التدريبات العسكرية الصينية-الروسية | مركز سمت للدراسات

التعاون الصيني الروسي وتغيير النظام الدولي

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 31 أغسطس 2021

د. علي الدين هلال

 

انشغلت وسائل الإعلام الدولية الأسبوعين الأخيرين بأوضاع أفغانستان، وتجاهلت التدريبات العسكرية الصينية-الروسية.

وقد بدأت تلك التدريبات في التاسع من أغسطس الجاري وانتهت في الثالث عشر منه تحت عنوان “التعاون-2021”.

وبعثت هذه التدريبات برسالة إلى العالم عن عمق علاقات التعاون بين العملاق الاقتصادي الصيني، والعملاق العسكري الروسي، ودورهما في معادلة تغيير النظام الدولي.

انعقدت هذه التدريبات في منطقة “نينجشيا”، التي تتمتع بالحكم الذاتي في شمال غرب الصين، وتقع على حدود “شينجيانج”، التي تشترك في حدود مع أفغانستان، وشارك فيها أكثر من عشرة آلاف مقاتل من البلدين، وتنوعت الأسلحة المستخدمة بين الطائرات والدبابات والمدرعات، وكان منها جزء كبير يتم استخدامه لأول مرة في هذه التدريبات.

وتجاوزت قوة النيران فيها بكثير ما تحقق في تدريبات سابقة، وبث الجيشان مقطع فيديو يوثِّق إطلاق 265 طناً من الذخيرة خلال 45 دقيقة فقط.

وتنبع أهمية هذه التدريبات من أنها الأولى، التي تنظمها الصين مع دولة أخرى منذ ديسمبر 2019، وأنها المرة الأولى، التي يدخل فيها الجيش الروسي قاعدة عسكرية صينية للتدريب التكتيكي للأسلحة المختلطة، وأنها تمت في عمق المناطق الاستراتيجية النائية في الصين، مما يوضح حجم الثقة المتبادَلة بين البلدين، كما أنها هدفت إلى تبادل الخبرات في مجالات قيادة القوات وإدارتها، ونُظُم الاستطلاع والإنذار المبكر، وأمن المعلومات والتعامل مع هجمات المعلومات الإلكترونية، ومكافحة الإرهاب.

وتضمنت لأول مرة تدريب القوات الروسية على استخدام الأسلحة الصينية، فضلا عن أنها جاءت في أعقاب تدريبات عسكرية روسية مع طاجيكستان وأوزبكستان على الحدود الأفغانية.

ثم إنها -أخيراً- تمت إبان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ودخول “طالبان” العاصمة كابول في 15 أغسطس الجاري، أي بعد يومين من انتهاء التدريبات.

وتُعتبر تلك التدريبات إحدى حلقات التعاون الاستراتيجي والشراكة الشاملة بين البلدين، والتي وصفتها وزارة الدفاع الصينية بأنها “تُظهر قدرة البلدين على محاربة العناصر الإرهابية والحفاظ على السلام والأمن الإقليميين”.

لا يمكن للمراقب الفصل بين توقيت تلك التدريبات والانسحاب الأمريكي من أفغانستان بما سوف يحدثه من فراغ قد يُغري منظمات إرهابية للاستفادة منه، فكانت رسالة تلك التدريبات استباقية للقوى الإقليمية والدولية، بأن القدرات الصينية والروسية على استعداد إذا تطلَّبت الحاجة إلى التدخل ومنع تلك السيناريوهات الخطرة من الحدوث.

كما بعثت أيضاً برسالة إلى واشنطن حول عمق العلاقات بين الصين وروسيا، اللتين تنظر إليهما واشنطن باعتبارهما خصوماً لها، وأن محاولات واشنطن لزرع الفتنة أو الخلاف بينهما هي جهود ضائعة ولا جدوى منها.

لم تُخفِ الصحافة ومراكز البحوث الروسية أن أحد أسباب هذه التدريبات هو مواجهة الضغوط الأميركية والغربية على موسكو، والتي بلغت سقفاً عالياً بتهديد الرئيس “بايدن” في 27 يوليو الماضي بشن حرب شاملة ضد روسيا والصين حال استمرار الهجمات السيبرانية على المراكز الاقتصادية والأمنية الحيوية في أميركا، وهو نفس المعنى الذي ظهر في تصريحات وزير الدفاع الصيني من قبل بعد مباحثاته مع نظيره الروسي في يوليو 2021 على هامش اجتماعات وزراء دفاع منظمة “شنغهاي” للتعاون في “دوشنبه”، عاصمة طاجيكستان، وإشارته إلى أن لقاءات التعاون العسكري بين الصين وروسيا “لم تُعجب بعض الدول، وهذا هو بالضبط جوهر لقائنا”.

وبالطبع، أثارت هذه التدريبات مخاوف واشنطن وبعض العواصم الغربية، وحملت مقالات كثيرة نشرتها كبريات الصحف هذا القلق، ووصل الأمر ببعضها إلى الحديث عن احتمال قيام “تحالف أو اتحاد عسكري” بين البلدين.

بينما قلل محللون آخرون من هذا الاحتمال باعتبار أنه يحدُّ من استقلال كل من الدولتين في اتخاذ قراراتهما.

وهناك اتفاق على أن تطوير القدرات العملياتية العسكرية للبلدين يمثِّل تهديداً لأمريكا، خاصة مع انسحابها من أفغانستان وعدم وجود قواعد عسكرية بديلة لها في مناطق قريبة، كما أن تعاونهما في تطوير نُظُم الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية الأمريكية يمثِّل تهديداً مماثلاً.

وأعتقد أنه لا ينبغي النظر إلى هذه التدريبات العسكرية على أنها حدث منفصل، وإنما جزء من شبكة علاقات التعاون الصيني الروسي، والتي تشمل:

مجال التشاور السياسي، وتبنِّي مواقف مشتركة في القضايا العالمية والإقليمية، ونمو علاقات التبادل التجاري والاستثمار، والتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة وبحوث الفضاء، والمشاركة في مناورات بحرية منتظمة.

لذلك، فإن تدريبات “تعاون 2021” تمثِّل خطوة في جهود روسيا والصين لتحدي دور الولايات المتحدة كقطب وحيد، والعمل على تغيير النظام الدولي ليكون متعدد الأقطاب، خاصة مع تزايد الثقل النسبي لكل منهما ونجاحهما في توسيع علاقاتهما الخارجية مع أغلب دول العالم.

 

المصدر: العين الإخبارية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر