «أدنوك»، شركة النّفط الحكوميّة الإماراتيّة، من خلال الطّاقة النّوويّة والشّمسيّة، ممّا يقلّل بشكل كبير من كثافة الكربون. وتخطّط «شركة الإمارات العالميّة للألمنيوم» لتصنيع «الألمنيوم الأخضر» الذي يولَّد بالطّاقة الشّمسيّة والنّوويّة. وأول عميل لها هو شركة «بي إم دبليو» الألمانيّة، التي ستشتري الألمنيوم المصنوع من مواد معاد تدويرها والمصهور بالطّاقة النّظيفة.
الصناديق السيادية
لا تجتذب دول الخليج الاستثمار في الطّاقة النّظيفة فحسب، بل تسعى أيضاً لأن تصبح لاعباً إنمائيّاً، باستخدام صناديقها السّياديّة للاستثمار بقوّة في كلّ من الطّاقة المتجدّدة والمشاريع كثيفة الكربون في المنطقة وخارجها. إنّ فجوة التّمويل بين الحاجة والاستثمار في الطّاقة النّظيفة في العالم النّامي هائلة. وقدّر تقريرٌ صدر في عام 2021 عن «معهد جرانثام لأبحاث تغيّر المناخ والبيئة» أنّ هناك حاجة إلى حوالي ثلاثة تريليونات دولار من الاستثمارات السّنويّة للانتقال إلى اقتصاد عالمي منخفض الكربون، وثلاثة أرباع المبلغ يجب أن يوجّه خارج أكبر سبعة اقتصادات متقدّمة في العالم.
ويستعدّ الخليج للعون في سدّ هذه الفجوة. عادةً ما تستثمر دول الخليج في مناطق عالية النّمو ومرتفعة في تعدادات السّكان، والتي من المحتمل أن تحتاج إلى المزيد من الطّاقة من الخليج في المستقبل – ليس فقط النّفط والغاز ولكن أيضاً الكهرباء. بتكلفة 1.8 مليار دولار، تقوم السّعوديّة الآن ببناء خط ربط كهربائيّ مباشر عالي الجهد سيرسل في النّهاية ثلاثة آلاف ميغاواط من الكهرباء إلى مصر. وسيبدأ خط ربط كهربائيّ مماثل في تزويد العراق بالكهرباء من دول «مجلس التّعاون الخليجيّ» العام المقبل. وتقوم شركة «أكوا باور» السّعوديّة، التي يمتلك فيها «صندوق الاستثمارات العامّة» للدولة نسبة خمسين في المائة، بتطوير محطّات للطّاقة الشّمسيّة في أذربيجان، وإثيوبيا، والعراق، وأوزبكستان. وفي عام 2022، أعلنت «مصدر»، وهي شركة طاقة مملوكة بالكامل لدولة الإمارات، أنّها ستقود مشاريع الطّاقة المتجدّدة في أنغولا، وأذربيجان، وقيرغيزستان، ورومانيا، وتنزانيا، وأوغندا.
لا تجتذب دول الخليج الاستثمار في الطّاقة النّظيفة فحسب، بل تسعى لأن تصبح لاعباً إنمائيّاً، باستخدام صناديقها السّياديّة للاستثمار في الطّاقة المتجدّدة والمشاريع كثيفة الكربون
إنّ تحركّات دول الخليج لترسيخ نفسها كجهات فاعلة رئيسة في مجال الطّاقة النّظيفة، خاصّة جهودها لاحتجاز وتخزين انبعاثات الكربون، هي سبب للتّفاؤل. الخبرة في توصيل الطّاقة وفيرة في هذه الدول. وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الفهم العميق للطّلب العالميّ على الطاقة. وقد تكون هذه الدّول مستعدة بشكل متزايد للاستثمار في أماكن لن تستثمر فيها الدّول الغربيّة.
المصدر: ترجمة حفريات لمقال فورين أفيرز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر